نظرة فموعد فلقاء… فتوتّر جبران!

جورج حايك
جورج حايك

تعددت القراءات للقاء قائد الجيش العماد جوزيف عون ورئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، والجامع المشترك لكل هذه القراءات أن هذا اللقاء كان نقطة تحوّل في الملف الرئاسي. فتكتّم عون عنه وتساهل “حزب الله” في تسريبه اعلامياً عبر بعض الصحافيين المحسوبين عليه، يعطي أبعاداً غير كلاسيكية للقاء، على الرغم من أن مصادر مطلعة تؤكّد أنه لا يخرج عن إطار اللقاءات العادية التي يجريها العماد عون مع ممثلي الأحزاب والمكوّنات الأخرى، والطبق الأساس لهذا اللقاء ليس رئاسياً، إنما أزمات البلد الرئيسة كالنزوح السوري الجديد والمعابر غير الشرعية، وحادثة الكحالة والأوضاع الأمنية المتدهورة في مخيم عين الحلوة.

وتشير المصادر إلى أنه على الرغم من ذلك، لم يكن الملف الرئاسي بعيداً عن اللقاء من خلال أسئلة كان “حزب الله” بحاجة الى أجوبة عنها، علماً أن تعاطي “الحزب” اعلامياً مع اللقاء هو رسالة بحد ذاتها، مع أن الطرفين اتفقا على ابقائه سرياً، بحيث أن أيّ طرف سيسرّبُ حصوله ومضامينه للطرف الآخر حقُّ النفي، فإختار “الحزب” التساهل، أما عون فبادر إلى النفي. وقد جاء اللقاء مباشرة بعد زيارة كبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين الى لبنان والذي التقى عون أيضاً الى مأدبة عشاء، ووزّعت صورة إلى الاعلام بدا فيها العماد عون في لباس مدني، مستضيفاً هوكشتاين والسفيرة دوروثي شيا وبعض المسؤولين الأميركيين. فالجامع المشترك بين اللقاء الأميركي ولقاء “حزب الله” كان العماد عون، واللبيب من الاشارة يفهم!

وتلفت المصادر إلى توقيت لقاء عون ورعد، وهو أتى قبل زيارة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان وما يُحكى عن زيارة لمسؤول قطري إلى لبنان أواخر الشهر الجاري، سيستكمل البحث في الملف الرئاسي، ومن المعروف أن مرشّح قطر الذي تروّج له في كل حركتها الديبلوماسية هو العماد جوزيف عون، إلى جانب اهتمام مصري لافت به.

وتجزم المصادر بأن رعد أكد في اللقاء أن “الحزب” مستمر في ترشيحه لرئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، وهذا يعني أنه ينتظر ثمناً مقبولاً له ولحليفيه جبران باسيل وسليمان فرنجية، مقابل التخلي عن الأخير والانتقال إلى الخطة “باء” أي القبول بعون رئيساً وخصوصاً قبل نهاية خدمته في كانون الثاني المقبل. أما لسان حال العماد عون كالعادة، فهو أن علاقاته جيدة مع الجميع، لكنه حالياً ليس مرشحاً للرئاسة وما يعنيه في الوقت الراهن هو أمن البلد وتأمين مستلزمات الجيش، وهو لا يخوض معركة الرئاسة لكنه مستعد لكل خطوة تنقذ البلد اذا كان هناك توافق وطني على اسمه.

لذلك، ترى المصادر أن عملية انتخاب رئيس لا تزال بعيدة في ظل عدم اكتراث أي جهة دولية وخصوصاً واشنطن بمنح “الحزب” ما يرضيه في أي تسوية. ويعلم عون أن التسوية ربما لا تزال بعيدة، ومن السابق لأوانه البحث في هذا الموضوع في ظل التطورات المرتقبة.

وتشير المصادر إلى أن فتح “الحزب” النافذة على قائد الجيش يعكس رؤيته البراغماتية للأمور، انطلاقاً من واقع عجزه عن تأمين وصول فرنجية الى بعبدا، في ظل التوازنات النيابية السلبية التي تمنع كلاً من فريقي “الممانعة” و”المعارضة” من فرض مرشحه على الآخر.

ومن البديهي أن ينعكس هذا اللقاء السريّ على المبادرات الدولية من خلال زيارة لودريان التي بدأت اليوم، وتسبق انعقاد اللجنة الخماسية بعشرة أيام، وسيكون له تأثير أكبر على زيارة المسؤول القطري الذي يأتي قائد الجيش كخيار أول بالنسبة اليه، وربما سيشكّل فرصة لـ”الحزب” كي يطرح شروطه والثمن الذي يريده، لأن القطريين قادرون على التواصل مع كل عواصم القرار، والجميع يعرف أن حركتهم أدت إلى اتفاق الدوحة وانتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً عام 2008.

من جهة أخرى، توضح المصادر أن سرّ خطاب جبران باسيل المتوتر في البترون، يتعلق بلقاء العماد عون والنائب رعد، صحيح أنه أطلق النار على أكثر من جهة، إلا أنه لم يوفّر “الحزب”، وخصوصاً في تبريره لمشروع اللامركزية التي أكد أن “أهل البترون لن يستفيدوا منها فقط، بل كل اللبنانيين”، وهذا يعني أن “حزب الله” ليس متحمساً للصيغة التي يطرحها باسيل عن اللامركزية أي الموسعة ادارياً ومالياً وأمنياً، وثمة علامات بأن الحوار بين “التيار” و”الحزب” ليس على ما يُرام. وبالنسبة إلى باسيل، فهو يفضّل فرنجية على العماد عون في الرئاسة، وانفتاح “الحزب” على قائد الجيش لا يريحه.

والجدير بالذكر أن حلفاء “الحزب” أي الرئيس نبيه بري، لا يبدو معنياً بالحوار الثنائي بين “الحزب” و”التيار” ولا بمشاريع باسيل ولا يعتبر نفسه ملزماً بها، وهذا يعني أن العوائق كثيرة والحوار لن يؤدي إلى النتائج المرجوة، وقد يبقى على مستوى “التيار” و”الحزب” من دون أن يبصر النور على أرض الواقع. وآخر المعلومات تؤكّد، وفق المصادر السياسية المطلعة، أن “الحزب” طلب من “التيار” الفصل بين موضوع الحوار الذي قد يستغرق شهوراً ومسألة التفاهم على اسم رئيس مقبل لأنه بات عنواناً ملحّاً.

من هنا، لن يكون رهان باسيل على الوقت موفقاً، فكابوس قائد الجيش سيرافقه دائماً وخصوصاً أنه في ظل عدم تعيين رئيس للأركان، ليتولى مهام قيادة الجيش بعد تقاعد جوزيف عون، لا بد من العمل على إعداد مرسوم تمديد ولايته، كي لا يتسلل الفراغ إلى موقع قيادة الجيش، فهذا أمر لا يمكن لأحد أن يتحمله. وقد جاء هذا الطرح من عند الرئيس برّي، الذي أراد إحراج باسيل أكثر، والضغط عليه خلال فترة تفاوضه مع “الحزب”، بأن الرهان على الوقت لن يكون مجدياً.

في الختام، كل الأنظار تتجه اليوم إلى جولة لودريان وما سيستتبعها من تحرك قطري، واجتماع اللجنة الخماسية المقبل، وكلّها تصبّ في خانة الضغوط والاغراءات للقوى السياسية اللبنانية من أجل القبول بتسوية يُطرح فيها إسم ثالث، وكما يبدو الأكثر احتمالاً هو العماد جوزيف عون، وإن طالت المفاوضات والحوارات، فإن ما سيُطرح، بحسب المصادر المطلعة، لن يكون رئيساً من لدن فريق 8 آذار(محور الممانعة) أو يزكيه فريق المعارضة.

شارك المقال