مقاطعة جلسة اللاجئين… مناكفات وتصفية حسابات ومتاجرة بالملفات

هيام طوق
هيام طوق

شهدت المعابر غير الشرعية عبر الحدود البرية مع سوريا موجة نزوح جديدة في اتجاه لبنان حيث تصاعدت الضغوط السياسية الداخلية لوضع حد لها، ومطالبة الحكومة بمعالجة هذه الأزمة واتخاذ التدابير اللازمة لمنع التسلل خصوصاً من الجهتين الشمالية والشرقية إذ تمتد خطوط التهريب على مساحة كبيرة، تبدأ من الصويري في البقاع الغربي، إلى أقصى شمال شرقي لبنان، وعلى كامل المنطقة الحدودية في الشمال حيث يُعدّ التهريب أسهل، بالنظر إلى الغطاء النباتي الذي يخفي المتسللين.

وفيما أعلنت قيادة الجيش عن احباطها بتواريخ مختلفة خلال الأسبوع الماضي، محاولات تسلل آلاف السوريين، دعا رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الى عقد جلسة وزارية مخصّصة للبحث في ملف اللاجئين السوريين، لكن نصابها لم يكتمل، وبالتالي لم تنعقد، فقرر ميقاتي اجراء لقاء تشاوري مع الوزراء الحاضرين وقائد الجيش العماد جوزيف عون والمدير العام للأمن العام بالانابة اللواء الياس البيسري.

وفي هذا الاطار، أسف المكتب الاعلامي لرئيس الحكومة “لعدم حضور الوزراء المتغيبين عن الجلسة، لا سيما الذين تصدح حناجرهم طوال النهار بمواقف من هذا الملف، من باب المزايدة ليس إلّا”، مشدّداً على أنّ “الحكومة لم تتأخّر يوماً عن اتخاذ القرارات المناسبة في هذا الملف، وأنّ الجيش وسائر الأجهزة الأمنية يقومون بواجباتهم في هذا المجال، لكن المطلوب اتخاذ موقف وطني جامع وموّحد بشأن كيفية مقاربة هذا الملف لا سيما النزوح المستجد لمئات السوريين عبر نقاط عبور غير شرعية”.

وقال وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هكتور حجّار: “بعد الإعلان الأسبوع الماضي عن نيّتي المشاركة في الجلسة الوزاريّة المخصّصة للبحث في ملف النازحين السوريين فقط، قرّرت عدم المشاركة فيها، بعد أن تبيّن لي من خلال الاتصالات والمشاورات أنها بحاجة الى المزيد من التحضير لتكون مجدية وفاعلة، فأتت النتيجة بحسب توقّعاتي”.

وقبيل الجلسة التي لم تعقد، قال وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين: “سأطلب ضبط الحدود بالتعاون مع سوريا ولن أقبل بأن تكون اللجنة الوزارية مؤلّفة من الوزير عبد الله بو حبيب فقط”.

انطلاقاً من هذا الواقع، وفيما كل القوى تطالب بوضع حد للنزوح السوري خصوصاً الذي حصل الأسبوع الماضي، وطالما أن رئيس الحكومة حدّد جلستين لمجلس الوزراء أمس، الأولى، قبل الظهر كانت مقررة لبحث ملف النزوح السوري فقط، فيما الثانية خُصصت لاستكمال البحث في مشروع قانون الموازنة العامة للعام 2024، لماذا لم يحضر الوزراء الجلسة الأولى طالما أن الجميع متفق على ايجاد حل لأزمة النزوح؟ وهل فعلاً النكايات السياسية والمناكفات هي التي تتحكم باللعبة السياسية وبالملفات الكبرى خصوصاً ملف اللاجئين الذي يتفق الجميع على عناوينه العريضة لكن الأقوال تأتي معاكسة للأفعال؟

مصدر مقرب من رئيس الحكومة قال لموقع “لبنان الكبير”: “من لا يثبت كلامه بالفعل، يؤكد أن لديه أجندة سياسية يحتكم اليها علماً أن القوى الأمنية ستسير بنهج التشدد في معالجة تسلل النازحين، لكن المعالجة المتكاملة تفترض قراراً من مجلس الوزراء اذ أصبح واضحاً أن هناك من لا يرغب في وضع الامور بحدها الأدنى على السكة الصحيحة ربما رغبة منه في مزيد من التأزم والا كيف نفهم المزايدات حول ملف النازحين في الاعلام ثم حين يجب اتخاذ القرار الرسمي يتغيّبون عن الجلسة الوزارية؟ هذا تناقض هائل. وهناك علامة استفهام كبرى حول عدم حضور هذه الجلسة تحديداً التي يتفق كل اللبنانيين على موضوعها اذ على المستوى الشعبي والسياسي يؤكدون خطورة الموجة الجديدة من النزوح، وعندما تحين لحظة الحقيقة واتخاذ القرارات، يقاطعون”.

وأكد أن “ما يقال عن أن الجلسة تحتاج الى مزيد من التحضير لتكون مجدية، مجافٍ للحقيقة لأن الأمور نوقشت بصورة معمقة في الجلسات السابقة التي خصصت لملف النازحين إن كان على المستوى الأمني أو الاجراءات اللوجيستية وحتى على مستوى كيفية التعاطي مع الجانب السوري في هذا الموضوع. وبالتالي، كان الأجدى أن تنعقد جلسة مجلس الوزراء، والأفضل للجميع أن تحصل لأن كل فريق سياسي على الأقل كان وضع أفكاره على طاولة البحث للنقاش واتخاذ القرار المناسب فيما عدم الحضور بتبريرات متنوعة لن يؤدي الى نتيجة”.

وأشار المصدر الى “التعاطي مع ملف النزوح بصورة يومية لأن الأمور تتفاقم والمعالجة تكون على مستويات عدة اذ أُعلن أن هناك عصابات تستفيد من تهريب السوريين مقابل مبالغ مالية”، معتبراً أن “العناوين متقاربة في ما يتعلق بالنزوح السوري، لكن في الممارسة، تلعب المناكفات السياسية دورها حتى لو كان الأمر يتعلق بالملفات الكبرى. وفي الخلاصة، المواقف شعبوية، والمعالجة لا تهمهم. واليوم، المهم الأفعال وليس الأقوال التي تجافي الحقيقة”.

في المقابل، لفت مصدر من “التيار الوطني الحر” الى “أننا لم نحضر جلسات الحكومة التي نعتبرها غير شرعية، والوزراء المقربون من التيار لم يشاركوا في أي جلسة منذ الشغور الرئاسي”، متسائلاً: “اذا كنا نعتبر اجتماعات الحكومة غير شرعية، فهل يجوز إن كان الموضوع يهمنا ونعتبره دقيقاً وخطيراً، أن نحضر اجتماعات الحكومة التي نعتبرها غير شرعية، ونساهم في اعطائها الشرعية؟ هل نتعاطى مع الحكومة على القطعة أو على الملف؟ طبعاً لا. هذا هو حجم الموضوع لا أكثر ولا أقل”.

وقال: “عندما كان هناك فريق سياسي يحذر من خطورة النزوح السوري منذ العام 2011، يحق لنا بدل اتهامنا بالتعطيل أن نسأل: أين كانت الأطراف السياسية حينها من هذا الملف؟”. ورجح عدم المشاركة في اللجنة الوزارية التي ستتولى التفاوض مع الجانب السوري في هذا الاطار”.

أما أحد المعنيين والمراقبين، فشدد على أن “ملف اللاجئين السوريين كما كل الملفات الشائكة في البلد، يتم التعاطي معه انطلاقاً من النكايات السياسية بين الأطراف، مع أن الأهم والضروري والواجب اليوم، تحييد هذا الملف عن السياسة، والمعالجة الحقيقية تكون من خلال التفاوض مع الجانب السوري. لا يجوز التعاطي مع ملف بهذه الخطورة بهذه الطريقة”. وسأل عن سبب عدم حضور الوزراء الذين تغيّبوا مع العلم أنهم شاركوا في بعض الاجتماعات الحكومية السابقة، معتبراً أن “هذه استنسابية ونكد سياسي. هذه المواقف يُقبض ثمنها في اطار آخر اذ في لبنان تتم المتاجرة بالملفات الأساسية، ونحصد النتائج الكارثية”.

ورأى أن “نوايا تصفية الحسابات تظهر بوضوح في ملف اللاجئين، لأن الكل متفق على عناوينه انما يتاجرون به لأغراض سياسية، ويساومون عليه انطلاقاً من المصالح السياسية الضيقة. المطلوب اليوم، توضيح عدم المشاركة خصوصاً أن المقاطعين يطالبون بمعالجة ملف النزوح”، مشيراً الى أن “هناك من يريد افشال الآخر، أو يريد أن يدفّع الآخر ثمن مواقفه. لا نزال في هذه الدائرة الضيقة، والمعالجة الحقيقية لا تزال بعيدة المنال”.

شارك المقال