ضحايا جولة لودريان

جورج حايك
جورج حايك

تسارعت التطورات الرئاسية في الأيام المنصرمة والعنوان الأساس: جولة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان في لبنان، ويبدو أن الأنطباعات التي خرج بها العديد من المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم لودريان، تؤكّد ان ثمة انعطافة في الملف الرئاسي أدت، على الرغم من أنها لا تزال في البداية، إلى سقوط ضحايا على الطريق المؤدية إلى قصر بعبدا.

وهذه الانطباعات لم تأتِ من العدم، بل تؤكدها مصادر في المعارضة، لافتة إلى أن الضحية الأولى التي سقطت هي المبادرة الفرنسية بحد ذاتها، لمصلحة توجّه جديد يعكس رؤية اللجنة الخماسية المؤلفة من فرنسا، السعودية، مصر، الولايات المُتحدة وقطر، وبالتالي لن تقتصر الحركة الخارجية بإتجاه لبنان على لودريان الذي من المتوقع أن يبدأ مهمته الجديدة في السعودية في مطلع تشرين المقبل، بل ستدخل قطر بقوّة عبر وفد منها سيصل إلى لبنان الأسبوع المقبل، يبدأ مهمته من حيث انتهى لودريان، علماً أن القطريين يميلون إلى ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون، بدعم من السعوديين والأميركيين والمصريين. وبصرف النظر عن الأسماء، فاللجنة الخماسية ليست مع حوار موسّع، لأنها تعتبر كل الدعوات اليه مجرد تقطيع وقت، وليست مع تجاوز الدستور بل احترام أصول العملية الانتخابية، وتشجّع تكثيف الاتصالات وصولاً الى اسم رئيس يؤمّن مجموعة أصوات مقبولة من الفريقين تفتح له قصر بعبدا. وأكدت اللجنة في قطر أنها مع انتخاب رئيس للبلاد يجسّد النزاهة ويوحّد الأمة ويضع مصالح البلاد في المقام الأول، ويعطي الأولوية لرفاه مواطنيه ويشكل إئتلافاً واسعاً وشاملاً لتنفيذ الاصلاحات الاقتصادية الأساسية، ولا سيما تلك التي يوصي بها صندوق النقد الدولي.

وتضيف المصادر أن الضحية الثانية في جولة لودريان كانت المرشحين سليمان فرنجية وجهاد أزعور، بعدما أكد لودريان أن لا أمل بوصول الرجلين إلى قصر بعبدا، وبات من الضروري البحث عن إسم ثالث. ولا شك في أن كلام لودريان لا يمكن أن يكون مزاجاً شخصياً بل بعد لقاء مع رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” محمد رعد وفرنجية نفسه، وقد صارح الموفد الفرنسي أركان المعارضة بهذا الأمر من دون مواربة. من هنا، بات على الجميع النزول عن الشجرة ولا سيما الثنائي الشيعي الذي خاض معركته الرئاسية متسلحاً بفرنجية! ويبدو أن زيارة رعد لفرنجية كانت لإبلاغه أن هناك مرحلة جديدة لا أمل له فيها بالوصول إلى الرئاسة.

أما الضحية الثالثة، وفق مصادر المعارضة، فهو شكل الحوار الذي اقترحه رئيس مجلس النواب نبيه بري، إذ لمس لودريان رفضاً قاطعاً من المعارضة لحوار مستنسخ من الحوارات الوطنية السابقة التي لم يلتزم بها “حزب الله”، إضافة إلى تجاوز مبدأ الحوار للدستور وتناقضه مع المبادئ الديموقراطية.

وترى المصادر أن الضحية الرابعة هي حوار “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” اللذين يحاولان أن يوحيا للقوى السياسية بأنهما يتقدمان بسرعة، علماً أن هدف “الحزب” من هذا الحوار اقناع باسيل بانتخاب فرنجية، وملفات اللامركزية والصندوق الائتماني لا تأتي بالدرجة الأولى بالنسبة إلى “الحزب”. وبعد استبعاد فرنجية من الفرنسيين، قد يكون هذا الحوار لزوم ما لا يلزم، والمساعي الخارجية والداخلية أصبحت في مكان آخر. ومهما تمّ تسريع حوار الثنائي لن يكون أسرع من الملف الرئاسي الذين يخرج عن سيطرة الفريقين السياسيين المتحاورين.

وتقول المصادر: “نحن أمام مشهدية رئاسية جديدة، تعتمد على خريطة طريق من إعداد اللجنة الخماسية، وسيترجمها الوفد القطري بروحيّة جديدة ومختلفة، وتقوم المقاربة على حوارات ثنائية أو ضيقة، تشكّل تقاطعات قد تؤدي الى الاقتراب من التفاهم على اسم مرشح رئاسي ثالث أو الاتفاق على ثلاثة أسماء مرشحين مقبولين من كل القوى الأساسية يتنافسون في جلسة انتخابية مفتوحة، يتعهد بري بتأمينها حتى انتخاب رئيس. وقد علمنا أن الحوارات الثنائية أو الضيقة قد تكون في الدوحة لإخراج الرئاسة الاولى من عنق الزجاجة!”.

ووفق مصادر ديبلوماسية، فإن اللجنة الخماسية باتت مقتنعة بمواصفات قائد الجيش، وكلّفت قطر الحوار مع إيران و”حزب الله”، نتيجة للعلاقات الجيدة بين البلدين. وربما ستضيف اليه أسماء مرشحين آخرين مقبولين تسرّب منها إسم النائب نعمت افرام.

على أي حال، لودريان والوفد القطري سيقدّمان خلاصة عن مساعيهما خلال اجتماع اللجنة الخماسية في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 الشهر الجاري، وهناك معلومات أنها ستشهد مشاركة ايران من دون إدراجها في البيان الختامي.

لا شك في أن هناك حراكاً جدياً الهدف منه الدفع في اتجاه انتخاب رئيس للجمهورية، فهل يصل كل هذا الحراك الاقليمي والدولي الى نهاياته؟ وهل سنشهد رئيساً للجمهورية قبل نهاية السنة؟ حتى الآن لا جواب قاطعاً عن السؤالين. إلا أن من الواضح إذا فشل هذا الحراك فسنكون أمام فراغ طويل!

شارك المقال