سيناريو سقوط فرنجية… رئيس جمهورية محاصر

محمد شمس الدين

انتهت آخر جولة للمبعوث الفرنسي جان ايف لودريان بتعادل سلبي بين المحورين المشتبكين في البلد، وفيما يلتزم داعمو رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية نوعاً من الصمت، تجاهر المعارضة بأن ترشيحه سقط، ولن تتضح الصورة في القريب العاجل، ولا رئيس في الأفق. ولكن ماذا لو سقطت فعلاً ورقة فرنجية، ما هي الخطة “ب” عند داعميه؟ هل يتجهون الى ترشيح شخصية أخرى أم يتفقون مع المعارضة على اسم؟ وكيف سيعوضون خسارتهم في الاستحقاق الرئاسي؟

الخارج لم يدخل مباشرة حتى الآن في الاستحقاق الرئاسي، ولا يبدو أن هناك حتى كتابة هذه السطور، ما يشبه “دوحة 2 ” أو تسوية بتغطية خارجية، علماً أن اتفاق الدوحة لم يدم طويلاً، بعد تطيير حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2011 بـ “الوان واي تيكت” الشهيرة، إلا أنه عاش سنتين. واليوم في حال رست الأمور في النهاية على تسوية داخلية، بين المعارضة والموالاة، تنتخب الاسم الثالث، سيعتبر “حزب الله” أنه قدم تنازلاً كبيراً في الملف الداخلي اللبناني، وبالتالي، سيترك رئاسة الجمهورية، ويتجه الى الحكومة ورئيسها، وهو يمتلك مع حلفائه العدد الكافي لتكليف رئيس حكومة كما يريد، فالمعارضة من دون التقاطع مع “التيار الوطني الحر” وصلت في أفضل حالاتها إلى 42 نائباً، وهم أصلاً ليسوا جميعاً أصحاب مشروع واحد، بل يمكن في تشكيل الحكومة استمالة بعضهم عبر توزير وتعيين ومكتسبات سياسية معينة، أما الحزب وحلفاؤه فيشكلون بسهولة 52 صوتاً وهذا العدد معرض للارتفاع عند البدء بالعملية الدستورية بما يخص تكليف رئيس حكومة جديد، وبالتالي العدد هو لصالح الحزب، تحديداً أن التكليف لا يحتاج إلى نصاب ولا إلى نصف زائد واحد، والمعركة الحقيقية هي في حصول الحكومة على الثقة.

يستطيع الحزب أن يحصد الثقة للحكومة، ولكن حتى من دون الثقة تتولى الحكومة المؤلفة تصريف الأعمال وبالتالي تكون هي السلطة التنفيذية الحقيقية بالاضافة إلى رئيس الجمهورية. أما في حال اتجه رئيس الجمهورية إلى استنساخ تجربة ميشال عون عبر تعطيل التوقيع على تشكيلة الحكومة، فتستمر حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في تصريف الأعمال، وهذا الأمر لا يمانعه “حزب الله”.

وفي حال استطاع الحزب حصد الثقة للحكومة، يصبح بيده رسم سياسات البلد كما ينص الدستور، ويصبح رئيس الجمهورية محاصراً بقرارات الحكومة، ويعود خلاف الصلاحيات بين أركان السلطة الاجرائية.

فرنسا وضعت هذه السيناريوهات في حساباتها عندما بدأت الدخول على خط الأزمة اللبنانية، ولذلك طرحت في البداية المقايضة، معتبرة أنها ترضي الأطراف اللبنانية بهذا الأمر، وكذلك ترضي السعودية باعتبار أن رئيس الحكومة للطائفة السنية، وفي نهاية المطاف برأي فرنسا أن السعودية ستفضل رئاسة الحكومة على رئاسة الجمهورية، إلا أنها طرحت المقايضة بطريقة استفزت أطرافاً لبنانية، تحديداً الحزبين الأكبر مسيحياً، والسعودية لم تكن تفكر في موقع السنة وموقع المسيحيين بل اعتبرت المواقع للبنانيين، ووضعت تصورها لمواصفات رئيس للجمهورية، وللبنان مستقبلاً، من دون أن تأخذ طرفاً مع أحد ضد أحد، ما أدى الى سقوط مبدأ المقايضة، وبعدها تغيرت الخطة الفرنسية وفريق العمل المختص بالشأن اللبناني، وبدأت مهمة لودريان، التي لم تثمر أيضاً، بل لا يزال الانقسام سيد المشهد والفراغ مستمر.

صحيح أن الدستور يجب أن يحترم، وأنه لا ينص على حوار، ولكن على الأقل يجب أن يكون هناك حد أدنى من التفاهم في بلد عنوانه التنوع، وإلا يمكن لأي كان استعمال النصوص الدستورية بالنوايا السيئة وشل البلد، وعندها حتى لو انتصر فريق على آخر في رئاسة الجمهورية أو غيرها من الاستحقاقات، سيكون الخاسر هو البلد، ولعل تجربة عهد ميشال عون هي المثال الأوضح على ذلك، فقد كان عهداً تعطيلياً، بل كان العمل السياسي فيه انتقامياً فعلاً، حتى أصبحت تسميته المعتمدة “عهد جهنم”. وتجدر الاشارة الى أن عون وصل إلى الرئاسة بتوافقات هجينة انقلب عليها لاحقاً، فكيف يكون عهد رئيس للجمهورية وصل من دون توافق؟

شارك المقال