بنشعي – الضاحية… الرئاسة أو الفراق

أنطوني جعجع

هل يريد “حزب الله” فعلاً المرشح سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، تماماً كما كانت حاله مع العماد ميشال عون قبل سبع سنوات؟

وهل يمكن أن يأمن حسن نصر الله لرئيس يوزع مواقفه مناصفة ربما، بين ايران التي تحتكر الهيمنة على لبنان، والرئيس السوري بشار الأسد الساعي وراء مقعده الخالي في بعبدا ومقعده المتجدد في العالم العربي؟

وأكثر من ذلك، هل يأمن لرجل يتحدر من بيئة مارونية صافية، ومن أرضية جغرافية بعيدة ومعقدة لا تشكل أي خصوبة لعقيدة “حزب الله”، ولا تتحد خلف أي استراتيجية لا تتماهى مع ثوابت طالما تميز بها أهل زغرتا والشمال الماروني معاً؟

مصدر قريب من معسكر “الممانعة”، كشف في مجلس خاص، أن “حزب الله” لا يريد، في سره، سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية ولا يعمل لتسهيل وصوله الى قصر بعبدا، معتبراً اياه “فزاعة” يريد من خلالها وضع المعارضة المسيحية خصوصاً والمعارضة المتنوعة عموماً أمام خيارين: اما التلويح بتكرار تجربة الرئيس ميشال عون، واما الاتفاق على رئيس أبرم تحت الطاولة ما لم يظهره فوقها، تماماً كما فعل الرئيس الراحل حافظ الأسد في آخر ثمانينيات القرن الماضي، عندما طرح اسم الرئيس سليمان فرنجية الجد مرشحاً أساسياً، في الوقت الذي كان مخايل الضاهر مرشحه الخفي.

وأضاف المصدر: ان ايران تعمل أيضاً عبر الورقة الرئاسية على امكان الحصول من واشنطن على تنازلات في موضوع الاتفاق النووي، وفي موضوع ترسيم الحدود البرية بين لبنان واسرائيل، وفي موضوع الانتشار العسكري الأميركي في العراق وسوريا ومياه الخليج، في مقابل التخلي عن فرنجية الذي تعتبره الادارة الأميركية رجلاً “صنعه النظام السوري وحماه النظام الايراني”، وأسهم أو بارك في صورة مباشرة وغير مباشرة تثبيت الهيمنتين السورية والايرانية على لبنان.

وتابع: ان المصالحة الايرانية – السعودية لا تعني الموافقة على أي رئيس يختاره محور “الممانعة”، مشيراً الى أن الرياض تفصل بين أمن الخليج والوضع في لبنان، وتصر على أن انهاء الصراع مع حلفاء ايران في اليمن لا يعني اطلاق يد حلفائها الآخرين في بيروت، بل يعني فقط التوصل الى “تفاهمات” تلجم الحوثيين وصواريخهم، ولا تهدد النظام الحاكم في طهران.

ويوافق المصدر على أن من غير الممكن تمرير مرشحه من خلال الفرنسيين أو القطريين أو أي طرف لا يكون الطرف الأميركي الذي بات ينظر الى “لبنان النفطي” تماماً كما ينظر الى آبار الخليج، مفصحاً في الكواليس عن أنه لن يخوض “المرارة” الفرنسية في العالم، أي خسارة مراكز النفوذ العسكري والاقتصادي والاستراتيجي في أي بقعة من العالم حتى لو أدى الأمر الى مواجهات عسكرية عالمية.

وليس من قبيل المصادفة أن تتسرب اشارات من مناطق الضاحية تتحدث مرة عن سحب ورقة فرنجية من التداول، ومرة عن التمسك بها، وذلك في اطار لعبة شد الحبال تحديداً بين ايران التي تريد رئيساً اما يكون نسخة عن ميشال عون، واما رئيساً يغض الطرف عن كل ما يخدم استراتيجيات “حزب الله” في الداخل والخارج، وأميركا التي تريد رئيساً لا يسهم في سقوط حركة “فتح” لمصلحة “فلسطينيي ايران”، ويملك من القدرة الحاسمة ما يكفي للتعامل مع النزوح السوري الذي بات يهدد كل شيئ في لبنان ويهدد بـ “سورنته” لمصلحة الأسد وايران في مكان، والأصوليين الاسلاميين في مكان آخر.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، أين “حزب الله” من التدفق “الأصولي” على لبنان وهو الذي ادعى أن حربه في سوريا كانت لمنع التكفيريين من الوصول الى لبنان؟ وأين موقفه من “أصوليي” فلسطين الذين يحاولون اسقاط الخط الفلسطيني المعتدل بتغطية من ايران التي تحاول الامساك بالورقة الفلسطينية من كل جوانبها، معتبرة اسقاط مخيم عين الحلوة بمثابة اسقاط السلطة الفلسطينية في رام الله؟

ونعود الى السؤال الأول، هل يريد “حزب الله” حقاً المرشح سليمان فرنجية رئيساً؟

الواقع أن مجرد اقرار فرنجية بوجود منافس جدي له هو العماد جوزيف عون فهذا يعني مباشرة أو مواربة أن “حزب الله” تخلى عن شعار “فرنجبة أو لا أحد”، ويعني أيضاً أن ثمة مجالاً فتح بين “حزب الله” وكل الوسطاء المعنيين بالملف اللبناني بهدف الاتفاق على “رجل عسكري وسطي”، قادر على التعامل بحرفية مع الملفات الأمنية والاقتصادية الساخنة في لبنان، في اطار صفقة يهندسها الفرنسيون والقطريون بين كل من أميركا والسعودية وايران وإسرائيل، تعطي باريس جرعة نفوذ بعد خيباتها المتتالية في إفريقيا، وتعطي السعودية سلاماً في اليمن يترجمه المفاوضون الحوثيون في الرياض الآن، وتعطي ايران فسحة هواء تقوم على أمرين: رفع بعض العقوبات، في مقابل تهدئات في مياه الخليج واليمن وسوريا ولبنان، وتحديداً على حدود اسرائيل، وتعطي الدولة العبرية استقراراً جدياً قرب حقول الغاز المتسلل الى أوروبا.

سليمان فرنجية يعرف ماذا يجري في الكواليس، ويعرف أن “حزب الله”، قادر، اذا أراد فعلاً، على ايصاله الى بعبدا بطريقة سهلة وسلسة ألا وهي اعطاء جبران باسيل ما يطمح اليه في مقابل أصواته في البرلمان.

وكشف مصدر قريب من تيار “المردة” أن حسن نصر الله الذي ابتلع “اتفاق معراب” وتعهدات عون التي أرضت سمير جعجع، يمكن أن يبتلع مطالب باسيل ويضمن الغالبية النيابية المطلوبة في مجلس النواب.

وأوضح أن خروج أصوات من بنشعي تؤكد أن فرنجية لن ينسحب من المنافسة الرئاسية، لا يدخل في اطار المكابرة الشمالية بقدر ما يدخل في اطار رسالة مبطنة الى حسن نصر الله تحديداً، تفيد بأن الرجل يريد أن يصبح رئيساً وليس “ضحية” في كل مرة يريد ميشال عون رئيساً أو “بعبعاً” كلما أراد حشر جعجع في الزوايا الضيقة، أو “كبش فداء” كلما أراد “المبارزة” مع الأميركيين.

وختم مصدر قريب جداً من بنشعي بالقول: “هذه المرة ليست كما المرات السابقة، والمسايرات المعتادة قد سقطت ولم تعد تجدي، وعلى حزب الله أن يعرف أن التخلي عن فرنجية لأي سبب كان، لن يمر من دون آثار سلبية وسيعني حكماً التخلي عن كل ما يربط بين الضاحية والشمال”.

شارك المقال