العالم يستعد لنهاية حقبة القطب الواحد

محمد شمس الدين

“عالم متعدد الأقطاب”، مصطلح يتم التداول به منذ سنوات، ويعني أن الهيمنة الغربية الأحادية على العالم لن تستمر، ويذهب البعض إلى اعتبار دول البريكس المنافس الجديد لناتو الغرب. ولكن حتى اليوم لم تبدأ الخطوات الفعلية لنزع الهيمنة من دول الغرب التي تتزعمها الولايات المتحدة الأميركية، إلا أن هذا لا يعني أن العالم ليس متجهاً نحو تعدد في الأقطاب، فدول كثيرة وليس في الشرق وحسب، ترى أنها تطورت إلى درجة المشاركة في صنع القرار العالمي، وأصبحت تبتعد عن الاملاءات الغربية والأميركية تحديداً تجاهها، لدرجة أن الأمر أصبح يخلق أزمات بينها وبين دول الغرب، ما يؤدي إلى هز أميركا اقتصاد هذه الدول كرسالة لها على تمردها على القرار الغربي. ولكن يبدو أن الحرب الاقتصادية وسيف العقوبات لم يعد لهما التأثير نفسه كما كان من قبل، خصوصاً مع وجود تنين صيني يخوض حرباً اقتصادية مع الغرب، بالاضافة إلى توجه دولة بهارات (الهند سابقاً) نحو التوسع الاقتصادي العالمي، عدا عن استياء دول الجنوب في العالم من معاملة الغرب لها كأنها دول درجة ثانية، وسرقة ثرواتها، وهذه الدول تمتلك اقتصادات قوية تمكنها من عقد اتفاقات دولية.

ثم بدأت الحرب في أوكرانيا، التي أظهرت أن القطب الغربي الأحادي لم يعد كما كان، فلم يستطع منع الغزو الروسي نحو أوكرانيا، واكتفى بإرسال شحنات أسلحة وفرض عقوبات على روسيا، ما هزّ صورة القطب الواحد القوي، تحديداً أن الحرب قربت بين الصين وروسيا، من منطلق أنه يجب منع المزيد من تمدد الناتو. وتجدر الاشارة الى أن سياسة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما كانت “التوجه نحو آسيا”.

الحرب الشرسة في أوكرانيا تأخذ طابعاً مباشراً، أما في إفريقيا فالأمر غير مباشر نوعاً ما، سلسلة انقلابات في دول إفريقية هي ضحية النزاع الأميركي – الصيني، وكان أن ضربت هذه الانقلابات مصالح دول أوروبية مثل فرنسا، وهي محاولة لوقف التمدد الصيني في القارة السمراء، فيما تهدف الأخيرة الى الحد من النفوذ الأميركي في العالم. وكان لافتاً ما قاله كبير الديبلوماسيين الصينين في أول محادثات مباشرة بين الصين والولايات المتحدة في أنكوريغ بولاية ألاسكا، للوفد الأميركي: “لستم مؤهلين لمخاطبة الصين من موقع قوة”.

العرب ليسوا بعيدين عن أجواء مستقبل العالم، ولعل ما تقوم به المملكة العربية السعودية بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان هو في هذا الاطار، فالتوجه حالياً الى شرق أوسط بصفر مشكلات، وقد يؤدي هذا الأمر في النهاية إلى نوع من التعاون قد يوصل إلى قطب جديد في العالم، اسمه الدول العربية.

أما تركيا فيبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يسعى إلى إعادة أمجاد السلطنة العثمانية، ولكن بالطرق الحديثة، عبر منظمة الدول التركية، التي تضم: تركيا، أذربيجان، كازاخستان، قرغيزستان، أوزبكستان، تركمانستان وجمهورية شمال قبرص التركية (غير معترف بها)، بالاضافة إلى المجر كعضو مراقب، ومن مؤشرات التحالف بين هذه الدول مؤازرة تركيا لأذربيجان في الحرب على أرمينيا.

دول البريكس في آخر قمة هذه السنة، قررت توسيع الدول الأعضاء فيها، ودعت 6 دول جديدة إلى المجموعة لتصبح كاملة العضوية، 3 دول عربية، هي السعودية والامارات العربية المتحدة ومصر، بالاضافة إلى الأرجنتين وإثيوبيا وإيران، في رسالة تحدٍ واضحة للعم سام. وأكد مسؤولون جنوب إفريقيون أن 23 دولة طلبت الانضمام الى المجموعة من أصل أكثر من 40 دولة تبدي رغبتها في ذلك.

حرب أوكرانيا دفعت العديد من الدول الأوروبية الى البدء بخطوات تطور جيوشها وتنميها من أجل الدفاع عن نفسها من دون الحاجة إلى أميركا، وسط تصاعد التساؤل في الداخل الأوروبي، عن المدى الذي يمكن للولايات المتحدة أن تساند به القارة العجوز، في حال تعرضها لأزمة مصيرية حقيقية، أو مواجهة عسكرية شرسة مع الروس. وتنامى الاهتزاز في العلاقات بين أميركا وأوروبا حتى أن الرئيس الأميركي جو بايدن سيكون وحيداً من بين رؤساء الدول دائمة العضوية في الأمم المتحدة، في الدورة التي تعقد اجتماعاتها في نيوورك حالياً، ففيما كان غياب روسيا والصين متوقعاً، إلا أن الغياب الأوروبي كان مفاجئاً، ما يدل على العلاقات المهتزة بين الحلفاء.

لن يحصل العالم المتعدد الأقطاب بين ليلة وضحاها، فهو مسار طويل من الاتفاقات والتعاون بين عدة دول، وقد يكون هناك قطبان أو ثلاثة أو حتى أربعة وفق ما يتجه إليه المشهد في العالم اليوم، بحيث يمكن أن يكون هناك قطب قوى عظمى كالصين وروسيا، أو قطب قوميات مثل المنظمة التركية، أو الدول الشرق أوسطية أو العربية. ويبدو أن مسار العالم يتجه إلى هذا المنحى، فهل ستقف الولايات المتحدة تتفرج على تراجع نفوذها، واضطرارها الى مشاركة القرار العالمي مع آخرين أم تتحرك للجم هذه التمردات على الأحادية؟

شارك المقال