عون بين الدستور والميثاقية

عاصم عبد الرحمن

لطالما شكلت المؤسسة العسكرية مخرجاً تسووياً للشغور الرئاسي وهو ما حدث للمرة الأولى عام 1958 عند انتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية على وقع سقوط البلاد تحت أنقاض ثورة كميل شمعون. اليوم يعيد التاريخ نفسه مرة جديدة يُطرح قائد الجيش كحل تسووي في ظل أزمة غير مسبوقة في تاريخ لبنان الحديث، فما هي حظوظ جوزيف عون الرئاسية بين العوائق الدستورية التي تحول دون انتخابه وتعنت القوى المسيحية وانقسامها؟

الجنرال الجديد

استحقاقاتٌ كثيرة نجح فيها القائد بدءاً من تصديه للإرهاب في معركة “فجر الجرود” عام 2017 مروراً بأدائه الوطني المنحاز إلى جانب الشعب اللبناني المنتفض في ثورة 17 تشرين الأول 2019 في وجه حتى السلطة التي أتت به إلى سدة القيادة وليس انتهاءً بسعيه الدؤوب إلى تأمين مقومات استمرارية جنوده المرابطين في أرجاء الوطن الذي لا يزال يصارع البقاء من أجل أبنائه وتاريخه ودوره.

ملفٌ رئاسي نظيف يتمتع به الجنرال عون الجديد الذي يقف على طرف نقيض من الجنرال عون القديم وهو ما وضعه من دون أن يدري في جبهة مواجهة مع فريق جبران باسيل في “التيار الوطني الحر” الذي يخشى أن يصبح الجنرال الجديد وريث الجنرال القديم سياسياً وشعبياً. وهو لهذه الغاية أطلق أعيرة نارية متعددة تجاه ترشح العماد جوزيف عون وانتخابه رئيساً للجمهورية، فتارةً يتحجج بالميثاقية المسيحية والشرعية الشعبية والغطاء النيابي وطوراً يتمسك بصون الدستور الذي أصبح مقدساً في نظره الآن ولا يجوز خرقه أو تعديله منعاً لفتح الطريق الرئاسي أمام قائد اليرزة.

انتخاب قائد الجيش والدستور

في سياق العوائق الدستورية والمخارج المتاحة أمام تسهيل انتخابه يقول أستاذ التنظيم الاداري والسياسات العامة في الجامعة اللبنانية البروفيسور برهان الخطيب لـ “لبنان الكبير”: “ينص الدستور اللبناني في الفقرة 3 من المادة 49 على أنه لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العام طيلة مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعلياً عن وظيفتهم أو تاريخ إحالتهم على التقاعد”.

تجارب سابقة

تاريخياً جرت العادة أن أي قائد للجيش ما زال يمارس مهامه لا يستطيع الترشح للرئاسة إلا إذا تم تعديل المادة 49 من الدستور. وهذا ما حصل مع إميل لحود في العام 1998 بموجب القانون الدستوري الرقم 687/1998 تاريخ 13/10/1998 بحيث أضيفت فقرة الى المادة المذكورة تتيح انتخاب موظفي الفئة الأولى على رأس الدولة. وجاء في نص التعديل: “لمرة واحدة وبصورة استثنائية يجوز انتخاب رئيس الجمهورية من القضاة أو موظفي الفئة الأولى وما يعادلهم في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة”.

يضيف الخطيب: “أدت حالة الأحداث الأمنية والسياسية في أيار 2008 واتفاق الدوحة إلى انتخاب الرئيس ميشال سليمان في 25/5/2008 في جلسة حضرها 127 نائباً بأكثرية 118 صوتاً من دون أي تعديل للدستور وبفتوى من الوزير السابق بهيج طبارة تضمنت الآتي: في حال إطالة مدة الشغور تكون سبباً لإسقاط المهل التي نصت عليها المادة 49 من الدستور”.

وقد أصرّ الرئيس نبيه برّي على دستورية الانتخاب، متسلّحاً بهذه الدراسة، معتبراً أن جلسة الانتخاب تتم وفقاً للمادة 74 من الدستور التي تنص على أنه “إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخر فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون وإذا اتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلاً تدعى الهيئات الانتخابية من دون إبطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الأعمال الانتخابية”. وليس وفقاً للمادة 73 من الدستور التي تنص: “قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الاقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد. وإذا لم يدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس”. كَون سُدّة الرئاسة خالية منذ 23/11/2007 تاريخ إنتهاء ولاية الرئيس إميل لحّود.

دستورية انتخاب العماد

عارض مضمون دراسة طبارة النواب بطرس حرب، نايلة معوّض وجورج عدوان بإسم كتلة نواب “القوّات اللبنانية” والرئيس حسين الحسيني إذ اعتبروا أن انتخاب قائد الجيش يجب أن يتم بعد تعديل الفقرة 3 من المادة 49 من الدستور.

ويشير الخطيب إلى “تقديم مشروع قانون لتعديل المادة 49 من الدستور (كما حصل خلال انتخاب الرئيس إميل لحود عام 2008) ويتم إقراره في مجلس النواب عملاً بأحكام المادة 77 من الدستور، وبالتالي ينتخب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية. ولكن هذا التعديل معرض للطعن أمام المجلس الدستوري وفقاً لأحكام المادة 23 من القانون الرقم 250/1993 المُعدّل والتي تنص على أن: يتولى المجلس الدستوري الفصل في صحة انتخابات رئاسة الجمهوريـة ورئاسة مجلس النواب والبت في الطعون والنزاعات الناشئة عنها، وذلك بطلب من ثلث الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب قانوناً على الأقل… خلال مهلة 24 ساعة تلي إعلان النتائج تحت طائلة رده شكلاً. وفي حال عدم الطعن به أمام المجلس الدستوري يصبح إنتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية صحيحاً وواقعاً”.

حلول دستورية متاحة

يؤكد الخطيب “نحن نؤيد وضع مهلة في حال عدم انتخاب رئيس جمهورية خلالها حيث تصبح المهل المنصوص عنها في المادة 49 من الدستور ساقطة”.

الميثاقية المسيحية

في ما يخص التغطية المسيحية التي يحتاج اليها كل عهد رئاسي جديد كي ينطلق في رحلة الست سنوات إنتاجية؛ فلا شك في أن هناك قوى مسيحية تؤيد انتخاب جوزيف عون رئيساً للجمهورية أبرزها حزب “الكتائب”، حركة “تجدد”، قوى مستقلة وتغييرية بالإضافة إلى الكتلة المسيحية الأبرز وهي تكتل “الجمهورية القوية”.

في هذا السياق، يقول مسؤول جهاز الاعلام والتواصل في حزب “القوات اللبنانية” شارل جبور لـ “لبنان الكبير”: “إن القوات اللبنانية أكدت منذ اللحظة الأولى للدخول في المهلة الدستورية للاستحقاق الرئاسي أنها مع رئاسة جمهورية لا تخضع لأي فريق في لبنان وأن تكون أولويتها التزام الدستور والمصلحة اللبنانية العليا، وعندما تكون الرئاسة بهذه المواصفات تتفلت من أي قيود سياسية باستثناء القيد الدستوري الوحيد والملزم لممارسة مهامها وهذا ما يجعل القوات تتصدى لوصول مرشح فريق الممانعة الذي سيبقي الوضع على ما هو عليه”.

عون و”القوات” والمعارضة

يضيف جبور: “قائد الجيش العماد جوزيف عون هو من ضمن لائحة أسماء توافقية تتجسد في صفاتها وممارساتها المواصفات المطلوبة ولكن هذا يتطلب بصورة أساسية وحدة موقف المعارضة فضلاً عن أنه يجب الأخذ في الاعتبار رفض الفريق الآخر للخيار الثالث وهو ما أكده الثنائي الشيعي للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، وعليه فنحن لا نزال نتمسك بترشيح جهاد أزعور ونطالب بعقد جلسة انتخابية بدورات متتالية حتى انتخاب الرئيس. بالتالي وقبل الخيار الثالث الذي يأتي من ضمنه جوزيف عون فعلى الفريق الآخر الإنتقال إلى مناقشة الخيار الثالث وإلا سنبقى في مواجهة برلمانية معه ونتهمه بشكل واضح بالانقلاب على الدستور والجمهورية”.

إن مسألة تعديل الدستور وإيجاد المخارج أو الخيارات الدستورية تكون سهلة إذا ما وجد الاتفاق السياسي الخارجي الدولي والإقليمي والعربي والقبول المحلي وحتى المرشحون الثابتون لرئاسة الجمهورية ينسحبون لصالح التسوية الرئاسية متى اتفق عليها وتُشرَّع أمام الرئيس المنتخب أبواب الميثاقية المسيحية والدعم النيابي والغطاء الوطني بالإضافة إلى الحاضنة الشعبية، فهل حان ميعاد التسوية بشخص العماد عون أم للمصالح كلام آخر؟

شارك المقال