تسليم وتسلم بين الموفدين الفرنسي والقطري؟

زياد سامي عيتاني

تخصيص أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني جانباً من خطابه في الأمم المتحدة للوضع اللبناني، متضمناً مواقف متقدمة، عشية وصول الموفد القطري أبو فهد جاسم آل ثاني إلى لبنان، قلب مسار عمل اللجنة الخماسية، بحيث أجمع المراقبون والمتابعون، على أننا بتنا أمام عملية تسليم وتسلم بين الموفد الفرنسي والموفد القطري، في ما خص معالجة الأزمة الرئاسية. فكلمة أمير قطر عبّرت بوضوح عن قلق بلاده إزاء مستقبل الأوضاع في لبنان، ما يفسر أن الدوحة دخلت بقوة ديبلوماسية على خط معالجة الشغور الرئاسي، من خلال تكثيف جهودها لإخراج لبنان من مأزقه.

وخلافاً للدور الفرنسي الذي لطالما كان من خارج سياق ثوابت اللجنة الخماسية وإتسم في غالبية الأحيان بالذاتية والانفرادية، ما عدا الاستعانة بدول اللجنة عندما يصل الموفد الفرنسي إلى الحائط المسدود (!) فإن الحراك القطري، تم الاعداد الجدي له، من خلال “الدينامية” الديبلوماسية التي تتميز بها قطر، فضلاً عن حرصها الشديد على التشاور مع الدول الأربع، وتحديداً المملكة العربية السعودية. وما يؤكد جدية الدور القطري وإحترافيته، أن جميع الاتصالات والمشاورات التمهيدية لتسلم زمام مبادرة اللجنة الخماسية قد تمت بعيداً عن الاعلام، ولم يعلن عنها، إلا عندما توافرت لدى الدوحة رؤية متجددة لمقاربة الملف اللبناني، مبنية على نتائج إتصالاتها، على قاعدة مضمون بيان “الخماسية” في الدوحة.

وإستكمالاً لهذا النمط في التعاطي مع الموضوع اللبناني، وصل الى بيروت الموفد القطري المسؤول الأمني جاسم بن فهد آل ثاني (أبو فهد)، تحضيراً لزيارة وزير الدولة القطري للشؤون الخارجية محمد الخليفي، حتى تؤتي الزيارة ثمارها المرجوة، لا أن تكون في إطار ملء الوقت. وإزاء تقدم الدور القطري وتوسعه، مقابل إنحسار الدور الفرنسي أو إنكفائه، ثمة من يتخوف من أن يؤدي ذلك إلى إحداث شرخ داخل “الخماسية” في حال علقت فرنسا عضويتها، أو إنسحبت كلياً منها.

ترى المصادر المواكبة لعمل اللجنة أن فرنسا ليست في هذا الوارد، خصوصاً بعدما أخفقت في مبادرتها، لذلك ستبقى محافظة على عضويتها لتكون مواكبة ومشاركة في المهمة التي ستوكل الى قطر بشأن لبنان. في المقابل، هل تغيير نمط التعاطي القطري وأسلوبه مع الأزمة اللبنانية من خلال مقاربة مختلفة عن الفرنسي كفيل بتوفير مقومات نجاحها؟ بات واضحاً بعد إمتعاض الدول الأربع داخل اللجنة الخماسية من الأداء الفرنسي، أن قطر تحظى بتأييد بقية الدول وفي مقدمها واشنطن، التي تقدر عالياً نجاح الديبلوماسية القطرية في اتمام عملية اطلاق سراح الأميركيين لدى إيران، ما يمكنها من أن تحصل على التأييد الأميركي، طالما مبادرتها لا تتناقض مع “بيان الدوحة”. وبالتأكيد فإن إيران بدورها مدينة لقطر، التي أقنعت الادارة الأميركية بتحرير أموال لها في الخارج، ما سيسهل على الدوحة إقناع طهران بالتدخل لدى “حزب الله” لإحداث خرق في جدار الأزمة الرئاسية في لبنان.

وفي هذا السياق، يجب التوقف أيضاً عند الدور المصري الداعم للتحرك القطري، خصوصاً وأن موقف القاهرة من الملف اللبناني مطابق للموقفين السعودي والقطري. ويجب الاشارة بالنسبة الى الدور المصري الإيجابي، الى حركة السفير المصري في بيروت ياسر علوي، الذي يجري لقاءات مع المسؤولين والفرقاء اللبنانيين في ما يتعلق بالملف الرئاسي.

أما بالنسبة الى موقف السعودية من التحرك القطري، فإنه بات معلوماً وواضحاً حجم التنسيق بأعلى درجاته بين البلدين بشأن لبنان. فالرياض الداعمة للمبادرة القطرية، والتي تقف دائماً الى جانب لبنان، خصوصاً وأنه ثبت بما لا يقبل الشك، أن موقفها الموضوعي والحكيم بشأن خريطة خروج لبنان من أزمته، يقوم على احترام الآليات الدستورية، مع الأخذ في الاعتبار مواصفات الرئيس التي يجب أن يتمتع بها لكسب ثقة لبنان والعرب والمجتمع الغربي، وأن يملك مشروعاً إنقاذياً، من دون الدخول في بازار الأسماء، وفي الوقت نفسه الترفع عن “زواريب” السياسة اللبنانية الضيقة.

وعليه، يمكن فهم طبيعة ما يقوم به السفير وليد بخاري من جهود بصمته وهدوئه المعهودين مع مختلف الفرقاء، معتمداً الديبلوماسية “الناعمة”، لتوفير الأرضية الصالحة لنجاح اللجنة الخماسية في إنقاذ لبنان، خصوصاً مع الدخول القطري بفاعلية على خط المعالجة. فهل ستتمكن قطر من إنقاذ عمل اللجنة الخماسية من السقوط، وبالتالي لبنان الماضي في الاحتضار؟

شارك المقال