عقدة باسيل من قائد الجيش

زياد سامي عيتاني

الحملة المتواصلة والمستمرة التي يشنها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل على قائد الجيش العماد جوزيف عون بمناسبة ومن دون مناسبة، ليست مستجدة ولا بدأت مع فتح “البازار” الانتخابي، بل إن خلاف باسيل معه، وبالتالي تدهور العلاقة بينهما تعود إلى عهد الرئيس السابق ميشال عون، الذي هو من رشحه لواحد من أهم المناصب المارونية في الدولة اللبنانية.

ومرد ذلك، يعود الى تخلي الرئيس عون عن صلاحياته لـ “رئيس الظل” الذي نقل مكتبه من “ميرنا الشالوحي” إلى قصر بعبدا، ليتولى وفريق العمل الذي شكله صلاحيات رئيس الجمهورية (!)، وبات يتعاطى مع كل المراكز المسيحية من الفئة الأولى في الدولة، على أنه المرجع الأول والأخير! طبعاً قائد الجيش، بحكم ما يتمتع به من صفات ومزايا نظامية وتنظيمية، يكتسبها كل من يتمرس في المؤسسة العسكرية، فإن شخصيته جعلته لا ينصاع لباسيل، ولا يخضع لارادته، إلتزاماً منه بالقوانين والمناقبية العسكرية، بل أكثر من ذلك فإنه تصدى لكل محاولات باسيل التدخل في شؤون المؤسسة العسكرية، ربطاً بالتعيينات وغير ذلك من أمور.

والعلاقة المتوترة بين الرجلين، ظهرت من باسيل إلى العلن، منذ 17 تشرين الأول 2019، تاريخ إندلاع “الانتفاضة الشعبية”، إذ وجد فيها الفرصة الثمينة للإنقضاض على قائد الجيش، بالهجوم العلني عليه بصورة مباشرة، متهماً إياه بأنه “قائد الانقلاب” لا قائد الجيش، في إشارة إلى إتهامه بالتراخي والتلكؤ في فتح الطرق، وتحميله مسؤولية توسيع رقعة الاحتجاجات وإطالة أمدها، ما أدى إلى التضييق على العهد وإضعافه.

وانسحب التوتر في العلاقة بين الرجلين على علاقة قائد الجيش بوزراء الدفاع، المحسوبين على التيار، والذين تعاقبوا في عهد الرئيس عون، من يعقوب الصراف إلى إلياس بو صعب إلى موريس سليم، وهذا ما دفع الأخير إلى الاعلان أنه “في صدد طرح إقالته على مجلس الوزراء”، قبل أن يتراجع عن هذا الكلام بعد ثلاثة أيام إثر زيارته البطريرك الماروني بشارة الراعي في بكركي. لكن ذلك لم يمنع باسيل من الاستمرار في حملته على قائد الجيش، بحيث شنّ بعد عدة أيام على تهديد وزير الدفاع، هجوماً عنيفاً عليه، واتهمه بأنه “يخالف قوانين الدفاع والمحاسبة العمومية، ويأخذ بالقوّة صلاحيات وزير الدفاع (موريس سليم)، ويتصرّف على هواه بالملايين بصندوق للأموال الخاصة وبممتلكات الجيش”.

وتواصلت حملة باسيل على العماد عون، مع فتح الملف الرئاسي، ضمن خطة مركزة لتطويق الشخصيات المارونية المرشحة جدياً لرئاسة الجمهورية، وأبرزها قائد الجيش، وذلك في إطار تسويق نفسه كمرشح للرئاسة لدى “حزب الله”، كإمتداد لولاية ميشال عون، قبل أن تبلغه قيادة الحزب رسمياً ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، إذ كان في حينه، يشعر بالخطر على حظوظه الرئاسية، فبدأ بتوجيه سهامه إلى قائد الجيش، قاطعاً الطريق على إمكان وصوله، إذا قرر “حزب الله”، في لحظة إقليمية ما، السير به كمرشح توافقي.

ومع إعادة طرح إسم قائد الجيش كمرشح توافقي للرئاسة، على قاعدة الخيار الثالث، في ضوء الزيارة الأخيرة للموفد الفرنسي جان ايف لودريان، والزيارة المستمرة للموفد القطري، معطوفة على اللقاء الذي جمع رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد بقائد الجيش، عاود باسيل مجدداً حملته على العماد عون، والتي كان آخرها إنتقاده الطموح الشخصي له، قائلاً: “الطموح الشخصي مسموح لكنه يتوقف عند خطر الوجود”، متهماً رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومسؤولين سياسيين وأمنيين (في إشارة إلى قائد الجيش) بالسكوت وتسهيل عملية النزوح والتساهل في فتح الحدود البرية لدخول السوريين إلى لبنان والتشدد في إقفال الحدود البحرية لمنع خروجهم، سائلاً: “هل نختار منهم رئيساً للجمهورية؟”. وأضاف: “كل ادعاء بأن الجيش والأجهزة الأمنية عاجزون هو كلام باطل يُراد منه رئاسة”.

صحيح أن قائد الجيش كان منذ منتصف عهد ميشال عون في مرمى المدفعية الثقيلة لباسيل، غير أن هجوم الأخير، مع عودة الحديث عن إرتفاع أسهمه مجدداً للرئاسة، ليس لقطع الطريق أمام وصوله إلى قصر بعبدا، بل هو رسالة واضحة وصريحة لـ “حزب الله”، الذي كان باسيل يعوّل عليه، لاستعادة المبادرة مسيحياً على الصعيد الرئاسي، إذ ان هذا الحوار، على الرغم من جولاته العديدة، لم يسفر عن توافق في وجهات النظر، ما أدخله في حالة من المراوحة، التي هي أقرب ما تكون إلى “فتور” العلاقة أو تجميدها بين الطرفين، مع الحرص على عدم إنفجار الخلاف بينهما.

شارك المقال