عندما تدار الأمم المتحدة على “الطريقة اللبنانية”!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

كعادتها كل عام تلتئم الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أيلول لطرح الرؤى والأفكار ومناقشة التطورات والأحداث التي تجتاح العالم والتي هي بحاجة إلى حلول مستدامة، أو هكذا – على الأقل – يُفترض أن يكون.

والجمعية العامة للأمم المتحدة كما هو معروف جهاز من خمسة أجهزة تتألف منها هيكلية منظمة الأمم المتحدة، وهذه الأجهزة علاوة على الجمعية العامة هي مجلس الأمن الدولي والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومحكمة العدل الدولية والأمانة العامة، يتفرع عنها العديد من الوكالات المتخصصة والبرامج.

والأمم المتحدة كما هو معروف هي المنظمة التي وُجدت للحفاظ على السلم والأمن الدوليين وحفظ حقوق الانسان وتقديم المساعدات الانسانية وتعزيز التنمية المستدامة ودعم القانون الدولي، وقد تأسست في 25 نيسان من العام 1945، أي بعد الحرب العالمية الثانية لتحل محل عصبة الأمم التي كانت تأسست عام 1920 بعد الحرب العالمية الأولى وكان يتألف مجلسها من أربع دول يومها هي بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان، وكانت تسعى الى أهداف الأمم المتحدة نفسها تقريباً، لكنها فشلت وانتهى دورها عملياً مع بداية الحرب العالمية الثانية عام 1939.

بدأت الأمم المتحدة عملها رسمياً في 24 تشرين الأول من العام 1945 بعد أن إجتمعت 50 دولة في الولايات المتحدة الأميركية لصياغة ميثاقها الذي اعتمد في 26 حزيران 1945، إلا أن فكرتها كانت قد بدأت عملياً خلال الحرب العالمية الثانية على مستوى الحلفاء في هذه الحرب، وكان مصطلح “الأمم المتحدة” من صياغة الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت الذي وقَّع الاعلان ليلة رأس السنة من العام 1942 مع الحلفاء وكانوا يومها إضافة إلى أميركا كلاً من بريطانيا والاتحاد السوفياتي والصين قبل أن تنضم إليهم فرنسا بعد إنتهاء الحرب، ومن ثم تبعتهم في التوقيع إثنتين وعشرين دولة.

تضم اليوم الأمم المتحدة 193 دولة إضافة الى دولتين تتمتعان بصفة مراقب هما فلسطين والفاتيكان من أصل 206 دول يتألف منها عالم اليوم، أما الجلسة الأولى للجمعية العامة التي تجتمع اليوم في دورتها الـ 78، فقد كانت في 10 كانون الثاني من العام 1946.

وفي نظرة سريعة على واقع الأمم المتحدة منذ إنطلاقتها نجد أنها كسابقتها عصبة الأمم فشلت إلى حد كبير في إرساء السلم والأمن الدوليين أو الحفاظ عليهما كذلك على حقوق الانسان وإشاعة العدل والتنمية في العالم، سواء في فترة الحرب الباردة أو ما بعدها، إذ إندلعت منذ تأسيسها عشرات الحروب بين الدول التي قضت على الملايين من البشر وشرّدت مثلهم، وكان ذلك غالباً بفعل الصراعات بين الدول الكبرى التي يتألف منها مجلس الأمن الدولي والتي لها حق الفيتو على قراراته، بحيث أن فيتو أي دولة من دول الأعضاء الخمسة الدائمين وهم كما هو معروف أميركا وبريطانيا وفرنسا وروسيا – التي ورثت الاتحاد السوفياتي – والصين في المجلس، كفيل بتعطيل القرار أياً يكن تأثيره على السلم والأمن الدوليين أو على حقوق الانسان، الأمر الذي عانت منه عشرات الدول وملايين البشر ومنهم إلى حد كبير بلادنا وشعوبنا العربية، عدا عن الفساد الذي يضرب بنيانها والذي إتخذت منه الولايات المتحدة التي تعتبر أكبر المساهمين في ميزانيتها وغيرها من الدول، ذريعة للتهديد بخفض مساهمتها فيها بينما الحقيقة كانت أسباب هذه التهديدات سياسية مقنَّعة في غالب الأحيان.

هكذا نرى أن هذه المنظمة الدولية التي تتحكم فيها وفي قراراتها الدول العظمى والمتقدمة، إنما تدار بعقلية دول العالم الثالث من حيث “الديكتاتورية” والفساد وعدم إحترام القرارات والقوانين التي تقوم عليها، بحيث بات مقرها كـ “حائط المبكى” وباتت إجتماعات الجمعية العمومية مسرحاً للتباكي والخطابات الرنانة والمزايدات والشعبوية بما يذكرنا ببرلمانات العالم الثالث، وكي لا نذهب بعيداً تذكرني – أنا شخصياً – بجلسات البرلمان اللبناني المحشوة بالكلام العمومي الفارغ من أي مضمون جدي من دون أي فاعلية تذكر وذلك على مبدأ الكلام للكلام لا أكثر، كذلك مجلس الأمن الذي يشبه حكومة لبنان من حيث فيتوات الطوائف الكبرى، التي يدفع ثمنها في النهاية الناس العاديون في كل أنحاء العالم خصوصاً الدول الفقيرة منها، التي لا تجد ملجأً لها إلا التخندق أو الالتحاق بأحد أطراف الصراع في وجه جديد من وجوه الاستعمار المقنَّع للأسف، وحيث غالباً ما تدفع ثمن صفقات وتسويات تتم بين الأطراف المتصارعة، كما يحصل كل يوم تقريباً في مناطق الصراع في الشرق الأوسط أو إفريقيا وهما من المناطق الأكثر تضرراً، سواء من حكامها الطغاة أم من النظام العالمي المتمثل بالدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التي تدعم بعضها هؤلاء الطغاة وتستعملهم في لعبة الأمم من دون أي رادع أخلاقي أو إنساني يقي الشعوب مآسي الحروب من قتل وتهجير وإغتصاب.

هكذا نرى شعوب العالم الثالث بغالبيتها ما بين فقير وأمي ولاجئ يهيم على وجهه في بر الأرض وبحرها للخروج من الجحيم طمعاً بنعيم الدول التي تسببت بإيذائه ونهب خيرات بلاده، وهو ما تحاول هذه الدول اليوم تلافيه ومحاربته عبر الأمم المتحدة نفسها، ما يذكِّر بالمثل القائل “طابخ السم آكله”، فهل سيأتي يوم ونرى فيه ميزان العدل قد إعتدل ولو قليلاً، لتستحق هذه المنظمة إسمها على الأقل؟

شارك المقال