رسائل أميركية حازمة في مواجهة العابثين بالرئاسة اللبنانية

جورج حايك
جورج حايك

لم تبرد حماوة الطلقات النارية التي وجّهت إلى السفارة الأميركية في عوكر، ولم تثنِ المسؤولين عن دوائر القرار هناك عن إطلاق مواقف حازمة في مواجهة معرقلي الانتخابات الرئاسية في لبنان.

وتقول أوساط ديبلوماسية مقرّبة من دوائر القرار الأميركية مطلّعة على الملف الرئاسي اللبناني ان الأميركيين لا يزالون يعوّلون على بيان اللجنة الخماسية الذي صدر في الدوحة، وسبب فشل جولة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان الأخيرة إلى لبنان، كان بسبب عدم الإلتزام بما حددته اللجنة الخماسية هناك، وهذا ما يبرر التباين الأميركي -الفرنسي، فواشنطن ليست مع جلسات حوار وفق طريقة رئيس مجلس النواب نبيه بري، انما مع احترام الدستور وفق الآليات الديموقراطية داخل مجلس النواب.

وترى الأوساط الديبلوماسية أن أسلوب الفرنسيين يؤدي إلى المماطلة، فيما الحل، برأي الأميركيين، يجب أن يكون سريعاً وخصوصاً مع اقتراب قائد الجيش العماد جوزيف عون من انتهاء خدمته في 9 كانون الثاني المقبل، ما سيؤدي إلى بلبلة على صعيد المؤسسة العسكرية.

لوّحت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف باجراءات يمكن أن تتخذ بحق معرقلي الانتخابات الرئاسية في لبنان، ونسأل الأوساط الديبلوماسية عن هذه الاجراءات، فتجيب: “حتماً ستكون عقوبات على من يعرقل العملية الدستورية، ولا بد من أن تكون قاسية”.

لا تتدخل الولايات المتحدة في مسألة تحديد وقت لحصول الانتخابات الرئاسية، وتوضح الأوساط أن الادارة الأميركية تُطالب بإطار زمني لأي مبادرة، لأنها تقوم على أساسها بحزمة تقويم لتحديد ما إذا كانت هذه المبادرة ناجحة أو فاشلة ويستلزم تغييرها، أما بقية الأمور فتعود الى القوى السياسية اللبنانية. من هنا كان التقويم الأميركي للمبادرة الفرنسية التي فشلت حتى الآن في تسجيل أي اختراق في الملف الرئاسي، إلا أنها لم تنتهِ، بدليل أن لودريان يستعد للقيام بجولة رابعة قريباً جداً.

ماذا عن المبادرة القطرية؟ ترد الأوساط: “نحن لا نرى مبادرة قطرية انما تحرك استطلاعي استكشافي، فالمبادرة عادة تذهب بمسار معيّن ينتج حلاً، وهذا غير متوافر في ما يفعله القطريون حتى الآن”. وتضيف: “لسنا بعيدين عن الأجواء القطرية وما يقومون به في لبنان، إنما في إطار اللجنة الخماسية وبالتنسيق مع السعوديين والأميركيين. ومعلوماتنا أن القطريين لم ينجحوا في فتح أي ثغرة حتى الآن، ففريق الممانعة لم يبدِ أي تعاون في ظلّ تصلّب المواقف”.

ترفض الأوساط الديبلوماسية الأميركية الاعتراف بأنها تؤيد ترشيح العماد عون إلى الرئاسة، وتعتبر أن هذا الأمر يعود إلى القوى السياسية اللبنانية، ولا تسمح الدولة الأميركية لنفسها بالتدخّل في الأسماء، وهذا نهج تعتمده في لبنان منذ اتفاق الطائف، وبالتالي تدعم اللبنانيين لاحترام اللعبة الديموقراطية كما يحددها الدستور. مع ذلك، لا يزعج إسم قائد الجيش واشنطن، بل تجد فيه مواصفات جيدة تؤهله لأن يكون الرئيس العتيد إذا أجمع عليه اللبنانيون.

أما الموقف الأكثر صراحة وحزماً للأوساط الديبلوماسية فيتعلق بعملية اطلاق النار التي جرت على السفارة الأميركية في عوكر، وتلفت إلى أن قيام الأجهزة الأمنية بالقبض على مطلق النار أمر ايجابي يستحق التنويه، لكن لا تريد وزارة الخارجية الأميركية استباق التحقيق، ما توافر لنا من معلومات وفق ما قاله المعتدي، لا يتسم بالجدية والإقناع، بل تبدو مسرحية رديئة. أما الرسالة التي يمكن استنتاجها أن هناك فريقاً قادراً على أن يستخدم السلاح ويكون غطاء لكل مخالف للقانون، ويمكنه أن يزعزع الأمن والاستقرار، وهذا الفريق يتغذّى من الفوضى. ونفهم أن السفارة في لبنان لن تكون بمنأى عن أي اعتداء كلّما أراد هذا الفريق أن يوجّه رسالة معينة.

لا يتوقّف “حزب الله” عن استدراج عروض من الأميركيين لتسهيل العملية الرئاسية، إلا أن الأوساط الديبلوماسية تؤكد أن رهانات “الحزب” غير موفقة ومبنية على معيار من يملك القوة على الأرض، وهذا تقويم فاشل، لأن الادارة الأميركية لا تتعامل إلا مع دول، وربما فشلت المبادرة الفرنسية لهذا السبب. فهناك موازين قوى في لبنان، لا يستطيع “الحزب” أن يتخطاها، ولو حاول أن يتعامل معها أحياناً وفق منطق الأقوى على الأرض لكن هذا الأسلوب لا يمشي مع الدولة الأميركية، وللأسف نجد أن مصلحة “الحزب” في مكان، ومصلحة الشعب اللبناني في مكان آخر.

لا أحد يتوهّم أن الملف اللبناني هو في الأولويات الأميركية، وتشير الأوساط الديبلوماسية إلى أنه ليس منسياً لكنه ليس أولوية الادارة الأميركية أيضاً، وتوضح أن واشنطن تسير وفق خطة ورؤية في سياساتها تأخذ في الاعتبار مصالحها أولاً، وعلى اللبنانيين أن يفعلوا الأمر نفسه أي مراعاة مصالحهم، وما يجب معرفته أن الاهتمام الأميركي بلبنان اليوم وخصوصاً الملف الرئاسي يجري انطلاقاً من حضور الولايات المتحدة في اللجنة الخماسية، وجهود المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين في لبنان اصطدمت بحائط مسدود لأن المسؤولين الحاليين ليست لديهم القدرة على المضي إلى الأمام على صعيد ترسيم الحدود البرية وصندوق النقد الدولي والصندوق السيادي وغيرها، وبالتالي هناك حاجة الى إنتخاب رئيس للجمهورية، وليس سراً أن التناغم الأقوى في اللجنة الخماسية هو بين الأميركيين والسعوديين وحتماً القطريون ليسوا بعيدين عنهم، وما يؤخّر إنجاز الاستحقاق الرئاسي هو فريق الممانعة، والثنائي السعودي – الأميركي ليس مستعداً لتسليم لبنان إلى “حزب الله” وبالتالي لن يقبل بانتخاب رئيس للممانعة، وهذا موقف نهائي.

شارك المقال