حق الوصول إلى المعلومة… منتهك بالمماطلة القانونية والتحايل السياسي

عامر خضر آغا

يُعتبر الحق الكامل بالوصول الى المعلومات والانتفاع منها ركناً مفصلياً في ترشيد الشعوب على سلوك المسارات القويمة للتحرر من كل الممارسات الالغائية ولتدعيم حرية التعبير بالبراهين والحجج الدامغة في مواجهة كل أنماط التخلف السياسي والاقتصادي والثقافي، وهو ما أشارت إليه المادة 19 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان لجهة استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت من دون تقيد بالحدود الجغرافية على اعتبار مبني على أنَّ حرية التعبير تشمل حرية تداول المعلومات وامتلاكها.

تفتقر شعوب العالم المتخلف بصورة مدقعة الى تحصيل حقها في الوصول الى المعلومات ولاسيما على صعيد المشكلات الجذرية في الحياة السياسية والاقتصادية التي دائماً ما تكون لهم مشهداً يفرز باستمرار العديد من المعضلات المُهددة لكل مقومات وجودهم، حارمةً إياهم من اكتساب أبسط حقوقهم الأساسية بالحد المقبول تبعاً لما فرضته السلطات العربية واللبنانية من قيود ومعوقات مباشرة وغير مباشرة في سبيل تثبيط وعيهم بأهمية تحصيل حقوقهم وفتك عزيمتهم في الدفاع عن حرياتهم، مستحدثةً بديمومة فاعلة كل أساليب القمع والتضليل القانونية والاعلامية، ما أدى إلى تراكم صفقات الفساد والمحصاصة في كل أشكال السلطة بعد أن ضعفت تدريجاً حماسة المواطن وارادته للاطلاع على الكيفية الدستورية والقانونية التي تتخذ فيها القرارت في الادارات العامة وسن التشريعات والموازنات التي تحدد الطرائق التي تصرف فيها أموال المواطنين وسرية الجلسات البلدية والتشريعية والتنفيذية، ما شرعن كل أعمال الفساد فيها من سرقات ورشاوى بتخلي الشعوب عن دورها الرقابي في تكريس الشفافية بعدة معوقات فرضتها السلطة وفرضها المواطنون على أنفسهم.

تشابكت معوقات الشعب اللبناني في معرفة كل ما يستجد على أداء الأجهزة والادارات والسلطات في نظام الحكم، فمن الناحية القانونية دائماً ما تطالب منظمات المجتمع المدني وناشطوه بضرورة العمل على تنفيذ قانون الحق في الوصول إلى المعلومة، وهذا القانون على الرغم من أهميته الكامنة في متابعة المؤسسات الرسمية والقوانين التي تحكم عملها ومدى الالتزام في إنفاذها بإلزامها نشر عددٍ كبيرٍ من وثائقها على مواقعها الإلكترونيّة، إلا أنَّه تمت اعاقة تنفيذه بخطوات اجرائية معقدة حالت دون ذلك عبر المماطلة والبطء الواضح لمجلس شورى الدولة بالحق في الوصول الى المعلومة، وبإصدار المجلس لقراره ترفض الادارات الرسمية تنفيذه بحجة نص القانون على هيئة لتنفيذه ليست موجودة أساساً، وهي الهيئة الاداريّة المستقلّة المحدّدة في قانون إنشاء الهيئة الوطنيّة لمكافحة الفساد عدا عن التحجج بعدم صدور مرسوم تطبيقي للقانون.

ورأى المحامي والدكتور في الجامعة اللبنانية أيمن طراد أنَّ “العلة الأبرز ليست في القانون نفسه لأن القاعدة القانونية تبقى عامة ومجردة وتنفذ على الجميع من دون استثناء، وقانون حق الوصول الى المعلومة واضح ولا يحتاج الى مراسيم تطبيقية”.

ولفت طراد الى أن “الصحافي إدمون ساسين قدم طلباً للحصول على عقد سد المسيلحة فتقدم بدعوى أمام مجلس شورى الدولة الذي غرّم المؤسسة التي رفضت اعطاءه العقد، فتقاعس المؤسسات المعنية عن تنفيذ القانون هو ما يؤدي الى انتهاكه، ومجلس شورى الدولة لا يزال يماطل كثيراً في البت بالشكاوى التي تقدم إليه أكان لجهة الزام الادارات العامة والرسمية بتطبيق القانون، أو لجهة البت مجدداً بانزال العقوبات المناسبة بحقها”، مؤكداً أن “المشكلة تكمن في عدم الاستمرار في اتباع كل قواعد معاقبة الشخص المخالف ضمن الاجراءات القانونية المنصوص عليها بين السلطات، فوزير الأشغال سابقاً يوسف فنيانوس تصرف بطريقة قمعية مع بعض البلديات التي لم تلتزم بإزالة المطبات مانعاً اياها من الحصول على مادة الزفت بدل الذهاب الى مقاضاتها، إضافة الى غياب قوة الالزام وعدم تطبيق القانون فالمادة 770 من قانون العقوبات والتي وضعت مسبقاً تنص على العقوبات التي تحل بمن يخالف الأنظمة الادارية والتي قد تصل الى السجن”.

يعد الاعلام في مجال الحق في الوصول الى المعلومة سيفاً ذا حدين، فبيّن اجمالاً وبصورة مفصلة فساد الحكام وأزلامهم متفوقاً بأشواط على الصحافة العربية، الا أنَّ البعض منها مال إلى إظهار الحس النقدي لفساد الساسيين ولكن بصورة استنسابية تخدم المصالح الحزبية والفئوية التي ترتهن إليها غالباً الساسيات التحريرية، إما بدافع خدمة عقيدة سياسية أو خضوع لضغط المعلنين عن منتجاتهم وخدماتهم أو مطاوعةً لما تمليه المؤسسة الاعلامية.

وفي هذا السياق، أشار الدكتور في كلية الاعلام في الجامعة اللبنانية هاني صافي لموقع “لبنان الكبير” إلى أنَّ “التلفزيونات اللبنانية تعمل على حق الوصول الى المعلومة بجهد كبير وجرأة واضحة لا سيما من الناحية الاستقصائية، فالتلفزيونات الأكثر مشاهدة على الرغم من تغطيتها على تهم لمموليها ومالكيها بصورة ضيقة الا أنَّها لم تغطِ على أي شبهات فساد لكل المسؤولين في الأحزاب السياسية كالرشاوى والتهرب الضريبي وعمليات التهريب والتعديات ليكون الاعلام اللبناني أفضل حالاً من الاعلام العربي، غير آبه بأي ضغوط من الجهات السياسية”.

ورأى صافي أن “النقص في طرح قضايا الفساد بصورة كاملة ناتج في الغالب عن عدم التمكن من الحصول على معلومات محددة، وبعض الصحف ينتهج الانتقائية في مفاضلة ملف فساد على آخر من دون أن يتوجه بصورة مباشرة في تعبير واضح الى فاسد دون غيره، والاعلام المسيس الذي يركّب التهم من دون أدلة واضحة لا يسهم أساساً في تكريس حق الوصول إلى المعلومة”.

شارك المقال