لبنان ضمن الخيارات السعودية في “رؤية 2030”

عاصم عبد الرحمن

تتدخل في الشؤون اللبنانية أم لا تتدخل، تسمي مرشحها لرئاسة الجمهورية أم لا تسمي، تزكي شخصية سنية لترؤس الحكومة أم لا تزكي، تدعم حزباً لبنانياً دون سواه أم لا تدعم، دعوات كثيرة تلقتها السعودية من أجل عودة سياسية واقتصادية إلى لبنان من بوابة الانهيار المالي والشغور الرئاسي، فهل تحقق طموحات اللبنانيين وتلبي دعوتهم؟

في زمن الصعود الدولي السريع الذي حققته في مدة قياسية لم تعد المملكة العربية السعودية لاعباً عربياً مؤثراً في سياسات بعض الدول العربية المأزومة سياسياً أو اقتصادياً ولا مشاركاً في السياسات الاقليمية ذات التأثيرات السياسية والاقتصادية على المنطقة فحسب، بل أصبحت شريكاً سياسياً واقتصادياً دولياً انفتحت على المحور الشرقي المتمثل بالدب الروسي والتنين الصيني من دون خروجها من المحور الغربي المتمثل بالولايات المتحدة الأميركية.

أبقت على علاقات وثيقة مع الأميركيين لناحية التسلح ومواجهة إيران وأمن المنطقة، وعقدت تحالفاً نفطياً مع الروس من خلال “أوبك+” للحفاظ على أسعار نفطية عالمية متوازنة في الوقت الذي رفضت فيه زيادة إنتاجه لتعويض الدول المتضررة من جراء توقيف تصدير النفط الروسي على أثر الحرب في أوكرانيا، ومؤخراً تقدمت بطلب الانضمام إلى مجموعة “بريكس+”.

السعودية التي لطالما حذرتها الولايات المتحدة من الخطر الإيراني الزاحف نحوها عبر أذرعها الميليشياتية المسلحة وتزكية الفتنة السنية – الشيعية عقدت اتفاقاً مع الإيرانيين أفضى إلى تفاهمات متعددة الاتجاهات شكل متنفساً سياسياً ودينياً على صعيد المنطقة ككل وإن كان يسير ببطء.

بالتزامن مع تنفيذ شعار “صفر مشكلات” مع مختلف القوى العربية والاسلامية والاقليمية والدولية أبرزها سوريا وتركيا وإيران والصين، أطلقت المملكة العربية السعودية رؤيتها لمستقبل بلادها، هذه الرؤية التي تشكل خطة ما بعد النفط أُعلن عنها في 25 نيسان 2016 لتتزامن مع التاريخ المحدد لاعلان الانتهاء من تسليم 80 مشروعاً حكومياً عملاقاً عام 2030، تبلغ كلفة المشروع الواحد ما لا يقل عن 3.7 مليارات ريال وتصل إلى 20 مليار ريال منها مترو الرياض وزيادة عدد المعتمرين وإطلاق السياحة والاستثمار والصناعة وغيرها. نظَّمَ خُطَّة 2030 مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة الأمير محمد بن سلمان ليتمَّ تحقيقها بالشراكة بين كل من القطاع العام والخاص وغير الربحي.

رؤية “2030” تشمل علاقة المملكة بمختلف دول الأصدقاء والأشقاء والحلفاء، ولا شك في أن لبنان يقع ضمن الخيارات السعودية ليكون جزءاً من المشروع النهضوي المتكامل ليس على المستوى السعودي فحسب، بل المنطقة ككل. فالسعودية صانعة السلام اللبناني المتمثل باتفاق الطائف عقب حرب أهلية عصفت باللبنانيين طوال أكثر من 15 عاماً، وعلى الرغم من أنها أطلقت مشروع بناء لبنان عبر الشخصية السنية غير المتكررة في التاريخ السياسي اللبناني رفيق الحريري إلا أنها دعمت مشروع الدولة وأيدت طائفة القانون والمؤسسات لأنها آمنت برسالة لبنان التعددية.

غابت المملكة عن لبنان عندما غادر اللبنانيون طائفة الدولة وسمحوا لرئيس جمهوريتهم بالسكوت عن تجاوزات السلاح غير الشرعي أو عن رفض وزير خارجيتهم إدانة الحوثيين الذين استهدفوا منشآتها النفطية، كما رؤيتها بأم العين الالتفاف والتحايل على دستور الطائف الذي بذلت من أجل إنجاحه جهوداً ديبلوماسية جبارة وغير مسبوقة.

لبنان إذاً جزء من هذه الرؤية وهي لم تغب عنه أساساً لكنها أعادت تنظيم حضورها بما يتلاءم وخطوات الساسة اللبنانيين تجاه شعبهم أولاً والعلاقات العربية ثانياً، وعليه فإن السعودية التي صوّبت بوصلة التحرك الفرنسي الذي أضاع سبيله من ضمن عمل لجنة الخماسية الدولية المتعلقة بلبنان متمسكة بمواصفات رئاسية عبّرت عنها في بيان نيويورك الثلاثي الذي ركز في المقام الأول على ضرورة صون اتفاق الطائف، فالسعودية ومن خلال التنسيق مع القطريين دخلت بقوة على خط الأزمة اللبنانية وهو ما استهلت ترجمته عبر الدعوات الشاملة إلى مختلف القوى اللبنانية لحضور فعاليات الاحتفال باليوم الوطني السعودي في وسط بيروت.

ووفق ما علم “لبنان الكبير” من مصادر سياسية مطلعة فإن الرئيس اللبناني المنتظر سيكون جزءاً لا يتجزأ من القادة العرب ذوي الاهتمام المشترك برؤية “2030” السعودية، وعليه سيتظهر في القادم من الأيام التسووية الرئاسية الدور السعودي الذي سيسهم في حل الأزمة اللبنانية بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية مروراً بفريق عمل حكومي مختلف وليس انتهاءً بدعم مشاريع اقتصادية نهضوية كبيرة.

بات من الواضح أن المملكة العربية السعودية تعتمد سياسة “الخطوة مقابل الخطوة” في مختلف العلاقات والقضايا والملفات، لذا يجب على اللبنانيين أن يعودوا إلى رشدهم ويساعدوا أنفسهم كي تساعدهم السعودية التي لن تكون “ملكية أكثر من الملك”، فهل يخطو اللبنانيون بضع خطوات نحو “2030” لبنانية سياسية واقتصادية؟

شارك المقال