إنتخابات “المجلس الشرعي” شمالاً تغلي على نار المنافسة والتحدّي

إسراء ديب
إسراء ديب

تنتظر مدينة طرابلس وضواحيها عملية فتح صناديق الاقتراع يوم غد للاعلان عن بدء انتخابات المجلس الشرعي الاسلامي الأعلى، إذْ لا يخفى على أحد أهمّية هذا الحدث الديموقراطي والديني وانعكاسه على حال “الشغور” التي تُعاني منها السنّية السياسيّة لا سيما في الأعوام القليلة الماضية، لذلك تولي المدينة أهمّية قصوى لهذا الاستحقاق الذي تتنافس من أجله نخب أكاديمية وثقافية ترغب في تقديم خبراتها، خدمة لهذه العضوية “التطوّعية” لتطوير العمل في هذا الصرح “الذي يملك مقوّمات وموارد مهمّة من دون إيرادات يستحقّها”. 

إنّ هذا الحدث الذي يسرق الأضواء من أيّ حدث آخر في طرابلس، كان قد اتسم في الفترة السابقة بالغموض الواضح، لكن بعد اكتمال تشكيل لائحة “الثقة والانماء” المؤلّفة من سبع شخصيات، 5 منها من الأعضاء السابقين، مع إضافة عضوين جددين، يُمكن التأكيد أنّ هذا الاستحقاق دخل مرحلة “انتقالية” قد يراها بعض الأعضاء صائبة، مفيدة ويمكن أن تنتج ثمارها خصوصاً وأنّها مدعومة من بعض الأطراف السياسيّة، فيما يعتبرها آخرون غير ملحّة في هذه الانتخابات تحديداً، بحيث يُؤكّد مرشحون لـ “لبنان الكبير” أنّ هذا التحالف يبقى هجيناً وغير فاعل مع عدم التوافق السياسيّ الكامل بين داعمي اللائحة، ما يُضعف قيمة بعض المرشحين وقدرته.

اللافت في هذه الانتخابات، هو تأكيد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي “نأيه” بنفسه عنها، مع العلم أنّه كان قد تدخل في الانتخابات السابقة بعد تسميته للراحل عبد الاله ميقاتي. أمّا النائب أشرف ريفي فكان أعلن أيضاً رفض التدخلات في هذا المجال، “لكن ما يحصل تحت الطاولة من أيّ شخصية سياسية لا نعرفه، ولكنّه سيُكشف يوم الانتخابات قطعاً”، وفق ما يقول مصدر من المجلس لـ “لبنان الكبير”، مشدّداً على أنّ الاجراءات الانتخابية سليمة من دون عراقيل، كما “لم تلحظ تدخلات سياسية إلّا من القائمين على اللائحة التي أبصرت النور، لكنّ سياسيي طرابلس لم نلمس منهم نيّة في التدخل أو التوجيه المباشر”. 

وقبل الدخول في تفاصيل هذه الانتخابات التي لم تتحوّل إلى “معركة” شرسة بعد، (مع العلم أنّ روح المنافسة لا تزال قائمة، خصوصاً عند بعض السياسيين الذي يفرض توجهاته على بعض المرشحين)، يؤكّد المصدر أنّ دور المجلس الشرعي مهمّ جداً على صعيد الطائفة السنية في البلاد، معتبراً أنّ هذا المنصب أو العضوية المرتبطة بمفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، يُسهم في تطوير الحركة الادارية والشرعية سنياً، عبر سنّ القوانين التي توضع للطائفة. 

انسحاب وتوضيح

من أصل 20 مرشحاً، انسحب أحد الأطراف من الضنّية وهو رياض عثمان الذي يُقال انّه شعر “بمعمعة سياسية قائمة”، وانحصرت المنافسة حالياً بين 19 مرشحاً لاختيار 7 أعضاء لطرابلس وضواحيها، وحسب المصدر فإنّ التراجع أو الانسحاب قد يكون وارداً في أيّ لحظة، حتّى في يوم الانتخاب، الذي سيكون دقيقاً وقد يحمل مفاجآت خصوصاً بعد الحديث عن اجتماع سياسيّ عقد في الضنية بحضور بعض المرشحين، وقيل انّه أدّى إلى انسحاب المرشح المحامي محمّد الزاهد طالب الذي نفى هذا الأمر.

ويقول طالب لـ “لبنان الكبير”: “لم أنسحب من المعركة كما روّج إعلامياً، فهذه المزاعم سياسيّة بامتياز تحتاج إلى مرشحين معلّبين وجاهزين بتوصية وإملاءات ليست من المنطقة هذه فحسب، بل من خارجها كما من خارج النسيج السنيّ، وكان أحدهم استشرس في الاجتماع لاحراجي وإخراجي من الموضوع للدّفاع عن مرشحه، ما أدّى إلى حدوث جدل، وانقسام وشرخ داخل الهيئة الناخبة، فكان اجتماعاً فاشلاً على المستوى السياسيّ حتّى ولو كانوا أظهروا وجود إجماع، لكن بالتأكيد لا إجماع على انتزاع القرار ما دفعني إلى إصدار بيان توضيحي”. 

وإذْ يعتبر أنّ الثقة بالهيئة الناخبة لا تتزعزع مهما حدث، يلفت إلى ضرورة الالتزام برؤية الانفتاح والتنسيق الدائم لمعالجة المشكلات الوقفية بوضع الامكانات اللازمة، لا عبر فرض تكتل دون آخر، وبالتالي فإنّ النتيجة ستكون إمّا الفوز أو الانتصار “لأنّنا نستهدف خدمة الصرح أكاديمياً، ولن نكون مرشحي تحدّ”. 

اللائحة والمرشحون

وعن اللائحة التي تشكّلت بصبغة سياسية والتي يُقال انّها حرمت باصطفافها حقّ تمثيل الكورة حيث توجد أكثرية سنّية، واستبعدت مرشحها ربيع الأيوبي، يُؤكّد المصدر أنّ 5 منهم من الأعضاء السابقين، وهم: الشيخ أمير رعد (عن النائب جهاد الصمد)، الشيخ أحمد الأمين (تبنّاه النائب فيصل كرامي وهو مقرّب منه)، أسامة طراد، (تيّار “المستقبل” – الضنية)، الشيخ فايز سيف (المنية، ويُقال انّه مقرّب من أحمد الخير، وهو يرفض هذا الزعم الاعلامي، لأنّه مقرّب من الجميع ويسعى إلى أن يكون على مسافة واحدة وموضوعية منهم)، والدكتور بلال بركة (مقرّب من أجواء “المستقبل”، وأيضاً من النائب السابق سمير الجسر وغيره…)، إضافة إلى الدكتور منذر حمزة ووسيم شيخ العرب (اللذان أرادا الاشتراك مع بعضهما البعض في هذا المعترك السياسي والديني مع رفضهما الدخول منفردين، وقد أوحت بعض المعلومات بأنّهما مقربّان من مفتي طرابلس والشمال محمّد إمام الذي لم يُصرّح بذلك، خصوصاً وأنّه كان اجتمع مع المرشحين وأكّد موقفاً موضوعياً واضحاً، لذلك كان الحديث عن ميوله الى طرفين صادماً عند بعض المرشحين).

إنّ اللائحة التي أكّدت تعاونها لتكون “تحت سقف المرجعية الاسلامية العليا”، اعتبرت أنّها فريق عمل متجانس يسعى إلى القيام بخطوة إيجابية، لكن وفق المصدر فإنّ بعض الأعضاء ضمن اللائحة لم يقتنع بها، كما لم يقتنع بها أيضاً المرشحون المستقلّون بسبب ضغط الائتلاف السياسي وعدم توافقه وتجانس مواقفه. فيما يلفت المصدر إلى أنّ الأعضاء السابقين كانوا حاولوا التجانس مسبقاً للقيام بخطوة إيجابية على صعيد المجلس ودوره، لكنّ الظروف حالت دون تحقيق تقدّم لا سيما منذ ظهور وباء كورونا، مشيراً إلى أنّ سيف كان الأكثر نشاطًا بينهم. 

حتّى اللحظة، لم يلجأ المرشحون إلى تشكيل لائحة معارضة للأولى أو إجراء تحالفات ثنائية أو ثلاثية، فما زالت الصورة تُؤكّد أنّهم يخوضون معركة منفردة بخطى ثابتة قائمة على “النخبوية”، وهم: وائل زمرلي، عبد الله زيادة، مهدي الدريعي، الشيخ مظهر الحموي، باسم عساف، همام زيادة، محمّد الزاهد طالب، زكي صافي، عمّار كبارة، عبد الناصر كبارة، ربيع الأيوبي ومصطفى زعبي.

في الواقع، تُؤكّد المعطيات أنّ “الهيئة الناخبة في دائرة طرابلس الشمال والمؤلّفة من 134 عضواً، تتقبّل بصورة واضحة المرشح وائل زمرلي، نظراً الى ما يُقدّمه من خدمات”، لكن المعركة لا تزال مفتوحة. 

إلى ذلك، يتحدّث المرشح زمرلي الذي لا ينفي هذا القبول الذي يحظى به من الهيئة الناخبة، عن أهمّية لمّ الشمل شبابياً لإحداث تطوّر في هذا المجال، وذلك عبر تقديم أفكار من خارج الصندوق لاستثمار الأوقاف بطريقة صحيحة، كالتركيز على أهمّية المكننة. ويقول لـ “لبنان الكبير”: “أنا مرشح منفرد ومستقل ولم أتحالف مع أحد، بل أسعى إلى العمل حتّى آخر لحظة خارج هذه الاصطفافات”.

وعقب الانتخابات، ستشكل لجان مثل اللجنة القضائية أو الدعوة وغيرها من اللجان التي ستجمع أعضاء من المحافظات اللبنانية المختلفة، لكن نائب الرئيس وكما جرت العادة سيُعيّن من طرابلس باختيار المفتي دريان. وتُشير المعطيات إلى أنّ الاختيار وقع على الجسر بصورة واضحة، فيما تلفت معطيات أخرى إلى احتمال تعيين المفتي السابق مالك الشعار وهي معلومات لا يُمكن تبنّيها، “لكن عموماً، ليست بالضرورة أن تكون شخصية نائب الرئيس سياسيّة أو من أحد السياسيين، فمثلاً عمر مسقاوي كان نائب رئيس المجلس الشرعي الاسلامي الأعلى في لبنان”، حسب المصدر.

شارك المقال