صلاحيات الطائف وحسابات الرئيس والصهر

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

“حقوق المسيحيين” شعار درج رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل على استعطاف الشارع المسيحي به، وهو شعار تعبوي عطل، بحسب البعض، تشكيل الحكومات المتعاقبة منذ ان اصبح للتيار كتلة نيابية وازنة. اذ كان باسيل يروج للثلث المعطل لتياره وحصة لرئيس الجمهورية ويحاول إعاقة الرؤساء المكلفين وابتزازهم بصفته “الرئيس العتيد”، حتى يستطيع الحصول على رضا موجهه “حزب الله” للإمساك بخيوط اللعبة السياسية وضمان خضوع رؤساء الحكومة لشروطه التي كانت احد أسباب الخراب في البلاد وأدت عمليا الى ضرب كل محاولات الإصلاح حتى بات لبنان دولة فاشلة.

وفي اطار المعركة السياسية ضد خصومه يوجه “العونيون” الاتهامات الى اتفاق الطائف، بالقول انه اخذ من صلاحيات رئاسة الجمهورية وأعطاها الى رئيس الحكومة، الا أن هذا الجدل البيزنطي، لا يبدو انه يثير اهتمام اللبناني العادي الذي لا يعنيه اليوم سوى تأمين لقمة عيشه وأمنه ومستقبل أولاده وإحقاق العدالة، بعيدا عن لغة التحريض والفحش السياسي والتهويل بالحرب الاهلية مجددا.

 فلماذا يتم خلط حابل صلاحيات رئيس الجمهورية بنابل صلاحيات رئيس الحكومة اليوم. التي اوضحها مرة باختصار الخبير القانوني النائب السابق ادمون رزق، بالقول أن “وثيقة الطائف عدلت أصول تسيير السلطة الاجرائية، فنقلت بعض الصلاحيات من رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعا، أي من الشخص الى المؤسسة مكتملة. لم تأخذ من شخص لتعطي شخصا. وهي ألغت صلاحيات غير قابلة للممارسة، ولم يسبق أن مارسها أي رئيس في لبنان، منذ الاستقلال حتى الطائف، لأنها تدخل في دساتير الأنظمة الرئاسية لا البرلمانية”.

كيوان: لا يمكن فتح باب على المجهول

للدكتورة فاديا كيوان الباحثة في العلوم السياسية وجهة نظر حول تعثر تشكيل الحكومة وعلاقة ذلك بالصلاحيات، اذ ترى في حديثها الى موقع “لبنان  الكبير” أن “الخلاف الحاصل حاليا ليس خلافا محليا وشخصيا فقط، بل له خلفية إقليمية ـــــ دولية ومرتبط بلحظة تاريخية يعاد فيها تشكل إدارة جديدة في الولايات المتحدة بعد استلام بايدن الرئاسة والاستعداد الإيراني للمفاوضات، فكل فريق يحاول “تزبيط” أوراقه، ربما لا يكون الجو الإقليمي مع تسهيل تشكيل الحكومة، لان لبنان كساحة يمكن لكل فريق ان يعتبره ورقة بيده في المفاوضات، لكن هذا الامر لا يخفي وجود خلاف محلي، فهناك خلاف شخصي بين رئيس الحكومة المكلف والوزير “السابق” جبران باسيل من لحظة استقالة الحريري تحت ضغط 17 تشرين، اذ كان لباسيل رأي يقول بعدم الاستقالة والإبقاء على التضامن واجراء إصلاحات، هذا الخلاف موجود من تلك الفترة حسب معلوماتي حتى إنه في احدى المرات شاهدت على محطة التلفزيون باسيل يتوعد الحريري بالقول: “لن ادعك تعمل رئيس حكومة”، الخلاف الشخصي موجود، لكن أيضا هناك مستوى ثالث للخلاف، لا يحمل سوء فهم او عطل في الطائف، فالطائف تسوية نزعت الكثير من صلاحيات رئيس الجمهورية ومأسست السلطة التنفيذية في مجلس الوزراء، ولكن نقلت عمليا الكثير من الصلاحيات لتوضع بين يدي رئيس الحكومة وصار رئيس الجمهورية يشعر بأنه مثل ساعي البريد حتى المشاورات لتسمية رئيس الحكومة صارت ملزمة يطلع رئيس المجلس النيابي عليها، يعني صلاحيات رئيس الجمهورية لم تضق فقط بل الغي العديد منها، وهذا خلق مرارة لدى القيادات المارونية، وطالما النظام طائفي، المنطق الذي تجري فيه المواجهة هو منطق طائفي وعندما يصبح النظام لا طائفي لا يعود هناك حديث عن حصة هذه الطائفة او تلك، السلطة التنفيذية بحسب “الطائف” مسندة الى مجلس الوزراء مجتمعا ورئيس الجمهورية يحضر ان شاء ولا يشترك في التصويت، لكنه شريك بوضع جدول أعمال مجلس الوزراء لان رئيس الحكومة يضع جدول الاعمال ويطلع رئيس الجمهورية عليه، وبالتالي فان رئيس الجمهورية في عمل السلطة التنفيذية لديه إمكانية النقض او الاعتراض او التعديل ولكن هذا النوع من الخلافات لا يحل الا بتفاهم رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف، خاصة في الوقت الحاضر”.

ولا تجد كيوان ان الوقت حاليا مناسبا لاي تعديلات دستورية ابدا، وتقول: “اليوم الموضوع يجب ان يحل على المستوى السياسي بين الفرقاء ويجب ان يدخل من يحكم فيما بينهم لتنقية القلوب والتعاون مع بعضهم البعض، فلا يمكن للسلطة التنفيذية ان تعمل اذا كان الخلاف محتدم بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة يجب ان يكونا على اتفاق، أي على توافق، وان يتحاورا ويتفاوضا ويتنازل كل واحد منهما “من كيسو” حتى يتوصلا الى ما يرضي الشعب اللبناني كوننا نعيش في ظرف صعب جدا، لا يمكن ان نفتح الباب على المجهول، بإعادة النظر بتعديل الدستور، فالدستور اليوم هو “ما يجمعنا” ومن هنا أرى انه ليس من الحكمة فتح باب تعديلات دستورية، المطلوب تنقية القلوب وإعطاء الأولوية لمصالح البلاد العليا وتفاهم الرئيسين، وبرايي لا يجوز ان يوضع رئيس الجمهورية في موقع الدفاع عن فريق او ناطق باسم، بل هو دستوريا رئيس الدولة أي موقعه على مسافة من الخلافات السياسية”.

وتلفت الى أن “الخلاف الذي حصل بين رئيس الحكومة المكلف والوزير باسيل الذي يرأس أكبر حزب مسيحي بالنهاية، جعل التيار الوطني الحر “يصف على جنب ويقول نحن نترك الموضوع بين يدي رئيس الجمهورية ومن هنا وضع رئيس الجمهورية بموضع وكأنه يفاوض عن فريق، رئيس الجمهورية يجب ان يكون فوق الكل وفوق كل الاعتبارات وعندما يكون هناك خلاف بينهم يتدخل هو ليعمل “تحكيم” فيما بينهم، الوضع الحالي ليس سليما بالمطلق ولكن الخروج من المأزق يتطلب التنازلات والرأي العام اليوم يقدر المواقف الحكيمة والمعتدلة التي يمكن أن يتخذها أي مسؤول قيادي، لان من يتنازل اليوم يكون التنازل من أجل البلد وليس تنازلا للخصم”.

وتختم كيوان بالقول: “الله يهدي القلوب”.

سلام: شد العصب يفقد الثقة

من جهته، يعتبر الباحث والناشط السياسي المحامي مروان سلام في حديث الى موقعنا ان ما يشاع عن اخذ “الطائف” صلاحيات رئيس الجمهورية “شماعة يتكىء عليها “التيار الوطني الحر” مثل شماعة شعار “حقوق المسيحيين” لتغطية فشل العهد، فهو يظن انه من خلال هذه اللغة يستطيع ان يعيد ما خسره من شعبية في بيئته المسيحية اولا، في حين ان العكس هو الصحيح، فأصحاب هذه اللغة باتوا مكشوفي الغاية، منها ما تصب في الإنتخابات الرئاسية التي يسعى الرئيس ميشال عون ان يورثها لصهره المدلل جبران باسيل، ومنها ما تصب في الانتخابات النيابية التي باتت قاب قوسين او ادنى والمتوقع منها إن جرت ان تنخفض كتلة “الوطني الحر” الى النصف وما دون”.

وبرأي سلام أن “العهد يواجه معضلتين اساسيتين، الأولى ثورة 17 تشرين التي ترافقت مع قطيعة شبه شاملة، دولية وأوروبية وعربية، ما أدى الى شلله وبات في حالة موت سريري والمعضلة الثانية ان هناك قوى مسيحية، كـالقوات اللبنانية، تلعب بشكل منظم ودقيق على أخطاء هذا العهد وتستثمرها، تارة بتبنيها حراك الثورة في الساحات وفي الاعلام، وتارة اخرى بالسياسة تشفيا منها على نكوث التيار بإتفاق معراب وبنوده الهادفة فعلا الى تقاسم مغانم السلطة في التعيينات، ولذلك يصب “الوطني الحر” جام غضبه على مقام رئاسة الحكومة”.

وأشار الى ان العهد “يقوم بهجوم مركز ومباشر على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، تحت عنوان حق تسمية الوزراء المسيحيين واستحواذه على الثلث المعطل بلغة سياسية لم تنحدر اليها رئاسة الجمهورية في كل تاريخ لبنان، أي شد العصب المسيحي لغايات انتخابية بحتة تحصيلا لما فقده من ثقة بين اللبنانيين عموما وبئيته المسيحية بشكل خاص”.

ويضيف سلام: ” ان العهد يتصرف رغم الظروف الكارثية إقتصاديا ومعيشيا وإجتماعيا والتي لم يخبرها اللبنانيون قبلا، اذ ضرب الفقر المدقع كل الطبقات الميسورة منها والمتوسطة والفقيرة، وكأنه لم يبق من مشكلات سوى مشكلة صلاحيات رئيس الجمهورية، فتراه المعرقل الاول والوحيد للتشكيل، ولا يأبه للفراغ الذي قد يحصل بعد انتهاء ولاية عون، عسى أن تأتي ظروف عجيبة غريبة بجبران باسيل رئيسا للجمهورية”.

ويستدرك بالإشارة الى إنه “لو سلمنا جدلا بأنه لم يعد لدينا سوى مشكلة صلاحيات رئيس الجمهورية نقول انه ليس صحيحا ابدا أن صلاحياته قد باتت بيد رئيس الحكومة، فالقاصي والداني بات يعلم أن الصلاحيات نقلها “الطائف” إلى مجلس الوزراء مجتمعا”.

وتساءل سلام: “هل يريد هذا العهد ومعه تياره الوطني الحر حربا أهلية جديدة إرضاء لغرائزه السلطوية؟ أم يذهب الى ما يريده الشعب اللبناني من حلول جذرية لمشكلاته الاقتصادية والمعيشية؟”، معتبرا ان “الاجابة تكمن في ان كل هذا النقاش والأخذ والرد في معضلات تشكيل الحكومة اصبحت مفتعلة ومبالغا بها وقد ادخلها “الوطني الحر” في ادبيات الحياة السياسية وباتت ثقافة لديه، فيما المواطن اللبناني همه الوحيد الآن ان يؤمن قوت يومه امام أكبر كارثة معيشية بتاريخه على الإطلاق، فقد أذل هذا العهد اللبنانيين شر إذلال واصبحنا معه نعد كل ثانية كي ينتهي ونخرج من هذا النفق المظلم”.

ويؤكد سلام في ختام حديث ان “لا سبيل للخروج من هذه الازمة السوداوية إلا بإنتاجنا مجددا وبوعي لمجلس نيابي جديد ولسلطة جديدة فاعلة ناشطة، تعيد للحياة السياسية أدبياتها وتحترم المواطن وحقوقه وتعمل على محاسبة كل من فرط بلبنان وبالكيان وبالأمن السياسي والاجتماعي، وتعمل فورا لإستعادة ثقة المجتمع الدولي بنا كدولة خالية من الفاسدين والفساد، وتوفر الثقة لجيش وطني جامع يمسك بأمن البلد وتكون له حصرية السلاح، ففلتان السلاح خارج منظومة الدولة بات يهدد وجود لبنان وكيانه”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً