ماذا سيجري بعد تشرين إذا لم يُنتخب رئيس؟

جورج حايك
جورج حايك

تُنذر الأوضاع السياسية والاقتصادية والمالية والأمنية في لبنان بما لا تُحمد عقباه، وعلى الرغم من مبادرات اللجنة الخماسية ومساعيها لا يبدو في الأفق أن الطريق إلى الاستحقاق الرئاسي سالك، بل وضع الثنائي الشيعي حاجزاً من خلال تمسّكه بمرشحه رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، فيما المبادرة الفرنسية والمساعي القطرية واتجاهات اللجنة الخماسية تصبّ في خانة الخيار الثالث.

ولا يختلف اثنان على أن اللبنانيين في سباق مع الوقت، وكثر من المراقبين يعتبرون أن شهري تشرين الأول والثاني سيكونان فاصلين: اما انتخاب رئيس أو الارتطام الكبير.

لكن المقاربات والمعطيات ليست كلّها متشابهة، وتتراوح بين السيئ والأسوأ، وتؤكد مصادر سياسية ناشطة في لبنان أن الأوان قد فات أمام التحذير من الارتطام الكبير، فالشعب اللبناني ليس بخير، ودخل في الانهيار منذ ثلاثة أعوام، انهيار القطاع المالي والمصرفي وتبخر جنى عمره، وبات يلمس عجزه عن شراء أبسط مستلزمات العيش أو تأمين حبة دواء أو دخول المستشفى أو دفع قسط المدرسة والجامعة. وقد صارح حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري اللبنانيين بأن هذا ليس استقراراً طويل الأمد بل هو استقرار هشّ، وإذا لم يتم انتخاب رئيس فستتدهور الأوضاع الاقتصادية أكثر!

وتوضح المصادر أن الانتظار لن يطول قبل أن تظهر أزمة في تأمين رواتب القطاع العام، لأن منصوري لن يطبع المزيد من الليرة، ولن يمس الاحتياطي بالدولار، وقد تمكّن من اجتياز هذه المرحلة ريثما تصل القوى السياسية إلى حل سياسي فيتم انتخاب رئيس يضع الأمور على السكة الصحيحة. لكن الخيارات ليست كثيرة في المرحلة المقبلة، ومنصوري لن يصمد بعد تشرين الثاني، لأن كل يوم يمر بعده سيكون في مواجهة خطر ارتفاع سعر صرف الدولار وخصوصاً أن الخزينة فارغة، لا ضرائب ولا رسوم، وأقل خطأ سيؤدي إلى نقمة معيشية كبيرة لدى اللبنانيين الذين يعيشون “على صوص ونقطة”.

وترى المصادر السياسية أن هناك كلاماً جديّاً عن احتمال وقف المساعدات النقدية التي تقدّمها الولايات المتحدة الأميركية للجيش اللبناني من خلال برنامج تابع للأمم المتحدة مُصمّم خصيصاً لهذا الغرض، وبالتالي ستجري اتصالات حكومية جديّة لتفادي هذا الأمر الذي قد يُهدد المؤسسة العسكرية.

والمعطيات تشير إلى أن حالات الشغور في المرافق العامة ومؤسسات الدولة ستتراكم بعد تشرين، وسيكون أخطرها في قيادة الجيش ابتداء من 9 كانون الثاني 2024. وهذا ما سينسحب على مختلف القطاعات الادارية والعسكرية والتعليمية والصحية في نطاق المؤسسات الرسمية.

أما سياسياً فيغلب التشاؤم، وفق المصادر السياسية اللبنانية لأن الاجتماع الأخير للجنة الخماسية لم يصدر بياناً بسبب فشله في التوحّد حول رؤية سياسية واحدة للبنان نتيجة تباين بين فرنسا والولايات المتحدة، لكن المؤشرات الأخيرة التي قدّمها الموفد الفرنسي جان ايف لودريان لا تختلف عن مقاربة كل الدول الأعضاء في “الخماسية”، ناصحاً القوى السياسية بالاتفاق على خيار ثالث، ومن جهتها تعمل قطر في الاتجاه نفسه بغطاء سعودي، ولم تسجّل حتى اليوم أي اختراق على الرغم من اللقاءات السرية لموفدها الرسمي مع “حزب الله” وبعض القوى الأخرى، فالثنائي الشيعي لا يريد النزول عن الشجرة ويتمسّك بفرنجية، وهناك معلومات بأن المساعي القطرية ستتوسّع نحو ايران لتليين مواقف الثنائي الشيعي، وذلك قبل وصول الموفد القطري إلى لبنان هذا الأسبوع.

أمنياً، تبرز تحديات كبيرة تبدأ باغتيال القيادي في “القوات اللبنانية” الياس الحصروني، مروراً بحادثة الكحالة واشتباكات عين الحلوة وصولاً إلى المواجهات مع بعض المجموعات السورية المسلّحة التي تتغلغل في لبنان عبر المعابر غير الشرعية تحت عنوان “النزوح السوري”، إضافة إلى ما حصل منذ أيام من اشتباكات عنيفة في بلدة اللبوة بين آل رباح والجيش اللبناني.

وتعتبر المصادر السياسية أن هذه الاشتباكات المتنقلة تنذر بشيئ ما عساه لا يكون “الأعظم”! هذا الشيئ يغلي كالهشيم تحت الرماد إذ عند كل حادث أمني نقول “الله يستر” لتعود عجلة الحياة إلى ما كانت عليه قبل تلك اللحظة المصيرية. على أن المحرك الأساس لهذه الفتن والأحداث الأمنية المتنقلة مصدرها السلاح غير الشرعي واستفحال سلطة الدويلة عبر أذرع إيران في لبنان، وتآمر النظام السوري على لبنان من خلال ترك الحدود من دون رقابة وتسهيل عبور الهاربين من الأزمة الاقتصادية هناك بإتجاه لبنان. ولا تستبعد المصادر أن يكون رئيس النظام بشار الأسد مشجعاً على هذا النزوح لخلق مناخات أزمات اقتصادية وأمنية تهدف إلى استدراج دول القرار للكلام معه ومساعدته اقتصادياً، وربما يستغل ذلك للضغط بإتجاه القبول بفرنجية رئيساً مقابل عودة اللاجئين إلى سوريا!

لكن معطيات مصدر ديبلوماسي لبناني في الخارج مطلع على وساطات الدول الأعضاء في اللجنة الخماسية وخصوصاً المساعي القطرية، يبدو أكثر تفاؤلاً من المصادر السياسية الداخلية، ويلفت إلى أن الثنائي الشيعي ولا سيما “حزب الله” مدرك أن لا أمل في وصول فرنجية إلى الرئاسة، والرئيس نبيه بري لو كان واثقاً بوصوله لبادر إلى الدعوة لجلسات انتخابية متتالية ومفتوحة، لكنه يُدرك أن هناك استحالة. بل أكثر من ذلك، يعرف “الحزب” أن فرنجية لا يستطيع انقاذ البلد اقتصادياً ومعيشياً وسينعكس ذلك على بيئة الثنائي الشيعي.

ويشير المصدر إلى أن “الحزب” يعلم أن الخيارات باتت محصورة بإسمين وخصوصاً قائد الجيش العماد جوزيف عون، وهناك موافقة مبدئية عليه، إلا أنه ينتظر الترتيبات النهائية لإتفاق أميركي – ايراني وشيك، إضافة إلى أن التسوية تشترط سلة متكاملة تبدأ من رئيس الجمهورية مروراً برئيس الحكومة وصولاً إلى تشكيل حكومة.

ونسأل المصدر عن الأسماء المرشحة لرئاسة الحكومة إلى جانب رئيس الجمهورية في التسوية، فيجيب: “ليست هناك أسماء محددة حتى الآن، لكن المعلومات تتقاطع حول مواصفات تشبه مواصفات وزير الداخلية بسام مولوي، وكان هناك كلام حول النائب فؤاد مخزومي إلا أنه تم استبعاده، لأن الحزب لن يقبل به. وعلى صعيد تشكيل الحكومة يُبحث مبدأ المداورة في الوزارات وهناك احتمال كبير أن تُقسم وزارة المالية إلى حقيبتين: الأولى للخزينة والثانية للموازنة”.

حتماً هناك ثمن سيتقاضاه “حزب الله” مقابل تسهيله عملية الرئاسة، ويرى المصدر الديبلوماسي أن الثمن هو حماية ظهره وعدم الانقلاب على سلاحه. علماً أن الثنائي ليس من مصلحته تفكك لبنان جغرافياً وسياسياً واقتصادياً، واستحقاق تعيين قائد الجيش داهم، ما سيرخي بثقله على المشهد السياسي.

ويروي المصدر الديبلوماسي أنه سمع كلاماً من مسؤولين أوروبيين أنهم جديون في وقف تمويل لبنان بعد تشرين إذا لم تجرِ الانتخابات الرئاسية، وخصوصاً أن الأوروبيين والأميركيين عاجزون عن تمويل أوكرانيا في المواجهة العسكرية مع روسيا ولبنان في آن معاً، ما سيخفض المساعدات الاجتماعية للبنانيين، وقد لمّح أمامه أحد المسؤولين في واشنطن الى أن الادارة الأميركية منزعجة من أسلوب المسؤولين اللبنانيين في طلب المساعدات، ووصف ذلك باللهجة العدوانيّة، بالمقارنة مع الأسلوب السلس الذي يعتمده المسؤولون الأردنيون!

من جهة أخرى، ما توافر من معطيات لدى المصدر الديبلوماسي اللبناني في واشنطن أن هناك كلاماً جدياً في البحث عن وضع سوريا ما بعد الأسد، وقد لن يتمكّن من الصمود لوقت طويل أمام الضغوط، وخصوصاً أن الايرانيين غير قادرين على تقديم المزيد من الدعم في ظلّ المشكلات الداخلية التي تواجه ايران. وما بات واضحاً أن ايران بعد الاتفاق مع السعودية وبعد اكتمال المفاوضات مع الولايات المتحدة وامكان التوصّل إلى اتفاق قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، ستنكفئ نحو الداخل الايراني مع الحد من تصدير الثورة التزاماً بالاتفاقين الاقليمي والدولي، وهذا ما سينعكس ايجاباً على لبنان، بحسب قول المصدر الديبلوماسي.

في المحصلة، سيكون انتخاب رئيس جمهورية وتكليف رئيس حكومة ثم تشكيل الحكومة إذا حصلت خلال “التشرينين”، مرحلة تقطيع وقت انتظاراً لاكتمال مشهد التغيّرات الاقليمية من سوريا إلى ايران.

شارك المقال