مصائب البلد كلها في كف… والشذوذ في كف!

لينا دوغان
لينا دوغان

غريب أمر هذا البلد، وكأنه في أحسن الأحوال وأفضلها، وكأن أوضاعه على ما يرام وليس فيه أحد يضام، وكأن ليرته هي أقوى عملة في العالم واقتصاده مزدهر ونامٍ ومتقدم، وشعبه مرتاح ولا على باله بال سوى التفكير في الحريات وأي حريات! تحت مسمى “مسيرة الحريات” التي تدعم المثلية الجنسية بدأت تتحرك مثل هذه الأمور في بلد مثل لبنان يئن من الجوع والفقر والأوضاع المالية المتهالكة والمؤسسات الفارغة والعملة المتهاوية، فبدل أن يثوروا كرمى لقمة العيش وينزلوا الى الشارع بسبب الأوضاع التي يعيشونها، أي بعض النواب والناشطين، حرّكت الشارع نحو 18 جمعية حقوقية ونسوية وتنظيمات سياسية تحت عنوان “من أجل ضمانة كاملة لحرياتنا ورداً على الانتهاكات المتتالية”.

نسوا أن البلد وصل إلى مرحلة بالغة الصعوبة والخطورة، من خلال أزمة مضى عليها أكثر من أربع سنوات، لم تقر فيها أي مشاريع إصلاحية خصوصاً على الصعيد المالي.

نسوا أن البلد يعيش انكماشاً اقتصادياً ومعدلات التضخم غير مسبوقة، وسقوط العملة الوطنية وانخفاض القدرة الشرائية لدى المواطن اللبناني، والبلد باق ٍتحت رحمة الأزمات المستفحلة والمواطن غارق في دوامة الفقر والحرمان إلى حين انتظام العمل المؤسساتي والعمل الدستوري.

نسوا أن المؤسسات معطلة، واللبنانيون عاجزون منذ أشهر عن القيام بأبسط المعاملات مثل تسجيل عقارات أو سيارات اشتروها أو إنجاز أوراق رسمية، ولم تعد الدولة قادرة حتى على تحصيل ضرائبها، وسط إضراب لموظفي القطاع العام يشل عمل العديد من المؤسسات.

نسوا أن الأزمة الحالية يتكلم عنها الجميع على أنها الأخطر في تاريخ لبنان الذي شهد حرباً أهلية، وجولات اقتتال وأزمات عدة خلال مئة عام من وجوده.

نسوا مؤسسة القضاء التي تعيش أسوأ ايامها في هذه المرحلة، فلا يكفيها تدخل السلطة السياسية الفاضح في عملها، ودورها في تعيين المقربين والأزلام في المواقع الحساسة، ليكونوا أبرز أدواتها للحكم ولتنفيذ القانون بصورة استنسابية، بل جاءت الأزمات المالية والاقتصادية والاجتماعية لتفعل فعلها، ولنسمع بالاستقالات والهجرة لهذه الكفاءات.

نسوا أننا بلا رئيس جمهورية منذ ما يقارب السنة، وجمود تشريعي، وتسيّر أمور البلاد حكومة تصريف أعمال محدودة الصلاحيات، وتعطل ذلك آليات اتخاذ القرار على المستويات كافة، وأن انعقاد ١٢ جلسة حتى الآن لم ينجح في انتخاب رئيس ينقذ البلاد مما هي فيه او على الأقل يضعها على سكة الحل، وهذا ما يطالب به المجتمع الدولي واللجنة الخماسية، اللذان يعربان عن بالغ قلقهما من استمرار الفراغ لأنه بنظرهما أمر غير مقبول ويصيب الدولة بالشلل على المستويات كافة.

نسوا أنهم لا يزالون كل على موقفه في ما خص انتخاب الرئيس، كما نسوا الجهود الدولية التي تبذل للاسراع في انتخاب رئيس، وآخرها كانت زيارة الموفد الفرنسي ومحاولاته، والآن الدور القطري الذي يأتي بمبادرة جديدة جعلت الرئيس نبيه بري يضع خيار الحوار جانباً افساحاً في المجال أمام هذا الدور الذي يريد تحريك الأمور للوصول الى نتيجة بتوافق الجميع.

نسينا كل المصائب المحيطة بنا، والبلاء الذي نعيشه في بلدنا، ومآسي الناس، وضربنا كفاً بكف كيف هي الطريقة للترويج للمثلية؟

بداية، ليس عن طريق الحريات تطرح مسألة المثلية، ولا يمكن اللعب على أمور مثالية مثل حرية الرأي والمعتقد للترويج للمثلية. المثلية وإن كانت حالة موجودة، عليك أن تحترم المجتمع الذي تتواجد فيه وتعيش فيه، فلتتوقف هذه الأنشطة الترويجية المعروفة الأهداف والمصادر والدوافع، ولتتحول الأنظار الى ما هو أهم لصالح البلد ومصالح الناس وهمومهم ومشكلاتهم، علنّا نكون خطونا خطوة ولو لمرة واحدة في الاتجاه الصحيح.

شارك المقال