لماذا لم يبادر بري إلى حوار من دون “القوات” و”الكتائب”؟

جورج حايك
جورج حايك

لا شيئ كان يمنع رئيس مجلس النواب نبيه بري من الاصرار على انعقاد جلسة حوار، وفق مبادرته، من دون حزبي “القوات اللبنانية” و”الكتائب اللبنانية”، وبالتالي، ربما كانت وصلت الكتل إلى اتفاق بالحد الأدنى يؤمّن النصاب لجلسات متتالية ومفتوحة، لكن مبادرته تعرّضت للقصف المركّز مسيحياً بالدرجة الأولى، ونُسفت من أساسها بعد تقاطع كل من “القوات” و”الكتائب” ونواب سياديين وتغييريين و”التيار الوطني الحر” وأخيراً موقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي دعا إلى الحوار بالتصويت موضحاً موقفه الأول الذي فهمه فريق الممانعة بأنه تأييد للحوار.

فكيف يفسّر عضو تكتل “التنمية والتحرير” النائب محمد خواجة رفض بري المضي بالحوار من دون “القوات” و”الكتائب”؟ يجيب: “أولاً، يحرص الرئيس بري على الميثاقية، ثانياً كان يرغب في أن يكون هناك اجماع نيابي على رئيس يعتمد على كتلة نيابية وازنة، علماً أن الاعتراض لم يقف على القوات والكتائب إنما إمتد إلى رئيس التيار جبران باسيل الذي سرعان ما وضع شروطاً مثل مناقشة برنامج الرئيس، إضافة إلى تراجع غبطة البطريرك عن تأييد الحوار، تحت ضغط من مواقع التواصل الاجتماعي”.

ويضيف: “بات الأمر كأن بعض القوى تضع أوزاناً ثقيلة في عنق الحوار، المقصود منها ضربه من أساسه، وبصورة أوضح كمن يرفع مهر إبنته لأنه لا يريد تزويجها، لذلك لم يعد منطقياً أن يستمر الرئيس بري في مبادرته من دون حضور نصف الكتل النيابية”.

لكن مصادر “القوات” تصرّ على أن الدستور لا ينص على الحوار في عملية انتخاب الرئيس، لذا هو ملهاة والمعارضة ليست بوارد المشاركة في أي حوار إلا بعد انتخاب الرئيس العتيد، وبالتالي هو من يدعو إلى حوار يكون موضوعه تطبيق الدستور وانهاء موضوع السلاح، وهذا ما يفسّر لماذا لا يريد بري انتخاب رئيس، ففريقه غير قادر على انتخاب مرشحه ويرفض الخيار الثالث وفتح المجلس النيابي في جلسات متتالية ومفتوحة، علماً أنه كان يحق له التمسّك بمرشحه لو كان قادراً على ايصاله من ضمن المهلة الدستورية. لذلك، هدف بري هو اخضاع خصومه السياسيين. أما موقف البطريرك الراعي فلم يكن تراجعاً إنما توضيح للتضليل الذي مارسه فريق الممانعة عبر تحوير موقفه الذي كان من الأساس مع الحوار في إطار الجلسات الانتخابية المتواصلة والتصويت، وهو أمر طبيعي ومنطقي.

وتلفت مصادر “القوات” إلى أن لا شيئ يؤكّد أننا اذا ذهبنا إلى الحوار فسيذهب بري إلى جلسات انتخابية بدورات متتالية، فلنفترض أننا اختلفنا، سيعقد جلسة أو جلستين انتخابيين ثم يقول فشلنا فلنرفع الجلسة!

من جهته، يرد خواجة: “لو أدت 12 جلسة الى انتخاب رئيس لكان الرئيس بري ارتأى أن لا داعي للحوار، لكن الانقسام الحاد في هذه الجلسات استدعى مبادرة حوارية، ولو لم يربط بري بين الحوار والانتخاب ولم يضع سقفاً زمنياً للحوار بـ7 أيام كحد أقصى لكان يمكنهم أن يعتبروا مبادرته مناورة، وربما كان سيعقد جلستين حواريتين ويرى أن القوى السياسية غير متفقة، حينها كان سيدعو إلى جلسات انتخاب ولينجح من ينجح”.

ويكشف خواجة عن معلومة بأن بري كان مصمماً بعد الحوار على أن يدعو إلى جلسات يومية صباحاً ومساء على مدى أيام متواصلة حتى انتخاب رئيس، لكن للأسف لقد فوّتوا فرصة تاريخية والرئيس بري أدى قسطه للعلى، ونحن واثقون بأن من يخلط الأوراق بهذا الشكل لا يريد انتخاب رئيس.

في المقابل، ترى مصادر “القوات” أن بري كان يعرف أن المعارضة لن تذهب إلى الحوار، إلا أن دمج مسألة الحوار بـ”جزرة” جلسات الانتخاب المتواصلة، كان فخاً لم تقع فيه المعارضة، وموقفها واضح بأنها ترفض الغاء دور مجلس النواب وتكريس أعراف جديدة والغاء إرادة الناس بانتخابات فعلية لا مجرد تعيين رئيس.

وتشير المصادر إلى أن الهدف الأساس لبري هو الايحاء بأن فريق المعارضة يتحمّل المسؤولية بعدم انتخاب الرئيس على نحو متساوٍ مع فريق الممانعة، وهذا أمر غير صحيح بتاتاً، لأن المسؤولية تقع على عاتق فريق الرئيس بري الذي لا يريد أن يخضع للارادة الديموقراطية والآلية الطبيعية لانتخاب رئيس ولا يريد الخيار الثالث.

وتعتبر مصادر “القوات” أن بري لو كان ملتزماً في الحد الأدنى بالقواعد الأساسية للدستور لكانت دعوته الى الحوار مفهومة، أيّ لو كنا ضمن المهلة الدستورية أي في الشهرين الأولين وحصلت الدورات المتتالية ولم يُنتخب رئيس، ودعا إلى الحوار من ضمن المهلة لكان الأمر يستحق الدرس، إلا أن هذا الفريق منذ البداية لم يلتزم بالآليات الدستورية وكان يعطّل العملية الانتخابية عبر الانسحاب من الجلسة قبل الانتقال إلى الدورة الثانية، وهو يأتي اليوم ليدعونا إلى حوار ملغوم ليحمّلنا مسؤولية الشغور.

يرفض النائب خواجة أن يحمّل فريقه مسؤولية التعطيل، ويوضح “سمعنا الدكتور سمير جعجع والشيخ سامي الجميل يصرّحان في بداية المعركة الرئاسية بأنه إذا تبين لهما أن مرشح الممانعة حظوظه عالية فلن تؤمّن له المعارضة النصاب. إذاً هم يلعبون اللعبة نفسها، لذلك نجد الحوار ضرورة حتى تتعهد كل الكتل بأنها ستؤمّن النصاب، علماً أن الرئيس بري وعد بأن تؤمن كتلته النصاب بعد الحوار ولن تنسحب”.

وعن المرشح الثالث، يقول خواجة: “لماذا الاتفاق على المرشح الثالث طالما مبادرة الرئيس بري كانت تتضمن انتخابات رئاسية حقيقية؟ فليتنافس أكثر من مرشّح وليفز من يستحق”.

وترد “القوات” بأن “هناك من يتذرّع ويتحجّج بمواقف أُعلنت في لحظة من اللحظات، فيما هناك من قام بالواقع والفعل بتعطيل 12 جلسة وهو فريق الممانعة، وحتماً لم تمارس القوات والمعارضة هذا الأمر. بل أكثر من ذلك، من حال دون انتخاب رئيس في المهلة الدستورية هو الممانعة، ومن يرفض الخيار الثالث هو الممانعة، ومن يرفض الدعوة إلى جلسات انتخابية متتالية هو الممانعة، لذا التذرّع بموقف من هنا وهناك لا ينفع، علماً أن الفريق الآخر يعتمد في استراتيجيته منذ العام 2007 على التعطيل تحقيقاً للأهداف والأغراض السياسية المعروفة. صحيح أن هناك من حاول الردّ عليه بالمثل قولاً، لكن هذا الفريق ينفّذ استراتيجية التعطيل، ولو تجرأ على ترك الجلسات مفتوحة ومتتالية بعد جلسة 14 حزيران المنصرم عبر المرشحين سليمان فرنجية وجهاد أزعور لكانت المعارضة ستبرهن له أنها لن تنسحب من الجلسات ولكان أزعور انتخب رئيساً في الدورات المتتالية بعدما أثبت تقدمه في الدورة الأولى”.

شارك المقال