ملف اللاجئين ومخاطره… الانفجار الاجتماعي والأمني (3)

زياد سامي عيتاني

بلغت أعباء النزوح السوري إلى لبنان بكل مندرجاتها الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والسلوكية حداً من الاستنفار العصبي، بحيث أن المشهد اللبناني العام بات أقرب إلى الاجماع على رفض نادر لهذا النزوح، وبالتالي أصبح موضوع حلّ هذه الأزمة مطلباً لبنانياً عاماً يشمل كل المناطق والطوائف. إتخذ ملف اللاجئين السوريين للمرة الأولى بعداً خطراً، وسط فوضى من المواقف والمواقف المضادة التي لم تخلُ من العصبية الطائفية. ويترافق ذلك مع أخبار يومية عن إحتكاكات دموية في مناطق عدة بين لبنانيين وسوريين، يخشى أن تتدحرج وتتزايد، وأن تأخذ أبعاداً سياسية، من افتعال توترات متنقلة بين المجتمع اللبناني المضيف واللاجئين السوريين، وتوظيفها خدمة لأجندات سياسية محلية وإقليمية، خصوصاً مع حالة التخبط والمراوحة السلبية التي يعيشها لبنان، من جراء إستعصاء الحلول لأزماته المفتوحة، لا سيما وأن الاحصاءات الرسمية تشير إلى أن 85 في المئة من الجرائم المسجلة في لبنان يرتكبها لاجئون و40 في المئة من الموقوفين لدى الأجهزة الأمنية المختلفة هم من السوريين.

وباتت الأعباء الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية جراء اللاجئين السوريين، تفوق قدرة اللبنانيين على تحملها، وتشكل خطراً كيانياً ووجودياً على الهوية اللبنانية، وسط المخاوف من أن يكون هناك “أمر عمليات” اتخذ لبث الفوضى في لبنان لأهداف سياسية لا علاقة لها لا بصالح الشعب اللبناني ولا بعودة اللاجئين، بل لفرض أمر واقع. يضاف إلى ذلك الأعباء الاقتصادية، التي يعتبر اللبنانيون أنهم يتكبدونها نتيجة الأعداد الكبيرة للاجئين، إضافة إلى مشكلة التحول الديموغرافي الذي برز أخيراً مع تزايد الولادات لدى تلك الشريحة الوافدة، علماً أن صفة النزوح لا تنطبق على كل السوريين الموجودين في لبنان، إذ ان قسماً كبيراً منهم يتنقل بين البلدين بحرية ويتلطى خلف صفة النازح للافادة المادية.

لقد إستفاد اللاجئون السوريون على مدى سنوات من المواد الغذائية المدعومة من خزينة الدولة اللبنانية التي تغذّيها ضرائب اللبنانيين، بالاضافة إلى الافادة من الدعم على الدواء والكهرباء والمحروقات، كما تحمّل لبنان أعباء كبيرة على صعيد إستهلاك بنيته التحتية المتهالكة. ولا يمكن أن ننسى كلفة الحفاظ على الأمن وضبط الحدود البريّة والبحريّة في محاولة لمنع التسلّل إلى لبنان والهجرة غير الشرعية عبر البحر إلى أوروبا.

اللبنانيون الذين يعيشون أسوأ الظروف والأوضاع الاجتماعية والمعيشية المتدهورة جراء الانهيار الاقتصادي والمالي وسرقة ودائعهم، أصبحوا يوجهون أصابع الاتهام الى اللاجئين السوريين، بأنهم يشكلون تهديداً مباشراً إضافياً لأوضاعهم الانسانية، على الصعد كافة، مع وجود ما بين مليون ونصف المليون ومليوني نازح سوري، أكثر من نصفهم دخلوا بطريقة غير شرعية.

على الصعيد الاقتصادي: هناك عشرات آلاف الشباب السوريين ينافسون العمالة اللبنانية على الوظائف والمهن في العديد من القطاعات، وهذا يؤدي إلى ارتفاع في نسبة البطالة بين اللبنانيين. كما أنّ العديد منهم يمارسون مهناً ممنوعة عليهم بحسب القوانين، ما يؤثر سلباً على إنتاجية بعض الشركات اللبنانية واستمراريتها.

على الصعيد الصحي: إنّ وجود ما يقارب المليوني نازح سوري يزيد من الضغط على المنشآت الصحية والمستشفيات، خصوصاً في توافر الأسرّة والدواء والرعاية الصحية، ما يضاعف الأعباء المالية على القطاع الصحي بأسره.

على صعيد إستنزاف الدولة: يستخدم اللاجئون منشآت حكومية وخاصة، وتحديداً المدارس، حيث يُتوقع أن يبلغ عدد الطلاب السوريين فيها حوالي نصف مليون. وغالباً ما تستهلك مخيمات اللاجئين كهرباءً ومياه شفة من الدولة من دون دفع أي بدل، ما يحرمها من مليارات الدولارات. كما أنّ السوريين لا يدفعون أي ضرائب على الأرباح وحتى على جزء من المبيعات، وهذا يوجد منافسة غير عادلة مع اللبنانيين الذين يخضعون للضرائب.

وفي معرض الحديث عن الأعباء الاقتصادية للنزوح السوري، فإن تقريراً أعدته أوساط معنية بالملف، قارب كلفة النزوح السوري على لبنان ضمن ثلاث مراحل، الأولى تبدأ منذ اندلاع الحرب السورية وبداية النزوح وصولاً إلى 2014 حيث تقرر وقف تسجيلهم، والثانية من 2015 إلى 2019 حين بدأت الأزمة اللبنانية لتبدأ معها المرحلة الثالثة والمستمرة حتى اليوم. وتخلص الدراسة إلى رقم تقديري للكلفة المباشرة للنزوح السوري بلغ أكثر من 40 مليار دولار، وهي تشمل جميع القطاعات مثل الطاقة والتعليم والطبابة والصحة وغيرها من القطاعات التي تأثرت بصورة مباشرة أو غير مباشرة. إن “تسونامي” النزوح، بات ينذر بإنفجار إجتماعي، قد يبلغ حد الانزلاق إلى توترات أمنية، وربما ما هو أخطر، من خلال جر مجتمع اللاجئين والمجتمع اللبناني المضيف إلى مواجهات منظمة ومدفوعة من جهات تهدف إلى ضرب الاستقرار الهش في لبنان، في حال لم تتعاطَ السلطة والقوى السياسية بجدية مع هذا الملف “الملتهب”، بعيداً من المزايدات الشعبوية والانفعالات العنصرية.

شارك المقال