أيار

عاصم عبد الرحمن

خصصت الكنيسة الكاثولوكية في القرن السابع عشر شهر أيار من كل عام لتكريم السيدة العذراء لما يشكله هذا الشهر من بداية جديدة لفصل الصيف مع ما يتميز فيه بالفرح والسرور وتزيُّن الطبيعة بالحياة والزهور. ففي العام 1683 عمّم البابا إينوشنسيوس 11 على العالم أجمع الاحتفال بالشهر المريمي سنوياً، فهل يضرب أيار المقبل موعداً لاحتفال اللبنانيين بانتخاب رئيس للجمهورية؟

اشتهرت سابقاً في الصالونات السياسية عبارة “كل الحق على الطليان” للدلالة على التدخلات الانكليزية في الشؤون الداخلية اللبنانية، اليوم وبعد أكثر من 70 عاماً على انتشار تلك المقولة يبدو أن الحق فعلاً على الطليان ممثلين بشركة ” “ENIللطاقة والتي تطمح قطر إلى شراء حصتها في التنقيب عن الغاز اللبناني في البحر المليء بالأسرار السياسية والصفقاتية والمحاصصاتية في شهر أيار المقبل.

قطر تقود مسارين متوازيين ومتكاملين، الأول اقتصادي استثماري تسعى من خلاله إلى رفع مستوى مشاركتها في المشروع النفطي اللبناني الكبير بعد حلولها مكان الروس نتيجة انشغالهم بالحرب على أوكرانيا وهي تعمل اليوم على إزاحة إيطاليا ونيل الحصة والدور. والثاني وربما الأهم أو يوازي الأول أهمية هو سياسي، فدولة قطر التي نسجت علاقات جيدة ومتوازية مع مختلف القوى العربية والاقليمية والدولية تطرح نفسها كمنصة حوار وتلاقٍ بين مختلف هذه القوى المتخاصمة.

كعادتها ومن بوابة الشغور الرئاسي تدخل قطر على خط حل الأزمة الدستورية في لبنان عطفاً على نجاحها في تجربة الدوحة 1 عام 2008. اليوم ومن ضمن اللجنة الخماسية الدولية وبتنسيق تام مع أعضائها وبغطاء سعودي على وجه الخصوص تسعى إلى إنجاز حل الأزمة الرئاسية عبر تحرك تارة يطلق عليه مبادرة قطرية، وطوراً جس نبض لبناني والنتيجة حتى اليوم صفر خرق.

وفي الوقت الذي تتمسك فيه المملكة العربية السعودية باتفاق الطائف كدستور نهائي للبنان، يُتوقع أن يرفع السعوديون من وتيرة اللهجة المدافعة عن هذا الاتفاق لا بل الذهاب إلى أبعد من ذلك وتنزيهه وتقديسه قطعاً لطرق أي محاولات التفافية تعديلية أو تغييرية قد تطاله.

في الاطار عينه، علم “لبنان الكبير” من مصدر سياسي مطلع “أن حزب الله وعلى عكس ما يشاع يسعى مع القطريين إلى عقد دوحة 2 من أجل بحث إمكان إجراء تعديلات دستورية تعزز مشاركته في السلطة حتى الوصول إلى المثالثة ترجمةً لفائض القوة الذي يتمتع به، من هنا يأتي حرص الحزب على إجراء حوار حول الرئيس قبل انتخابه ليطمئن قلبه حيال مشروعه الذي يخشى أن يكون منسقاً مع الأميركيين ويقضي بوضع حل لسلاحه أو حتى مناقشة الاستراتيجية الدفاعية التي قد ينسقها السعوديون مع الإيرانيين وتُسقط على الحزب”.

وعلى وقع استفحال الشغور السياسي والدستوري والاداري الذي تحوم الشكوك حول افتعاله والوصول إليه من أجل فرض واقع جديد خارج السياق العرفي والتفاهمي والحواري يُخشى من خلاله إسقاط المادة 95 من الدستور اللبناني على حين غفلة من التغيرات الحاصلة في الجغرافيا السياسية عربياً وإقليمياً ومن دون اتفاق وتوافق بين اللبنانيين حول تقرير مصيرهم طبقاً لمصلحة فئة معينة دون غيرها، وتنص هذه المادة على ما يلي:

“على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الاجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالاضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية.

مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلس النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية. وفي المرحلة الانتقالية:

أ – تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزراة.

ب – تلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الاولى فيها وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين من دون تخصيص أي وظيفة لأي طائفة مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة”.

قدر اللبنانيين الانتظار عند قارعة التسويات غير السوية، ولكن لا بأس طالما أن السياسة تحكمها المصالح لا الأخلاق والشعوب مجرد أرقام في حسابات الدول مهما رزحت تحت ركام المعاناة اللامتناهية، فهل يحمل أيار بشرى الحلول اللبنانية على قاعدة الاقتصاد والسياسة مقابل السلطة والدستور؟

شارك المقال