مأزق نتنياهو بعد إكتمال الخسارة مع الصفعة الأولى

زياد سامي عيتاني

منذ بداية الصراع العربي – الاسرائيلي لم يرَ الكيان الصهيوني نفسه في هذه المشهدية المذلة على كل الصعد والمستويات السياسية والعسكرية والمخابراتية، فالهجوم الفلسطيني المباغت والواسع وضع رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو، وحكومته في مأزق كبير أمام الرأي العام الاسرائيلي والعالم. فلم يسبق أن تعرضت إسرائيل إلى هجوم بهذا الشكل وبهذه الكيفية، لأن كل الحروب التي خاضتها الجيوش العربية ضدها جرت على أراضٍ عربية. أما هذه المرة فهاجمت “حماس” البلدات والمستوطنات الاسرائيلية، أي أراضٍ إسرائيلية، طبقاً لـ “التعريف والمفهوم الاسرائيلي”.

كذلك، لم يسبق لأي فصيل فلسطيني منذ إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 وحتى صباح 7 تشرين الأول 2023، أن نجح في تنفيذ هجوم منظم بهذه الكيفية، وقتل هذا العدد من الجنود الاسرائيليين وأخذ أسرى عسكريين بهذا الحجم، وطاف مقاتلو “حماس” داخل قطاع غزة بعربات ومدرعات إسرائيلية حصلوا عليها خلال الهجوم. فقد اعتبر كاتب العمود في صحيفة “هآرتس” يوسي فيرتر، أن إسرائيل “تعرضت للإذلال والهزيمة”، مضيفاً: “حتى لو دُمِّرت غزة فإن ذلك لن يكفِّر عن أخطر فشل منذ يوم كيبور” (وهو الاسم الذي تطلقه تل أبيب على حرب 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1973 مع الجيوش العربية التي بدأت هي الأخرى بهجوم مفاجئ). أما القائد السابق للبحرية الاسرائيلية إيلي مارو، فقال في بث تلفزيوني مباشر: “إن كل إسرائيل تتساءل: أين الجيش الاسرائيلي، وأين الشرطة والأمن؟”، واصفاً ما حدث السبت بأنه “فشل ذريع”. إذاً، بات مؤكداً أن عملية “طوفان الأقصى” شكلت تطوراً نوعياً في أداء المقاومة، قياساً إلى الحروب والعمليات السابقة ضد إسرائيل.

هذه المواقف الاسرائيلية تؤكد أن من يقودون العمل العسكري من المقاومة الفلسطينية أصبحوا أكثر نضجاً مقارنة بالحروب السابقة، بحيث باتوا يوظفون الامكانات في الاتجاه الصحيح، وبالتالي فإن أنواع الصواريخ وطريقة استخدامها من جانب المقاومة الفلسطينية تشير إلى أن هناك تغيراً في فكر المعركة وإدارتها على أرض الواقع. وثمة شبه إجماع في إسرائيل على تحميل رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو مسؤولية ما وصفوه بـ “الكارثة” التي حلت بإسرائيل، خصوصاً وأنه طالما قدم حكومته، أكثر حكومة يمينية في تاريخ إسرائيل، على أنها الحكومة القادرة على توفير الأمن للاسرائيليين وقمع حركات المقاومة الفلسطينية. وهذا ما دفع صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية إلى عنونة: “أياً كانت ردة فعلها الآن على عملية السبت 7 تشرين الأول فلن يكون لذلك أي معنى”. ففي مقال له تحت عنوان “مهما حدث في هذه الجولة من الحرب بين إسرائيل وغزة فقد خسرنا بالفعل” قال الكاتب في الصحيفة حاييم ليفينسون: “إن كل ما تفعله إسرائيل من الآن فصاعداً لن يكون له أي معنى حتى لو عثرت على محمد الضيف (في إشارة إلى قائد كتائب عز الدين القسام الفلسطينية التابعة لـ “حماس”) في مخبئه وقدمته الى المحاكمة، فلن يكون لذلك أي معنى، إذ إن الخسارة إكتملت مع الصفعة الأولى، وكل ما يأتي بعد ذلك كلام فارغ”، حسب قوله.

وفي موازاة ذلك، يجزم محللون عسكريون بأن الوضع أسوأ بكثير “مما هو معلوم حتى الآن في غلاف غزة، وليس صدفة أنه جرى إغلاق المنطقة بالكامل كي لا يشاهد أحد ما يحدث”.

ما هي الخيارات الاسرائيلية؟ وضع الهجوم المباغت لـ “حماس” دولة الاحتلال في مأزق من الخيارات المتاحة، فالخيارات العسكرية الاسرائيلية باتت تقليدية، وسبق تجريبها مراراً من دون أن تحدث فارقاً في المعضلة التي تواجهها مع المقاومة في قطاع غزة. قد تكون الهجمات الجوية بالطائرات ووتيرة القصف المدفعي قادرة على إلحاق أضرار بالبنية التحتية والمباني في قطاع غزة، ولكن اسرائيل تدرك أن هذا لن يجدي نفعاً في دفع “حماس” الى التراجع. لكن الحكومة الاسرائيلية إعتمدت هذا الخيار، نظراً الى حاجتها لاستعادة صورتها وثقة الجمهور بالجيش والمنظومة الأمنية، اللذين تعرضا لضربة كبيرة ستكون لها تداعيات على ثقة الأطراف الدولية والجمهور الاسرائيلي.

أما الخيارات الأخرى المتاحة فتتعلق بعمليات برية جزئية أو شاملة ضد قطاع غزة، إلا أن ذلك تعتريه جملة من التحديات، أبرزها العدد الكبير من الأسرى الذين استطاعت “حماس” جلبهم إلى قطاع غزة، وهو ما سيعرضهم لخطر كبير قد لا تستطيع الحكومة الاسرائيلية تبريره. إذ حذرت “حماس” إسرائيل من “الاقدام على عمل متهور”، وأن الأسرى الاسرائيليين “موزعون على مناطق عدة آمنة على حدود غزة”. حديث “حماس” يعني أن أي اجتياح إسرائيلي للقطاع أو قصف عشوائي، قد يعرض هؤلاء الأسرى لخطر الموت. وثاني تحديات العمليات البرية أن الجيش الاسرائيلي سيعمل في مناطق سكنية مكتظة، وسيسبب ذلك ضحايا بين المدنيين يصعب تحمله على صعيد المجتمع الدولي، ما ينقل الادانة الدولية الى دولة الاحتلال. كما هناك خشية إسرائيلية من التكلفة العسكرية والبشرية التي قد تتكبدها القوات الاسرائيلية في حال دخولها غزة، وما قد يتبعها من حرب شوارع مع المقاتلين الفلسطينيين.

إضافة إلى الوقائع الميدانية التي حلت كالكارثة على نتنياهو، يجب ألا يسقط من الاعتبار عوامل الانقسام الداخلي، والمعارضة الشديدة التي واجهته، وترجمت بتظاهرات غير مسبوقة ضده، وذلك جراء انقسام كبير داخل القيادة السياسية بسبب التغيرات القضائية وانعكس ذلك على المستوى الأمني والاستخباراتي. وعلى الصعيد العسكري، فإن امتناع قادة الضباط وجنود الاحتياط الاسرائيليين عن الالتحاق بالجيش بسبب الأزمات السياسية جعلت الجبهة الاسرائيلية ضعيفة، ما شكل عاملاً مساعداً لنجاح العملية النوعية لـ”حماس”.

الخلاصة، إسرائيل ونتنياهو في مأزق كبير، وهامش الخيارات محدود جداً، وعلى الرغم من محدوديته، فإن أياً منها ستكون لها تداعيات مزلزلة ليس على صعيد إسرائيل وغزة فحسب، بل على صعيد الشرق الأوسط، حيث أن كل الدلائل تنذر بأن المواجهة العسكرية ستكون طويلة ومعقدة، وقد تمتد في أي لحظة سياسية غير محسوبة إلى خارج نطاقها الحالي، لأن فتح جبهات أخرى خيار مطروح بقوة.

شارك المقال