“طوفان الأقصى” ألحقت هزيمة تاريخية بالاستخبارات الاسرائيلية

زياد سامي عيتاني

لا خلاف بين المراقبين في تل أبيب على أنّ جيش الاحتلال الاسرائيلي ومخابراته فشلا فشلاً ذريعاً في توقع عملية “طوفان الأقصى”، فضلاً عن عجز قوات الاحتلال عن تأمين الحدود، ما سمح لعناصر المقاومة بالتوغل والسيطرة على معابر حدودية وقواعد عسكرية ومستوطنات في العمق الاسرائيلي. فاسرائيل وجدت نفسها مع البدء بتنفيذ العملية، بلا معلومات استخبارية تماماً.

وتأكيداً على ذلك، جزم المعلق العسكري لصحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل بأن “الاستخبارات الاسرائيلية فوجئت بالهجوم”، مشيراً إلى أنّ حركة “حماس” نفذت هجومها وتوغلها في العمق الاسرائيلي تحت غطاء إطلاق الصواريخ. وأشار هارئيل في تقرير نشره موقع الصحيفة، إلى عدم وجود تقديرات استخبارية مسبقة تشير إلى إمكان شن هجوم من هذا النوع، ولم يجرِ تعزيز القوات المتمركزة على الحدود استعداداً له. وأكد أن قادة الأجهزة السياسية والعسكرية في إسرائيل تعرضوا لصدمة كبيرة بعد الهجوم المفاجئ من “حماس”، لافتاً إلى أن القيادة الاسرائيلية كانت تعتقد أن العمل على تحسين الظروف الاقتصادية في قطاع غزة، بما في ذلك السماح للعمال بالعمل في إسرائيل، سيقلل من احتمالية وقوع مواجهات. وأوضح أن “معظم قادة الأجهزة الاستخبارية قدروا أن حركة حماس معنية بصورة أساسية بتعزيز حكمها في القطاع وأنها غير مهتمة بمواجهة مع إسرائيل في هذا الوقت تحديداً، وهو ما تبين أنه افتراض غير واقعي”.

إسرائيل تتباهى على الدوام باستخدام جيشها تكنولوجيا حربية متقدمة وبقدرات استخباراتية في اختراق صفوف الفصائل الفلسطينية وزرع عيون لها داخلها. لكن ما حدث صباح 7 تشرين الأول سيطرح الكثير من الأسئلة والشكوك حول القدرات العسكرية الاستخباراتية الاسرائيلية. واللافت أن حركة “حماس” استخدمت القصف الصاروخي المكثف غطاءً لوحداتها العسكرية التي تسللت إلى العمق الاسرائيلي، وذلك على الرغم من وجود منظومة “الجدار الواقي” التي أطلقتها إسرائيل على طول الحدود مع قطاع غزة قبل أربع سنوات. لقد نجحت المقاومة قبل الهجوم البري والجوي، استخبارياً وحافظت على سرية تامة للتغطية على الهجوم القوي، كما حققت نجاحات عملية على الأرض من خلال التسلل وتحييد سلاح الطيران بصورة كاملة، ونجحت في احتلال مواقع عسكرية ومستوطنات، بنسخة مصغرة عن حرب أكتوبر 1973.

وفي إسرائيل، اعتبر محللون عسكريون إسرائيليون أن هجوم “كتائب القسام” على مستوطنات غلاف غزة فشل وأخفق استخباراتياً، وكشفت صحيفة “معاريف” العبرية أن أجهزة الأمن رصدت إشارات الى أن حركة “حماس تخطط لعملية”، وأن الاشارات نوقشت في الجيش، لكنها لم تتوقع الهجوم ولم ترَ الصورة الكبرى.

كل ذلك حدث على الرغم من أن إسرائيل تعتمد على تكنولوجياتها المتطورة لاستباق التهديدات وتحييدها في آن. إلا أن عملية “طوفان الأقصى” أثبتت وجود مشكلة إستباق وفشل محتمل في تحليل المخاطر. ولتحليل هذا الفشل الذريع، نعرض ما قال عنه ضابط الاستخبارات الأميركية السابق سكوت ريتر بأنه من أبرز أخطاء المخابرات الاسرائيلية، التي تبين أنها غير قادرة على التنبؤ بهجوم “حماس”، هو الانبهار بالذكاء الاصطناعي. ورأى أن الخطأ الفادح الذي ارتكبته إسرائيل، هو التفاخر علناً بدور الذكاء الاصطناعي في عملية “حارس الأسوار” (الاسم الرمزي للعملية في قطاع غزة عام 2021)، ويبدو أن “حماس” تمكنت من السيطرة على تدفق المعلومات التي جمعتها إسرائيل.

وأنفقت وحدة الاستخبارات الالكترونية الاسرائيلية وفقاً لريتر، مليارات الدولارات لجمع مجموعة واسعة من المعلومات الاستخبارية في قطاع غزة، وهي مكالمات الهاتف الخلوي ورسائل البريد الالكتروني والرسائل النصية. وكشف أن غزة هي المكان الأكثر تصويراً (مراقبته) على هذا الكوكب، وبفضل صور الأقمار الصناعية والطائرات من دون طيار وكاميرات المراقبة، يُقدر أن كل متر مربع من غزة يُصوّر كل عشر دقائق.

وأشار ضابط المخابرات إلى أن مثل هذا الحجم من البيانات الاستخبارية لم يعد من الممكن معالجته بطرق التحليل القياسية القائمة على العقل البشري، لهذا السبب، اعتمدت إسرائيل على الذكاء الاصطناعي، والذي استخدمته بنجاح ضد “حماس” في عملية “حارس الأسوار”. واعتبر أن استخدام إسرائيل العلني لهذا النوع من الفرص هو الذي كان من الممكن أن يدفع “حماس” إلى “الذهاب للظل” في استخدام الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر ومصادر الاستخبارات الأخرى. وجزم بأن “حماس” كانت على الأرجح تحافظ على المستوى نفسه من الاتصالات لتجنب إثارة شكوك العدو، مع الحفاظ على خطة تضليل مفصلة.

عملية “طوفان الأقصى” ألحقت هزيمة تاريخية بالاستخبارات الاسرائيلية التي تعتبر من أقوى أجهزة الاستخبارات العالمية، وذلك بعدما عجزت عن قراءة وتوقع ما تفكر فيه “حماس”، مقابل قدرة الأخيرة على قراءة العقل الاسرائيلي وتوقع ردود فعله، والسقف الذي يمكن أن تتحرك فيه إسرائيل ضد “حماس” وغزة.

شارك المقال