“طوفان الأقصى” في عيون أميركية!

جورج حايك
جورج حايك

تتهيّب الادارة الأميركية ما يحصل بين اسرائيل وحركة “حماس” منذ أيام، وقد صعق الرئيس الأميركي جو بايدن وهو يشاهد شاشات التلفزة تنقل مباشرة هجوم مقاتلي “حماس” على غلاف غزة والسيطرة عليه بساعات معدودة، فيما الحليفة اسرائيل بدت عاجزة في بداية ضربة “طوفان الأقصى”، وكان لا بد من تساؤل خبراء بايدن ومستشاريه: ماذا يحصل في اسرائيل؟ وأين الجيش الذي صرفنا على تجهيزه وتسليحه بأحدث التقنيات ملايين الدولارات؟

طبعاً لا تزال العملية العسكرية التي نفذتها “حماس” موضع درس وتدقيق في البنتاغون، والبيت الأبيض والكونغرس وكل دوائر القرار في الولايات المتحدة الأميركية تتابع بدقة ما يحصل، وربما تنفس المسؤولون هناك الصعداء بعدما استعادت اسرائيل غلاف غزة وطهّرته من المسلحين الفلسطينيين!

وتعلّق الصحافية المخضرمة روبين ورايت: “في 6 تشرين الأول 1973 كنت في الشرق الأوسط، أنتظر في صالة الشرف في مطار بيروت، فإلتفتت اليّ امرأة وهمست في ذعر وقلق: لقد عبر المصريون للتو قناة السويس! شهدتُ حينها ما يسمّى عملية بدر (نسبة إلى النصر العسكري الأول للنبي محمد في القرن السابع) عندما قامت سوريا ومصر بهجوم مفاجئ على إسرائيل من جبهتين متقابلتين. واستمرت حرب يوم الغفران قرابة ثلاثة أسابيع. لقد خسر العرب عسكرياً، لكنهم اعتقدوا أنهم انتصروا نفسياً وسياسياً، والمفارقة أن إسرائيل اقتنعت بأنها خسرت بسبب ما حققته مصر وسوريا في بداية الهجوم المباغت، ووجدت في نهاية المطاف أن تصنع السلام مع أعدائها”.

تضيف ورايت: “ها هي حماس تعيد الكرّة بعد مرور خمسين عاماً، علماً أنها ميليشيا من الدرجة الثالثة مقارنة بالجيشين السوري والمصري، ناهيك عن جيش إسرائيل المتطور وترسانته العسكرية الضخمة. والعبرة من كلامي أنه حتى ولو انتصرت اسرائيل فيما بعد في الحرب الحالية، سيبقى ما حققته حركة حماس في الأيام الأولى انتصاراً تاريخياً، ولن تقتنع اسرائيل نفسها بأنها انتصرت، وثمة شيئ تغيّر في المعادلة العسكرية والاستراتيجية”.

أما مصادر مكافحة الارهاب في مجلس العلاقات الخارجية الأميركية فتقول: “لا شك في أن ما حصل أعاد كتابة الواقع الجيوسياسي في المنطقة وموازين القوى، ونحن الأميركيون غير مقتنعين بأن هذه الحرب كسابقاتها، وعنوانها الحالي أنه لا يمكن التنبؤ بها عكس سابقاتها. ونظن أنه لو حققت اسرائيل انتصاراً حاسماً، إلا أن ذلك لن ينهي التحديات الأمنية المتزايدة الخطورة التي تواجهها اسرائيل”.

وتوضح المصادر أن اسرائيل لا يجوز أن تغفل الثغرة الكبيرة التي تكمن في احتجاز “حماس” مئات الأسرى والعديد منهم يحملون جنسية مزدوجة، بما في ذلك المواطنون الأميركيون، وبالتالي فإن جهود إسرائيل لتحرير الرهائن سوف تصبح أكثر تعقيداً. ومن المرجح أن الأسرى قد تم توزيعهم بالفعل في جميع أنحاء قطاع غزة، وهي منطقة بحجم واشنطن العاصمة. إن غزة مليئة بالأنفاق والمخابئ وغيرها من الأماكن المخفية التي من شأنها أن تجعل تحديد مكان الرهائن، ناهيك عن إنقاذهم، أمراً صعباً. من المرجح أن تكون هذه الأماكن، مليئة بالأفخاخ، وهذا تحدٍ بحجم لم يسبق له مثيل من قبل. لا أحد يستطيع أن يخمّن كيف قد تنتهي هذه الأزمة.

ولا يخفي السفير السابق للولايات المتحدة في اسرائيل دان كيرتزر أن من المتوقع أن تُلحق إسرائيل أضراراً جسيمة بغزة – على بنيتها التحتية وعلى شعبها – ويمكنها أيضاً استهداف قادة “حماس”، لكن يجب أن تعلم أن “حماس” ستتجدد، ولنا تجارب عديدة نحن الأميركيون مع هذه التنظيمات المتطرفة، مثل تنظيم “القاعدة” في العراق الذي تحوّل إلى “داعش” فيما بعد.

ويلفت السفير كيرتزر الى أن “حماس” حققت أهدافها من الحرب، حتى ولو قُطع رأسها في المستقبل القريب، لقد نفّذت خطة إيران بنسف جهود الديبلوماسية الأميركية للتوسط في التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، ومن يراقب مواقف المسؤولين السعوديين والجامعة العربية ووسائل إعلامهم اليوم يتأكد بما لا يقبل الشك أن هؤلاء يقفون إلى جانب الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، ويدينون همجية اسرائيل واستفزازاتها!

ويبدي سياسي أميركي لبناني الأصل له حضوره في اللوبي اللبناني في الولايات المتحدة، اعتقاده أن الجهود الأميركية اليوم تتركّز على عدم امتداد الحريق في غزة واسرائيل إلى الدول المجاورة، حيث هناك ميليشيات ايرانية مثل “حزب الله” في لبنان المجهّز بـ150 ألف صاروخ متطوّر، لكن كل شيئ وارد إذا شنت إسرائيل هجوماً برياً على غزة، فستكون العواقب حينها هائلة. عندها، لن نترك اسرائيل وحدها في مواجهة ثلاث جبهات، ولن يكون مستبعداً أن تستهدف الولايات المتحدة كلاً من ايران و”حزب الله”. لذلك سارع بايدن إلى تحذيرهما من فتح الجبهة الشمالية لاسرائيل، وأرسل حاملة الطائرات “جيرالد فورد” إلى شرق المتوسط لدعم اسرائيل والتلويح لايران بأن الأخيرة ليست وحدها والتلويح لـ”حزب الله” بالعصا بأن هناك خطوطاً حمراً لا يمكنه تجاوزها.

لكن يؤكّد السياسي الأميركي – اللبناني أن ذلك لا يخفي ارباكاً أميركياً، على الرغم من الدعم المباشر لاسرائيل، بل هناك تخبّط في المواقف إذ أعلنت الولايات المتحدة أن لا شيئ يؤكّد تورط إيران في الهجوم، ثم استطردت الخارجية الأميركية بأن “حماس” لم تكن لتفعل ما فعلته لولا الدعم الإيراني. وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن الحرس الثوري الاسلامي أعطى الضوء الأخضر للهجوم! ويعتبر السياسي أن البيت الأبيض لا يريد المواجهة مع ايران عسكرياً، وهذا ما يبرر التخبّط، فهو يريد حصر النزاع في اسرائيل وغزة لحسابات أميركية استراتيجية تتعلق بالمفاوضات النووية.

ويبدو، وفق السياسي الأميركي – اللبناني، أن “حزب الله استشعر التخبّط الأميركي، فكان رده على الأميركيين هجومياً محذراً من أن فلسطين ليست أوكرانيا”، مشيراً إلى أن “الولايات المتحدة اذا تدخلت بصورة مباشرة فإن جميع المواقع الأميركية في المنطقة ستصبح أهدافاً مشروعة لمحور المقاومة وستواجه هجماتنا، ويومها لن يكون هناك خط أحمر”.

وترى مصادر مكافحة الإرهاب في مجلس العلاقات الخارجية الأميركية أن حركة “حماس” قد تكون لديها ثغرة فهي تضم جناحاً عسكرياً متشدداً داخل غزة، وقيادة في الشتات في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وقادة سياسيين يقيمون في قطر. وبالتالي هناك فرق بين ممثليها في الدوحة الذين يتواصلون مع العالم الخارجي، والعسكريين المجاهدين الذين أمضوا حياتهم في حفر الأنفاق وصناعة الأسلحة من أعمدة الهاتف ثم دمجها مع كل ما يمكنهم تهريبه من إيران وأماكن أخرى. ومن الممكن أن تكون الحسابات مختلفة بين المعسكرين السياسي والعسكري.

وفي عملية تقويم موضوعية لمصادر مكافحة الارهاب في الخارجية في أميركا، تعتبر أن إسرائيل تتحمل المسؤولية عن النمو المبكر لحركة “حماس”.

كيف؟ جواب المصادر: “في الثمانينيات، شجعت اسرائيل اندماج الجماعات الاسلامية الناشئة كبديل لمنظمة التحرير الفلسطينية، لأنها كانت متدينة وليست قومية. ولم تأخذ في الاعتبار قيام ايران بتمويلها وتسليحها، فخرج الوحش من القمقم، وها هي النتائج على الأرض”.

لكن السفير كيرتزر لا يضع المسؤولية كلّها على اسرائيل، إنما يعترف بأن “أميركا ساهمت في الصعود السياسي لحماس في العام 2006 من خلال إصرارها على إجراء انتخابات ديموقراطية لترسيخ حكومة فلسطينية راغبة في دعم اتفاق سلام مع إسرائيل. وفازت حماس بغالبية مقاعد البرلمان. وفي النهاية انتزعت السيطرة على غزة من فتح، التي كانت على استعداد للتعامل ديبلوماسياً مع إسرائيل. أدى ذلك إلى تقسيم الحكومة الفلسطينية إلى قسمين – في الضفة الغربية وغزة – وحكم على عملية السلام بالفشل فعلياً”.

وحقيقة الواقع السياسي الأميركي حيال ما يحصل في غزة يختصره السياسي الأميركي – اللبناني: هناك انتقادات كثيرة توجّه إلى الادارة الأميركية التي أهملت الصراعات الشائكة في الشرق الأوسط، مع إعطاء الأولوية بدلاً من ذلك للتحدي التاريخي الذي يفرضه صعود الصين، في حين قادت أيضاً رد الغرب على الغزو الروسي لأوكرانيا.

لا أحد يعرف على وجه اليقين إلى أين تتجه هذه الأزمة أو ما هو تأثيرها على المدى الطويل، ولكن لا بد من الإقرار بفشل السياسة الأميركية تجاه الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني الطويل الأمد. ويكفي القول بأن قادة الولايات المتحدة، من ريتشارد نيكسون إلى جو بايدن، أتيحت لهم فرص متكررة لاغلاق هذا الصراع وفشلوا في القيام بذلك.

شارك المقال