إغلاق معبر رفح… “طوفان مصري” في وجه اسرائيل

عبدالرحمن قنديل

حرّك عملية “طوفان الأقصى” التي قادتها “كتائب القسام” الجناح العسكري لحركة “حماس” ضد الجيش الاسرائيلي مشاعر العرب عموماً ومصر خصوصاً وعادت بهم عقارب الساعة إلى زمن المقاومة إما المسلحة أو من خلال المجاهرة بالعداء لاسرائيل والتمسك بعروبة فلسطين كما كانت في أوج الصراع العربي – الاسرائيلي الذي كانت مصر في صدارته.

وأكدت مصادر أمنية مصرية رفيعة المستوى أن “القضية الفلسطينية الآن تشهد منعطفاً هو الأخطر في تاريخها”، مشيرة الى أن “هناك مخططاً واضحاً لخدمة أهداف الاحتلال القائمة على تصفية الأراضي الفلسطينية المحتلة من أصحاب الأرض وسكانها وإجبارهم على تركها بتخييرهم بين الموت تحت القصف الاسرائيلي أو النزوح خارج أراضيهم”.

وحذرت المصادر من “المخاطر المحيطة بتداعيات الأزمة الراهنة على ثوابت القضية الفلسطينية وعلى الحق الفلسطيني”، معتبرة أن “هناك بعض الأطراف والقوى يخدم مخطط الاحتلال ويمهد له بتقديم مبررات الأمر الواقع، لتزكية أطروحات فاسدة تاريخياً وسياسياً سعى الاحتلال الى طرحها على مدى الصراع العربي – الاسرائيلي بتوطين أهالي غزة في سيناء، وهو الأمر الذي تصدت له مصر وسوف تتصدى له بحيث رفضه الإجماع الشعبي الفلسطيني المتمسك بحقه وأرضه وأعلنته مقررات الجامعة العربية في سياقات مختلفة، اذ استقر هذا الأمر في الضمير العالمي بثوابت واضحة للقضية الفلسطينية التي يتم تصفيتها الآن”.

وشددت المصادر على أن “السيادة المصرية ليست مستباحة، وسلطة الاحتلال مسؤولة عن إيجاد ممرات إنسانية لنجدة شعب غزة”، موضحة أن “رؤية القاهرة كانت بعيدة المدى عندما حذرت من خطورة الموقف وتداعياته على ثوابت القضية الفلسطينية، وشكل إغلاق المصري لمعبر رفح إلى أجل غير مسمى رداً حاسماً بأن السيادة المصرية خط أحمر وكأنه بداية للطوفان المصري في وجه إسرائيل”.

هذا التصريح جاء رداً على كلام المتحدث العسكري الاسرائيلي ريتشارد هيشت، الذي نصح فيه الفلسطينيين الفارين من الضربات على غزة بالتوجه إلى مصر، وقال: “أعلم أن معبر رفح (على الحدود بين غزة ومصر) لا يزال مفتوحاً، وأنصح أي شخص يمكنه الخروج بالقيام بذلك”. واستدعى ذلك رداً مصرياً أدى إلى إصدار مكتب هيشت في وقت لاحق بياناً أوضح من خلاله أن “معبر رفح كان مفتوحاً بالأمس، لكنه الآن مغلق”.

هذه الردود المضادة جاءت عقب عملية “طوفان الأقصى” التي جرفت عواطف العرب والمصريين خصوصاً وحركت مشاعرهم المعادية لاسرائيل منذ الأزل من خلال التفاعل مع عمليات “حماس” ضد الجيش الاسرائيلي وآخرها قتل شرطي مصري لاسرائيليين اثنين في الاسكندرية. أما الاسرائيليون فوجهوا الدعوات لإخراج الفلسطينيين من أراضيهم أو النزوح إلى سيناء والتركيز عليها نظراً الى ما تمثله من رمزية بالنسبة اليهم بإعتبار أن التوراة نزلت فيها منذ 3355 سنة على يد النبي موسى وسمي بطور سيناء.

استولت القوات الاسرائيلية على شبه جزيرة سيناء المصرية لأول مرة خلال أزمة السويس في تشرين الأول والثاني عام 1956. وفي ظل ضغوط دولية شديدة، انسحبت منها في آذار 1957، بعد رسم خرائط كثيرة للأراضي ووضع مخابئ إمدادات سرية استعداداً للحرب القادمة. وكجزء من شروط الانسحاب الإسرائيلي، تم تجريد سيناء من السلاح وإنشاء قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة هناك لمراقبة الحدود بين إسرائيل ومصر.

في أعقاب غزو اسرائيل لسيناء، شنت مصر حرب الاستنزاف بهدف إجبارها على الانسحاب منها، وشهدت الحرب صراعاً مطولاً في منطقة قناة السويس، تراوح بين القتال المحدود والقتال على نطاق واسع، وقصف إسرائيلي لمدن بورسعيد والاسماعيلية والسويس على الضفة الغربية للقناة أدى إلى خسائر كبيرة في صفوف المدنيين (بما في ذلك التدمير الفعلي للسويس) وتشريد 700 ألف شخص داخل مصر، وانتهت الحرب في العام 1970 من دون أي تغيير في الخطوط الأمامية.

قُسمت المستوطنات الاسرائيلية في سيناء إلى منطقتين: واحدة على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط والأخرى على طول خليج العقبة. خططت إسرائيل لتوسيع مستوطنة ياميت إلى مدينة يصل عدد سكانها إلى 200 ألف نسمة، ولكن لم يتجاوز عدد سكانها الفعلي 3000 شخص. وهدمت اسرائيل المستوطنات في ياميت قبل الانسحاب، لكن المستوطنات على الخليج: عوفيرا (شرم الشيخ)، ودي زهاف (دهب)، ونفيوت (نويبع) ظلت سليمة كما طورتها مصر بعد الانسحاب.

في 6 تشرين الأول من العام 1973، بدأت مصر عملية “بدر” لاستعادة السيطرة على شبه جزيرة سيناء، في حين شنت سوريا عملية متزامنة لاستعادة مرتفعات الجولان، وبالتالي بدأت حرب “يوم الغفران” (المعروفة في مصر والكثير من الدول باسم حرب أكتوبر). أعيد فتح القناة في العام 1975، حيث قاد الرئيس المصري الراحل أنور السادات القافلة الأولى عبر القناة على متن مدمرة مصرية.

وفي العام 1979، وقعت مصر وإسرائيل معاهدة سلام وافقت فيها الأخيرة على الانسحاب من شبه جزيرة سيناء بأكملها، ولاحقاً على عدة مراحل انتهت آخرها في نيسان من العام 1982 إثر حدوث نزاع طابا الذي استمر إلى العام 1989. فبعد حرب 1973 وفض الاشتباك الأول عام 1974، ثم فض الاشتباك الثاني عام 1975، تلاحقت الأحداث إلى أن وقعت معاهدة السلام المصرية – الاسرائيلية عام 1979 والتي تقضي بانسحاب إسرائيل من كل الأراضي التي احتلتها عام 1967، على أن يتم ذلك عبر لجنة مشتركة من الجانبين المصري والاسرائيلي لتسهيل تنفيذ الاتفاقية.

دام الاحتلال الاسرائيلي العسكري لشبه جزيرة سيناء 15 عاماً، بدأ عقب حرب الأيام الستة في حزيران من العام 1967 التي استولت فيها إسرائيل على شبه الجزيرة من مصر واحتفظت بعد ذلك بقواتها في المنطقة، وانتهى في العام 1982 بعد توقيع معاهدة السلام المصرية – الاسرائيلية عام 1979 والتي من خلالها أعادت إسرائيل إلى مصر الأراضي التي احتلتها مقابل اعتراف الأخيرة بها كدولة شرعية ذات سيادة، وأنشئ ما مجموعه 12 مستوطنة إسرائيلية على طول خليج العقبة وفي الجزء الشمالي الشرقي، أسفل قطاع غزة.

شارك المقال