لبنان… بعد الطوفان؟ 

ياسين شبلي
ياسين شبلي

فجأة جاء الطوفان وجرف معه ما تبقى من ورقة التوت التي تتلطى وراءها الطبقة السياسية اللبنانية بكل أطرافها. جاء الطوفان وجرف معه كل سخافات هذه العصابة الجاثمة على صدر لبنان واللبنانيين ومناوراتها و”شطارتها” في تعاملها مع الملف الرئاسي وغيره من ملفات لبنان وما أكثرها. جاء الطوفان ليجد لبنان نفسه – وهذا ليس مفاجئاً على أية حال – عارياً أمام التطورات، مقطع الأوصال بلا رأس ولا أطراف، جاء ليجرف الأوهام بأن لبنان “مالئ الدنيا وشاغل الناس”، هذه الأوهام التي شجعت أطراف هذه العصابة على الدلال أمام الدول التي تحاول أقله مساعدتها على إيجاد حل.

صمتت العصابة أمام هذا الطوفان صمت القبور إلا من بعض “عنتريات” مرشدها والبعض من غلمانه من هواة جمع الانتصارات ليجيّروا تضحيات غزة وشعبها لسياساته “الحكيمة” في النضال بكل الساحات، بينما ساحته تنوء أمام ثقل المشكلات التي سببتها هذه الحكمة، وكذلك من بعض كلام إجتراري لا معنى له كل بحسب موقعه ومصالحه، في محاولة بائسة للاستثمار في هذا الطوفان، من دون أن يخبرنا أحد كيف يمكن أن نجنِّب لبنان وشعبه تبعاته بلغة عربية سليمة وعملية بعيداً عن الكليشيهات المعتادة وإستثمار الأمر في بازاره السياسي ضد خصومه.

إنه العجز التام والعبثية في اللعب بمصير البلد والناس لدرجة أن لا تجتمع الحكومة ولو شكلياً، وبذلك تكون هذه العصابة واجهت “طوفان الأقصى” كما واجهت طوفان المطر في أول “شتوة” وذلك بقنوات مسدودة بقاذوراتهم السياسية، ما ترك الحدود الجنوبية سائبة أمام المغامرين المقامرين الذين مروا أمام أعين “حماة الساحات” الذين يتلطون خلف هؤلاء في حركة خبيثة ربما لإبعاد مسؤولية ما قد يحصل لاحقاً عن عاتقهم أمام بيئتهم المتعبة كغيرها من بيئات هذا الوطن الموبوء بأحقر طبقة سياسية عرفتها البشرية.

لقد أكد هذا الطوفان المؤكد عن هشاشة هذه “المخلوقات” المتحكمة بلبنان وشعبه وجشعها ولامسؤوليتها أمام الوطن والناس، وهي التي لطالما كان شعارها “أنا ومن بعدي الطوفان”، لذلك لم تتحرك لا سلطة ولا ما يسمى معارضات، وما هي في الحقيقة سوى عارضات مواقف مثلها مثل مجسمات عارضات الأزياء في محال بيع الثياب، وهي بذلك تمثِّل الوجه الآخر لسلطة عاجزة وفاسدة، قطعت صلات لبنان بهذا العالم بعد أن ملَّ القريب والبعيد من “تشاطرها” وخفتها في التعامل مع الأحداث المصيرية في بلدها، فباتت منبوذة لا يُحسب لها حساب إلا في سمسرة سياسية قد يحتاجها البعض من هنا أو هناك، وهو ما ترك البلد مفتوحاً أم كل الاحتمالات وصواعق التفجير، من قنبلة اللاجئين التي يستثمرون بها كل حسب مصالحه الداخلية والخارجية بدل العمل الجاد لمحاولة حلها قبل فوات الأوان إن لم يكن قد فات، إلى إسقاط الإتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي أفرغوه من مضمونه حمايةً لمصالحهم من خطوات إصلاحية مطلوبة مع ما تحمله هذه الخطوة من مخاطر على البلد في هذه الظروف.

واليوم في مواجهة الطوفان الذي سيغيّر وجه المنطقة بالتأكيد ليكن ما بعده غير ما قبله، تُرى كيف وماذا سيكون مصير لبنان، وهو الحلقة الأضعف بعد غزة، بعد هذا الطوفان؟ من ينجو من الغرق… قد يعش ويرَ.

شارك المقال