عسقلان مدينة التاريخ… سكنها العرب وهدمها اليهود بعد احتلالها

عبدالرحمن قنديل

عسقلان أحد الأهداف الرئيسة لمرمى صواريخ “كتائب عز الدين القسام” الجناح العسكري لحركة “حماس” في العملية الدائرة منذ السبت الماضي ضد الجيش الاسرائيلي والمستوطنات داخلها، والتي عرفت بإسم “طوفان الأقصى”، وتعتبر تاريخيّاً من أكبر مدن فلسطين وأقدمها وكانت أحد أهم الموانئ الفلسطينية على ساحل البحر المتوسط.

وتقع عسقلان جنوب فلسطين على بعد 13 كيلومتراً إلى الشمال من قطاع غزة، و65 كيلومتراً غربي القدس، وخلال التاريخ القديم كانت عبارة عن قرية تُسمى “المجدل” وهي كلمة آرامية بمعنى البرج والقلعة والمكان العالي المشرف، وتعتبر بلدة كنعانية قديمة كانت تسمى “مجدل جاد” وجاد هو ما له الحظ عند الكنعانيين.

كانت مدينة عسقلان (المجدل) على مدى تاريخها الطويل ذات شأن اقتصادي كونها ميناء بحرياً، ونظراً الى موقعها الاستراتيجي القريب من غزة ومصر ومواجهتها للقادمين من البحر تجاراً وغزاة، كانت منذ القدم محطة مهمة من سلسلة المحطات الممتدة على طول السهل الساحلي الفلسطيني، حيث اعتادت القوافل التجارية والحملات العسكرية المرور بها للراحة والتزود بالمؤن.

في العام 1150 قبل الميلاد سكن الفلسطينيون القدماء المدينة قادمين من جزر البحر الأبيض المتوسط وجعلوها أحد أهم مراكزهم، وتذكر المدينة في العهد القديم (التوراة) كمركز فلسطيني كبير. وفي العام 604 قبل الميلاد احتلت الامبراطورية البابلية برئاسة نبوخذ نصر المدينة من الفلسطينيين، وقام جيشها بإحراق المدينة وأجلى سكانها، لكنها ما لبثت أن عادت إلى الحياة في القرن الثالث قبل الميلاد في العهد الهيليني، وأصبحت ميناء كبيراً. واحتل الملك اليهودي الحشموني إسكندر يناي محيط المدينة ولكنها بقيت مستقلة من ناحية إدارية وثقافية.

فتحت المدينة في العهد الاسلامي على يد عمرو بن العاص، وقال عبد الله بن عمر بن الخطاب: “لكل شي ذروة، وذروة الشام عسقلان”. وبعد أن وقعت المدينة تحت حكم الفرنجة، قام القائد صلاح الدين الأيوبي بتحريرها عام 1187 من الصليبيين مع باقي فلسطين، ولكنهم عادوا واحتلوها مرة ثانية على يد ريتشارد قلب الأسد عام 1192 بعد سقوط عكا في أيديهم. إلا أن صلاح الدين قبل انسحابه من المدينة أمر واليها بهدمها وسورها حتى لا تكون حصناً للفرنجة يقطع الطريق بين مصر والشام. وفي العام 1247 استطاع العرب استعادة عسقلان في فترة حكم الصالح أيوب، وبدأ نجمها بالأفول إلى أن دمرت نهائياً عام 1270 على يد السلطان الظاهر بيبرس، لتسلم الدور التاريخي إلى المجدل التي تقع على بعد 6 كيلومترات إلى الشمال الشرقي منها.
بدأت المجدل في التوسع أواخر العهد العثماني وبداية الانتداب البريطاني، وشهدت أحداثاً وطنية عززت من مكانتها كمدينة متطلعة إلى المستقبل. ودخلتها القوات البريطانية عام 1917. واشتهرت بصناعة الأقمشة القطنية والحريرية التي كانت تباع في أسواق فلسطين وتعتبر من أهم مدنها في صناعة النسيج أو هي الوحيدة. ويعتبر الجامع الكبير من أبرز آثار المجدل، بناه سيف الدين سلار من أمراء المماليك عام 1300.

وتتميز مدينة عسقلان بأنها تحتوي على العديد من الآثار التاريخية القديمة، حيث يوجد فيها متحف يحوي المكتشفات الأثرية، من بينها نسخة طبق الأصل من العجل الفضة الذي يعود تاريخه إلى عسقلان الكنعانية. ويضم المتحف كذلك تابوتي دفن يرجع تاريخهما إلى العصر الروماني. كما تحتوي المدينة على بقايا كنيسة بيزنطية يرجع تاريخها إلى القرن الرابع الميلادي، وفيها أرضيات من الرخام والفسيفساء والزجاج الملون، واكتشف قبر روماني على بعد كيلومترين شمالي عسقلان عام 1937، بالاضافة إلى كهف الهلنستية المزين بلوحات من الحوريات، ومشاهد المياه، والشخصيات الأسطورية والحيوانات، وكان هناك مسجد يعود إلى القرن الحادي عشر الميلادي، وبني في عهد الفاطميين، لكن بعد نكبة 1948 فجره الجيش الإسرائيلي، كجزء من برنامج أوسع لتدمير معالم المدينة، وبني مستشفى إسرائيلي على أنقاضه.

تبلغ مساحة أراضيها 107,334 دونماً بما فيها مساحة المدينة 1,346 دونماً، ويشكل اليهود اليوم الغالبية من سكانها بعد تهجير أهلها العرب في حرب 1948 والذين انتقل الكثير منهم إلى قطاع غزة. وأقدمت المنظمات اليهودية المسلحة بعد احتلالها المدينة في تشرين الثاني 1948 على هدمها، وأقامت إسرائيل على أراضيها مدينة “اشكلون”.

ميناء عسقلان القديم يعود إلى العصر البرونزي، وعلى مر تاريخها حكمها الكنعانيون، كما سكنها الفلسطينيون القدماء والبابليون والفينيقيون والرومان والصليبيون، ودمرها المماليك في أواخر القرن 13.

تعد عسقلان واحدة من أقدم مدن العالم وفقاً لما عثر عليه في الحفريات الآثارية التي قام بها لورنس ستاغهار من جامعة “هارفرد” الأميركية عام 1985 والذي أكد أن أول من أسس المدينة كان العرب الكنعانيون في العام 3000 قبل الميلاد تقريباً. وعثر على بقايا المدينة الكنعانية على عمق 15 متراً، وقدر عدد سكانها في ذلك الحين بنحو 15 ألف نسمة.

وفي حرب 1948، كانت قرية المجدل العربية في منطقة عسقلان موقعاً متقدماً للجيش المصري المتمركز في غزة.

أما مدينة عسقلان الحديثة فتأسست في العام 1951 على ساحل النقب الغربي في إسرائيل، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى الميناء القديم الذي توجد آثاره بالقرب منها، ومعظم سكانها من المستوطنين الاسرائيليين، وعددهم 108,900 نسمة. ومع إندلاع “طوفان الأقصى” أصبحت محور الأحداث وتحت مرمى نيران “كتائب القسام”.

شارك المقال