هل يتكرر سيناريو حرب تموز ويَفرَغ الجنوب؟

نور فياض
نور فياض

لطالما كانت الحدود الجنوبية اللبنانية تعيش توترات أمنية، تارة تهدأ وتارة تتصاعد. واليوم تجددت هذه التوترات عندما بدأت الحرب في غزة وبعد اطلاق صواريخ من جنوب لبنان وقصف اسرائيل مواقع تابعة لـ “حزب الله” ورد الأخير عليها ما زاد الوضع اشتعالاً. وعلى الرغم من ذلك، وبينما يختبئ الاسرائيليون في الملاجئ، فان المواطن الجنوبي اعتاد هذه المناوشات، ويقف على الحدود ليشاهدها بالعين المجردة غير آبه بالصواريخ والقنابل التي تطلق على الأراضي اللبنانية، الا أن البعض قرر الذهاب الى مناطق أكثر أمناً مؤقتاً وخصوصاً بعد سقوط قذيفة ألحقت أضراراً بمنزل في قرية حدودية.

في هذا السياق، يؤكد نائب رئيس بلدية صور صلاح صبراوي عبر “لبنان الكبير” أن “مدينة صور شهدت نزوحاً لبعض سكان المناطق الحدودية اليها، منهم من ذهب الى خارج الجنوب وهم ميسورو الحال أو لديهم معارف، ومنهم من يمكث في المدارس الرسمية التي فتحت أبوابها لهم بقرار من المحافظ، بعدما أوقف وزير التربية التعليم فيها نسبة الى الأوضاع المستجدة، ولكن هؤلاء النازحين مؤقتون، فعندما تهدأ الأوضاع يعودون الى منازلهم، وعند التصعيد يرجعون الى المدارس.”

ويقول: “رأينا أيضاً زحمة على محطات الوقود نهار الأحد الفائت عندما توترت الأوضاع جنوباً، لكن سرعان ما عادت الأمور الى طبيعتها، وكذلك المحال التجارية ولكنها لم تفرغ من المعلبات لذا يمكن القول ان حركتها طبيعية. وعموماً حركة النزوح والتهافت على المحال التجارية تختلف تماماً عما حدث في حرب تموز، فهي أقل وطأة وأقل عدداً”.

في المقابل، يرى رئيس بلدية الناقورة عباس عواضة أن “لا أفق للمعارك التي تدور جنوباً، ولا شيئ معروف، لذا الأصوات التي نسمعها والصواريخ التي نراها تؤثر سلباً على نفسية الأطفال، من هنا اضطرت بعض العائلات الى النزوح نحو مناطق أكثر أمناً كصيدا وقضائها، الجبل وغيرها”، منبهاً على أن “المدينة سنتقطع عن صور في حال تطورت الأوضاع الأمنية ونشبت حرب، ويحاصر المواطنون، والمواد الغذائية لا تكفي ١٥ يوماً، وهذا سبب اضافي لنزوح بعض العائلات”.

أما حول النازحين السوريين، فيقول عواضة: “اللي بصير علينا بصير عليهم، هذا وضع انساني، ولكن في الناقورة نسبتهم قليلة وهم يسكنون فيها بواسطة كفيل وهو من يهتم بهم.”

كلما اقتربنا من الحدود الجنوبية نجد نسبة من المواطنين تغادر الى مناطق أخرى وكلما ابتعدنا عنها، نرى الحركة طبيعية ففي النبطية مثلاً، صحيح أنها منطقة جنوبية ليست بعيدة عن الحدود وتُسمع في قضائها أصوات المناوشات والقصف، الا أنها لم تسجل حتى الآن حركة نزوح قوية.

ويشير رئيس بلدية النبطية أحمد كحيل الى أن “المناطق الحدودية شهدت حركة نزوح متفاوتة، اما في مدينة النبطية فقلّة من غادرت الى منازل أقاربها في بيروت في أول أيام القصف، ولكن الحركة طبيعية والزحمة موجودة كل يوم في المنطقة”، نافياً ما تم تداوله عن أن الزحمة هي نتيجة النزوح”

ويضيف كحيل: “نشهد اليوم حالة ترقب لدى المواطنين، البعض منهم سينزح في حال نشوب حرب، والبعض الآخر لن يغادر أولاً لأن الظروف مغايرة لحرب تموز وخصوصاً الاقتصادية، وثانياً يعتبر أنه ببقائه يشارك في النصر والعز والكرامة”.

ويلفت الى أن “المواطنين تخوفوا في الأيام الأولى من تأزم حدة المعارك وشهدنا زحمة على محطات الوقود، ولكن ساعات قليلة وعادت الأمور الى طبيعتها”، موضحاً أن “النبطيين صامدون، وفي حال تطوّرت الأحداث، فنحن جاهزون، اذ اننا كخلية أزمة وطوارئ في البلدية جهزًت خطة وتدابير لا نريد الغوص فيها لكي لا نخيفهم.”

لا يختلف حديث رئيس البلدية عن العضو فيها صادق علوية، الذي يؤكد “أننا معنيون بالحرب ومن غير الطبيعي أن لا نكون مستعدين لها، لذا وضعت مستشفيات المنطقة خطة طوارئ، كما الدفاع المدني والاطفائيات والاسعافات في حالة جهوزية.”

ويعتبر علوية أن “من حق الناس أن تكون حذرة، فهي اليوم في حالة ترقب وعلى الرغم من المعنويات العالية، الا أنها لا تلغي حالة الخوف عند البعض وخصوصاً أنها تعلم بغدر العدو. وبما أن ليست لدينا دولة تحمينا، باتت الناس تأخذ على عاتقها حماية نفسها. ولكن كل حالات الترقب لم تصل حتى اليوم الى هلع.”

وفي ما يتعلق بالنازحين السوريين، يقول علوية: “ما يصيبنا سيصيبهم، فنحن نعيش معهم ضمن الضوابط والقوانين وحتى اليوم على صعيد مدينة النبطية لم نشاهد منهم أية مشاغبات. والمشاغبات تكون من الشباب وليس العائلات، ونحن أقل منطقة عنصرية مع السوري، نعيش معه في جو مسالم، على عكس بعض البلديات التي لديها أجندات سياسية.”

اذاً، حتى الآن لا داعي للهلع، فلطالما اعتاد الجنوبي الحروب مع العدو والتي يخرج منها منتصراً، لكن خلال حرب 2006، فرغت المناطق الحدودية من سكانها الذين توجهوا إلى أماكن بقيت بمنأى عن القصف الاسرائيلي، وغادر كثر منهم إلى سوريا. إلا أن الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان ستحد من قدرة الناس على النزوح وسوريا لا تعتبر آمنة كلياً. اما النزوح الداخلي فسيخلق أزمة للمواطن وخصوصاً مع الاكتظاظ السوري، فهل سيجد اللبناني شققاً للايجار؟ وإن وجد هل سيقع ضحية جشع المالكين؟ أسئلة تطرح ولا يمكن التكهن باجابتها الا عندما نعيشها. فماذا لو تكرر سيناريو حرب تموز؟

شارك المقال