تموضع جديد لــ “التقدمي” أم تقطيع مرحلة؟

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

بدا الحزب التقدمي الاشتراكي في الفترة الأخيرة وكأنه يخط سياسة جديدة فرضتها الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتداعيات الأمنية التي تلقي بثقلها في صوغ توجهات معاكسة تعبر عن قراءة زعيم الحزب للأحداث والتطورات وما تفرضه من “تكويعات” قد تكون مفهومة في بعض الأحيان ومبهمة في أحيان أخرى.

كان مفاجئاً مثلاً إعلان الحزب عن استقالته رسمياً من الاتحاد العمالي العام، بحجة المراجعة الذاتية والتقدم ببرامج عمل ملائمة لطبيعة المرحلة ومنسجمة مع تطلعات العمال. وجاء عزوفه عن المشاركة في انتخابات نقابة المهندسين في مرحلتها الثانية أي انتخاب النقيب حيث دارت معركة كسر عظم، ليزيد من غموض توجهات الحزب التي يمكن قراءتها أنها محاولة لمسك العصا من النصف، والقول إنه ليس مع قوى ضد أخرى في الصراع الدائر، وهذا ما بدا واضحاً كذلك في اللقاء الذي جمع رئيس الحزب وليد جنبلاط مع خصومه النائب طلال أرسلان ورئيس حزب التوحيد وئام وهاب، والحجة مصالحة درزية لإنهاء ذيول الأحداث التي جرت سابقاً في الجبل والتعاون.

وبرز أيضاً أخيراً موقف جنبلاط في حديثه الأخير لتلفزيون “ام تي في” الذي اتهم به الرئيس سعد الحريري بضرب المبادرة الفرنسية، وهو دليل على أن الخلاف مع الحريري قائم وأن الانقلاب الجنبلاطي يأتي تحضيراً لتكويعة جديدة باتجاه بعبدا وهو الذي زارها أيضاً سابقاً بشكل مفاجئ، وبرر الأمر في حينه أن زيارته للرئيس ميشال عون جاءت لحثه على الموافقة على تسوية تؤدي إلى تشكيل الحكومة، قبل أن يكتشف أن تعنت عون وإصراره على الثلث المعطل يطيح كل مقترحات فكفكة العقد. فكيف يمكن قراءة التغيرات في مواقف التقدمي؟ وهل انتهى أمر التفاهم مع الحريري ودعمه؟ وهل تكون المواقف الأخيرة التي بينت عن تباعد معبر عن افتراق الطرق أم أن هناك إمكانية وصل ما انقطع؟

يقول أمين السر العام في الحزب ظافر ناصر لــ”لبنان الكبير” “واضح أن التشكيلة الحكومية الأخيرة التي رفعها الحريري لعون، اتت من خارج معايير مبادرة بري، لأن الحريري غير بمعايير التشكيلة كما كانت تنص مبادرة بري وخصوصاً بالنسبة للوزيرين المسيحيين، وذلك من خلال التبديل بطوائف بعض الحقائب. والعلاقة مع الحريري ليست على ما يرام كما هو معلوم ونحن لدينا مقاربة مختلفة في الموضوع الحكومي منذ فترة تختلف عن مقاربة الحريري”.

وعما إذا كان التغيير في مواقف التقدمي سببه حسابات الانتخابات النيابية المقبلة، يؤكد “أولويتنا ليست الانتخابات إلى الآن بل كيفية تحصين الواقع قدر الإمكان من مختلف النواحي اجتماعياً وصحياً بشكل أساسي، وقدر المستطاع وبناء شبكة أمان لحماية الاستقرار. وإلى أن تاتي لحظة الانتخابات نتحدث بمسألة التحالفات، إذ من المبكر الحديث عن هذا الأمر”.

وعن التخوف الجنبلاطي من التطورات لا سيما الأمنية منها وتاثيرها على الجبل واستباق أي انزلاق في اللقاء الدرزي بخلدة يوضح ناصر: “الأولوية لدى جنبلاط وطنية ومن ضمنها تأتي أولوية الجبل في اتجاهين، الاتجاه الأول تحصين المصالحة بشكل دائم، والاتجاه الثاني معالجة ما نتج عن الإشكالات التي حصلت في الشويفات وقبرشمون قبل ثلاث سنوات، ولقاء خلدة أتي في هذا الإطار وكان هدفه بشكل رئيسي، كما جاءت اللقاءات أو التواصل مع القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر ومختلف مكونات الجبل لتحصين المصالحة الوطنية”. مشدداً على أن “المسؤوليات تقع على الجميع في تثبيت دعائم الاستقرار خصوصاً في ظل الظروف الراهنة سواء على مستوى الجبل أو على مستوى البلد ككل”.

ومن ناحية أخرى، فسر ناصر عدم مشاركة الحزب في انتخابات نقيب المهندسين، بأنها “أتت في إطار تقييم المسار الذي كان سائداً قبل هذه الانتخابات على مستوى النقابات ككل، والتي حاولنا جاهدين مع باقي الأطراف تغييره من خلال تبني مرشح مستقل غير حزبي، إلا أن البعض لم يلاقنا في ذلك، وأصر على الترشيح الحزبي، وبكل الأحوال لا مشكلة لدينا بأن يكون هناك تجربة جديدة وتطرح ما عندها على مستوى نقابة المهندسين أو غيرها لنرى التغيير الذي يتحدثون عنه، وإذا أتوا بالأفضل للنقابة فليكن”.

أما عن الاستقالة من الاتحاد العمالي العام قيقول ناصر: “مفترض بالاتحاد أن يعبر عن صرخة العمال ويقود طموحاتهم دائماً، وفي ظل مثل هذه الظروف بشكل خاص. إلا أن التجربة أثبتت أنه لا يعبر إلا عن إرادة سياسية يتحرك بموجبها ويجعل من دوره أداة سياسية لا إطاراً عمالياً، وهذا ما برز في التحركات الأخيرة. وبالتالي قراراتنا أتت في إطار مراجعة دورنا على هذا الصعيد بهدف إعادة تصويب دور الاتحاد ليكون اتحاداً نقابياً وعمالياً آخر”.

إقرأ أيضاً: أبو فاعور لـ”لبنان الكبير”: الكلام عن حكومة انتخابات غير واقعي

وبرأيه “لا يمكن أن يكون هناك حل اقتصادي واجتماعي مفصول عن الحل السياسي، والحل السياسي أولاً يكون عبر تشكيل حكومة ببرنامج إصلاحي واضح وإرادة صلبة لتنفيذه”.

ويجد أن “التحركات الشعبية لها ما يبررها خصوصاً عندما نرى الدولار آخذ في الارتفاع يومياً”.

وعن قضية تفجير المرفأ، يعتبر أنها “مسألة حق قبل أي شيء آخر، ومن حق الناس معرفة الحقيقة ومحاسبة المذنبين في هذا الملف، وبالتالي فإن هذه القضية لن تحمل أي تسويف فيها وسيكون موقف الناس حاسماً.

شارك المقال