نقاش هادئ حول قضية متفجرة… في رد على مقال الأستاذ أحمد عدنان!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

طالعنا الأستاذ أحمد عدنان في موقع “لبنان الكبير” بمقالة بعنوان “إنكسار حماس مصلحة عربية وفلسطينية”، وهي مقالة جدلية جريئة بلا شك تعتمد المواجهة مع السائد في وقت تتقدم فيه العاطفة والحماس على كل ما عداهما على الساحة الشعبية العربية. عدا عن جرأتها لا بد من الاعتراف بأنها تمثل رأي شريحة كبيرة من الناس على إمتداد الوطن العربي والمنافي العربية، وهي تعتمد المنهج التحليلي الواقعي للأحداث الذي قد لا يكون محبذاً لا في مضمونه ولا في توقيته على الأقل، عند شريحة كبرى أيضاً في الشارع العربي الذي يختزن غضباً مكبوتاً أعادت الحرب على غزة إطلاقه من قمقمه، وأعادت معه فتح كل الجراح العربية في هذا الصراع منذ النكبة وحتى مجزرة المستشفى المعمداني، مروراً بدير ياسين وكفرقاسم في فلسطين، ومدرسة بحر البقر وقتل الأسرى في مصر، وصبرا وشاتيلا وقانا الأولى والثانية في لبنان، وحمام الشط في تونس وغيرها وغيرها من الجراح التي ما تلبث أن تندمل حتى تعود إسرائيل للنبش فيها وإحيائها من جديد.

ومع أنني من أنصار الحكمة القائلة بأن “لكل مقام مقال”، والمقام اليوم في المنطقة للأسف للحرب وليس للنقاش السياسي والمحاسبة، ما يقتضي منا أولاً وقبل كل شيئ التضامن الانساني أقله – وهو لم يغب عن مقالة الأستاذ عدنان للأمانة – وإن إختلفت السياسات وطريقة مقاربتها، فإن رصانة الطرح وأخلاقياته من الأستاذ أحمد، والبعد عن “الحقد السياسي الأعمى” – على الرغم من قساوة النقد – وأسلوب الشخصنة الذي يتَّبعه بعض المحللين وأصحاب الرأي العرب، دفعني الى محاولة نقاش ما ورد في المقالة من إستنتاج نهائي والذي كان عنواناً لها أن “إنكسار حماس مصلحة عربية وفلسطينية”، وهو إستنتاج قد “يتمناه” كُثر – وربما أنا منهم – لو صح في هذه الظروف الدولية وكان فعلاً فيه مصلحة للعرب والفلسطينيين.

في مقالته هذه قال الأستاذ عدنان في “حماس” أكثر مما قاله مالك في الخمر كما يقولون، والحقيقة والانصاف يقتضيان أن نعترف بأن ما قاله بالمطلق صحيح وليس فيه إفتراء على “حماس” وممارساتها الفلسطينية والاقليمية، فالمشكلة إذاً ليست في التشخيص ولكن في الاستنتاج الذي خرج به الأستاذ عدنان، والذي قد يصح متى كان الانكسار فيه مشتركاً بين “حماس” وإسرائيل كما قال أو ربما تمنى الأستاذ عدنان عندما قال “ان المصالح العربية والاسلامية تكمن في أن تنكسر حماس في حرب غزة تماماً كما يجب أن تنكسر إسرائيل، فإنكسار إسرائيل بلا شك مصلحة فلسطينية وعربية وإنسانية”، وهو كلام سليم مئة بالمئة وهذه الشَرطية ضرورية لسلامة الطرح، لكنه للأسف يبقى من باب الأمنيات التي لا يمكن أن تتحقق في ظل هذا الاصطفاف الدولي وراء هذا الكيان الغاصب والمجرم، وبالتالي باتت المقاربة والاستنتاج غير ذي معنى للأسف إلا إذا كان المقصود بالمصلحة هو تمدد التطبيع العربي مع إسرائيل، وفي هذه الحال ربما يكون مصلحة عربية لكنه بالتأكيد لن يكون مصلحة فلسطينية، وإن كنت أعتقد هنا وبقناعة تامة بأن إنكسار “حماس” وحدها سيكون مرة جديدة إنكساراً للفلسطينيين والعرب شئنا أم أبينا، كما كان إنكسار صدام حسين في العراق إنكساراً للعراق والعرب بعد أن كانوا أوهمونا بأن الشرق الأوسط سيكون أفضل بلا صدام، وكانت النتيجة كما نرى اليوم، أربع عواصم عربية أهديت لإيران بسبب “الغباء السياسي” العربي والعجز والاستهتار، كذلك الخبث الأميركي – الايراني المشترك.

اليوم نشهد السيناريو نفسه وبدأت الآلات الاعلامية تجهد لتقنعنا بأن المنطقة من دون “حماس” ستكون أفضل، وبأن “حماس” مجرد أداة إيرانية لتعكير صفو “السلام” في المنطقة، متناسين أنها ولدت بعد 40 عاماً من النكبة الأولى، ولم تصبح إيرانية – إذا صح هذا التصنيف – إلا نتيجة تكامل العجز والتخلي العربي عن الفلسطينيين، مع التطرف الصهيوني والانحياز الأميركي والخبث الايراني، بعد أن ترك العرب الفلسطينيين بعد أوسلو يتخبطون وحدهم في مواجهة الصلف الصهيوني من دون أي ضغط أو خطوة سياسية جدية داعمة سوى البيانات الفضفاضة، فكان أن إنتهت “المغامرة” الفلسطينية المتمثلة بسلام الشجعان بقتل قائدها ياسر عرفات ودفن السلام معه في قبر واحد، بعد قتل “دواعش” الصهاينة شريكه اسحق رابين قبلها بأعوام من دون أي رد فعل من “العالم الحر” الحريص الدائم على السلام والأمن الدوليين، ولا من العرب الذين طرحوا مبادرتهم للسلام من دون أسنان تقاتل في سبيلها وتحميها فتركوها في مهب ريح التوسع الصهيوني، ويأتون اليوم ليحاسبوا “حماس” ويتهمونها بأنها أداة تستخدمها إيران ما يذكِّر بقول الشاعر “ألقوه في اليم مكتوفاً وقالوا له إياك إياك أن تبتل بالماء”.

حسناً، تعالوا نفعل ونقول ما قاله باسم يوسف في مقابلته الشهيرة مع بيرس مورغان، “حماس” هُزمت وأزيلت عن الخريطة السياسية الفلسطينية والاقليمية فماذا بعد؟ ما الذي سيتغير في غزة والضفة الغربية، هل سيتوقف القتل والاعتقال ومصادرة الأراضي؟ هل سيتوقف الاستيطان وإقتلاع الناس من بيوتها؟ من يضمن ذلك، أميركا أم أوروبا أم ربما العرب؟ إنها فعلاً نكتة سخيفة يا سادة، تطالبون الناس بالعقلانية والواقعية وما هي الواقعية غير هذا الواقع المزري الذي نراه أمامنا؟ قليلاً من التوازن يا سادة، فأضعف الإيمان أن لا نساوي حتى بين المدني الفلسطيني المغلوب على أمره بفعل الاحتلال وتداعياته و”المدني” الاسرائيلي الذي ينتخب هؤلاء الأشرار بملء إرادته ويتحول بين ليلة وضحاها إلى جندي في جيش إسرائيل، وكذلك بين “المقاومة” الضحية التي تتخبط في ممارساتها من “حلاوة الروح” كما يقال، وبين الجلاَّد الذي يمارس ساديته عن سابق تصور وتصميم مدعوماً من عالم بلا خجل، وأمة عاجزة باتت ترى فيه عن جهل أو غباء مخلِّصاً لها من جلاد آخر وهي تكون بذلك كالمستجير من الرمضاء بالنار، بدل أن تحزم أمرها وتلقي عنها عجزها فيكون لها مشروعها العروبي في المنطقة مقابل المشاريع الأخرى، بدل الاكتفاء بالندب واللطم وإدعاء المظلومية تارة من تركيا وأخرى من إيران وثالثة من إثيوبيا.

طبعاً كل هذا لا يبرِّر أخطاء “حماس” وممارساتها خصوصاً ضد أهلها في فلسطين من تعسف وعنجهية، وإن ننسى لا ننسى مزايداتها على الراحل أبو عمار ما جعلها يومها تبدو وكأنها سند ورديف للتطرف الصهيوني، خصوصاً بعد أوسلو التي لولاها وعلى الرغم كل مساوئها ما كانت “حماس” اليوم لتقاتل على أرض فلسطين. وإذ نقول ما نقول اليوم وغزة وناسها تحت النار، ليس حباً بـ “حماس” ولا بأي تيار سياسي إسلامي أو غير إسلامي غيرها وكتاباتنا تشهد لنا في هذا المجال، لكنها صرخة نعتبرها كلمة حق في وجه عالم جائر دعماً ودفاعاً هو أضعف الايمان لدينا للأسف ولا نملك غيره، عن شعب مظلوم ينكَّل به يومياً على مدى 75 عاماً من دون حسيب أو رقيب أو ناصر أو معين، فهل يستكثر علينا الناس هذه الصرخة التي أنا متأكد أن الأستاذ أحمد عدنان وغيره كثر من الاعلاميين العرب يشاطروننا إياها، كما يشاطروننا الغضب والحزن وإن إختلفت المقاربات السياسية، على ضعف هذه الأمة وهزالها وقلة حيلتها أمام أعدائها في المنطقة والعالم على الرغم من إمكاناتها الهائلة.

في الختام نقول إذا كانت “حماس” هي شر وإثمها أكبر من نفعها، فإن إسرائيل هي بلا شك “أم الشرور”، والمنطق والمصلحة والفطرة الانسانية السليمة تقضي بأن يختار الانسان في موقف كهذا “أهون الشرين”، و”حماس” هنا بكل المقاييس هي الأهون، حتى يقضي الله والعرب أمراً كان مفعولا.

شكراً للأستاذ أحمد عدنان الذي نحترم ونجل، والشكر موصول لموقع “لبنان الكبير” الذي أتاح لنا هذه الفرصة، والله والوطن والانسان من وراء القصد.

شارك المقال