معبر رفح… شاهد على الصراعات وممر إلزامي لحلها

عبدالرحمن قنديل

يعتبر معبر رفح البري الواقع بين غزة ومصر المدخل الوحيد للمساعدات من خارج إسرائيل إلى القطاع مباشرة، كما أنه المخرج الوحيد الذي لا يؤدي إلى الأراضي الاسرائيلية، وأصبح محور اهتمام في الصراع المتصاعد بين إسرائيل وحركة “حماس” مع توجه مئات الآلاف من الفلسطينيين باتجاه جنوب غزة من شمال القطاع هرباً من القصف بعد تطور الأحداث الذي شهدته عملية “طوفان الأقصى”.

ويشكل معبر رفح نقطة العبور للمساعدات الانسانية التي تمر من هناك إلى غزة، ويكتسب أهمية استراتيجية كبيرة، نظراً الى موقعه الجغرافي، إذ يمثل المنفذ الرئيس والوحيد المتبقي لسكان القطاع على العالم الخارجي، لا سيما بعدما أغلقت السلطات الاسرائيلية المنافذ الستة بين غزة وجنوب إسرائيل إثر إعلان حركة “حماس” التي تسيطر على القطاع بدء عملية “طوفان الأقصى” فجر السبت في السابع من تشرين الأول. وفي سياق استمرار الحرب، عملت الولايات المتحدة ومصر على التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل لايصال المساعدات إلى السكان المحاصرين، تجنباً لتفاقم الأزمة الانسانية.

تعد الحدود المشتركة بين الدول رمزاً للتواصل والتفاهم بين الشعوب، ويتصدر معبر رفح القائم على الحدود المصرية – الفلسطينية سلسلة المعابر الحدودية التي تربط بين قطاع غزة ومصر، ويمثل نقطة تلاقٍ بين الأمل والتحديات السياسية والاقتصادية، ويعتبر ممراً حيوياً للسلع والأشخاص، إذ يسمح بتدفق البضائع والمساعدات الانسانية إلى سكان غزة، الذين يواجهون تحديات كبيرة في الوصول إلى احتياجاتهم الأساسية، ومع ذلك يتميز هذا المعبر بتاريخ معقد وسجل طويل من التوترات والتغييرات السياسية التي تأثرت بهذه المنطقة الحساسة.

تأسس معبر رفح الحدودي بين مصر وفلسطين عقب نهاية الحرب العربية الاسرائيلية في العام 1948، وفي البداية جرى تسييره معبراً للأشخاص والبضائع بين مصر وغزة التي احتلتها إسرائيل في حرب العام 1967، فأغلق المعبر وقُطع الاتصال بين القطاع ومصر، وبدأ الفلسطينيون يعانون من حصار إسرائيلي صارم.

المعبر الذي يقع عند مدينة رفح بين قطاع غزة في فلسطين وشبه جزيرة سيناء في مصر، تم تشييده بعد الاتفاق المصري – الاسرائيلي للسلام سنة 1979 والانسحاب الاسرائيلي من سيناء سنة 1982، وبموجب اتفاقية أوسلو لعام 1993، جرى التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية بشأن إعادة فتح معبر رفح للأشخاص والبضائع، وظلت تديره هيئة المطارات الاسرائيلية لغاية 11 أيلول 2005، حين انسحبت إسرائيل من قطاع غزة، وبقي مراقبون أوروبيون لمراقبة الحركة على المعبر.

ومع تصاعد أزمة غزة عام 2008 عندما قام جنود من حركة “حماس” بعملية انفجارية بالقرب من حدود معبر رفح، وهو جزء من الحاجز المنشأ عام 2003، قَدّرت هيئة الأمم المتحدة أن ما يقارب المليون ونصف المليون من سكان غزة قطعوا المعبر باتجاه مصر باحثين عن الغذاء وااإمدادات. ثم قامت قوات الاحتلال بتكثيف إجراءات الحيطة والحذر خوفاً من مقدرة “حماس” على اقتناء الأسلحة المصرية، وكان لتلك الاجراءات دور في كسر الهدنة السابقة.

في العام 2005، قامت إسرائيل بانسحاب أحادي من قطاع غزة وأغلقت مستوطناتها فيه، وفتح ذلك الباب أمام إعادة فتح معبر رفح بمشاركة مصر، التي كانت قد أغلقته في حزيران 2007 قبل أيام من سيطرة “حماس” على القطاع أثناء خلافها مع “فتح” وتسبب تفجير الجدار بحصار اسرائيل للقطاع، والذي بدأ جزءٌ منه في شهر حزيران من العام نفسه واستمر إنقاص الامدادات بالوقود بحلول شهر تشرين الأول، ثم بدأ الحصار بصورة كاملة على القطاع في 17 كانون الثاني 2008 بعد إطلاق صواريخ “كتائب القسام” من القطاع باتجاه إسرائيل. وعبر عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى سيناء في العام نفسه بعدما فتحت “حماس” ثغرات في التحصينات الحدودية ما دفع مصر إلى بناء جدار حجري واسمنتي. وتوسطت مصر بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في فترات سابقة تخللتها صراعات واضطرابات، لكنها أغلقت الحدود أيضاً في هذه الحالات ولم تسمح إلا بدخول المساعدات وخروج الأشخاص للعلاج ومنع أي انتقال للأشخاص على نطاق واسع.

على الرغم من طلب إسرائيل من مصر إعادة إغلاق المعبر لأسبابٍ أمنية، إلا أن الرئيس المصري الراحل حسني مبارك أمر جنوده بالسماح لأهل غزة بعبوره لتخفيف حدة الأزمة الانسانية، مع عدم السماح بدخول السلاح إلى غزة. وأنفق الغزاويون ما يقارب 250 مليون دولار فقط في مدينة العريش.

في العام 2010 أصدر الرئيس مبارك قراراً بفتح معبر رفح لأجل غير مسمى طوال أيام الأسبوع، وذلك بعد مجزرة “أسطول الحرية” التي قامت بها القوات الاسرائلية ضد متضامنين أتراك كانوا في طريقهم إلى قطاع غزة عبر البحر. ثم تقرر فتح المعبر، عقب ثورة 25 يناير (كانون الثاني) التي اندلعت في مصر، بعد ذلك أمر المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر بإعادة فتح المعبر للحالات الانسانية فقط (مرضى – طلاب – اقامات – تأشيرات) وأعيد فتحه بتاريخ 22 شباط 2011، وبذلك يكون المعبر الوحيد في مناطق السلطة الفلسطينية الذي يخضع لسيادة فلسطينية – مصرية فقط من دون تدخل من أي طرف آخر.

لطالما كان معبر رفح يشكل محوراً أساسيّاً خصوصاً في ما يتعلق بموضوع القضية الفلسطينية إن كان من خلال الصراع مع إسرائيل أو عندما كان الإنقسام الفلسطيني – الفلسطيني في أوجه، لذلك لم يكن إبن ساعته ولم يقتصر على النزاع بين مصر وإسرائيل، إن كان في المرحلة الحالية بالتزامن مع عملية “طوفان الأقصى” إنطلاقاً من نقطة وجوده، وصولاً الى ظروف الصراعات السياسية، لذلك بقي شاهداً على محطات تاريخية ومهمة للصراعات والنزاعات وأهمها عملية السابع من تشرين الأول كونه الممر الإلزامي لحلها.

شارك المقال