هل تفتح جبهة الجنوب؟ (١)

زياد سامي عيتاني

خلال زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى تل أبيب، التي مهد لها وزير خارجيته أنتوني بلينكن، شعرا بضعف القادة الاسرائيليين وإرباكهم وضياعهم بعد عملية “طوفان الأقصى” المباغتة، فضلاً عن الانقسام الحاد في المواقف الداخلية الاسرائيلية والقراءات المتناقضة للعملية ولتداعياتها، وبالتالي كيفية التعامل معها. حينها وصفت الصحافة الأميركية المفاوضات الطويلة و”الصعبة”، بـ”الحساسة”، لأن القادة الأميركيين أدركوا أن من الصعب على الاسرائيليين تحمل القتال على جبهتين، وتبعاً لذلك نصحوهم بتجنب أي عمل إستفزازي خارج نطاق قواعد الإشتباك وفقاً للقرار 1701 يعطي ذريعة لـ”حزب الله” لفتح جبهة الجنوب اللبناني. ويخشى المسؤولون الأميركيون أن يوافق رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو على توجيه ضربة وقائية للحزب، وقد نصحوا نظراءهم الاسرائيليين بالحرص على ألا تعطي أفعالهم في الشمال ضد “حزب الله” ذريعة سهلة له لدخول الحرب.

وهذا الموقف الأميركي ينبع من شعور المسؤولين الأميركيين بالقلق من أن بعض الأعضاء الأكثر تشدداً في حكومة الحرب الاسرائيلية أراد مواجهة “حزب الله” مع بدء إسرائيل صراعاً طويلاً ضد “حماس”، بعد شنها عملية “طوفان الأقصى”. وقيل ان المسؤولين الأميركيين الذين إستشعروا الضعف في المؤسسة العسكرية الاسرائيلية، حرصوا خلال المحادثات مع الجانب الاسرائيلي على عدم نقل موقفهم بصورة إستفزازية من شأنه أن يولد ردود فعل لدى المسؤولين الاسرائيليين، على الرغم من إستخدامهم لغة صريحة، تعبّر عن مخاوف الادارة الأميركية من مغبة فتح أكثر من جبهة.

والتخوف الأميركي من إقدام إسرائيل على مغامرة فتح جبهتها الشمالية مع “حزب الله”، لا يقتصر على القلق الأميركي من الضعف والتخبط في صفوف الجيش الإسرائيلي وجهاز الاستخبارات وحسب، بل إنه يذهب إلى أبعد من ذلك بكثير، إذ ان المسؤولين الأميركيين يعتبرون أنه في حال قررت إسرائيل خوض الحرب على جبهتين، فان مثل هذا الصراع يمكن أن يجر كلاً من الولايات المتحدة وإيران إلى المواجهة.

بناءً عليه، بذل كبار المسؤولين الأميركيين جهوداً لا تخلو من التحذيرات، لمنع أي هجوم إسرائيلي على “حزب الله” خارج قواعد الاشتباك المعمول بها منذ العام 2006. وفي المقابل، نشطت الادارة الأميركية على خط كبح جماح “حزب الله” من إستغلال الحرب التدميرية الابادية على غزة، لفتح جبهة الجنوب اللبناني، بحجة دعم صمود المقاومة في القطاع. وفي هذا الاطار، عقد ديبلوماسيون أميركيون إجتماعات عاجلة ومكثفة، في كل أنحاء المنطقة تقريباً، وحث الديبلوماسيون الأميركيون نظراءهم العرب على المساعدة في نقل الرسائل إلى “حزب الله”، بما في ذلك عبر اتصالاتهم في إيران، لمحاولة منع اندلاع أي حرب جديدة على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية.

إلا أنه ومع تصاعد وتيرة المواجهات بين الاسرائيليين و”حزب الله”، ودخول فصائل فلسطينية ولبنانية لأول مرة على الخط، فإن المخاوف لا تزال قائمة بشأن احتمالين: رد فعل إسرائيلي مبالغ فيه على هجمات “حزب الله” الصاروخية، والتكتيكات الاسرائيلية القاسية في الهجوم البري المتوقع ضد “حماس” في غزة، والذي من شأنه أن يجبر الحزب على دخول الحرب، خصوصاً مع إعتماد أمينه العام الحزب السيد حسن نصر الله سياسة “الصمت الاستراتيجي”، ما يبقي قراره بفتح جبهة الجنوب يكتنفه الغموض المتعمد، بانتظار التطورات الميدانية، وما يمكن أن تواكبها من إتصالات بين عواصم القرار.

شارك المقال