هل تفتح جبهة الجنوب؟ (٣)… مشاركة الفصائل الفلسطينية ذريعة لاسرائيل!

زياد سامي عيتاني

لم تتأخر الفصائل الفلسطينية في لبنان عن الانخراط سريعاً في عملية “طوفان الأقصى”، بالتنسيق الدقيق والمحتسب مع “حزب الله”، ليس ترجمة للشعار الذي رفعته قوى “محور المقاومة” عن وحدة الساحات والجبهات في أي مواجهة مع الاحتلال الاسرائيلي وحسب، بل تأكيد من الحزب، أن هذه المعركة هي معركة المقاومة الفلسطينية.

وعلى الرغم من انخراط الفصائل الفلسطينية، خصوصاً حركتا “حماس” و”الجهاد الاسلامي” في هذه العمليات العسكرية، سواء عبر التسلل خلف خطوط الاحتلال والاشتباك معه مباشرة، أو مهاجمة مواقعه العسكرية على الحدود، أو قصف المستعمرات في الجليل الأعلى، فإن جبهة الجنوب لم تُفتح على مصراعيها بعد، ولا تزال محصورة بقواعد الاشتباك المتبعة منذ العدوان الاسرائيلي على لبنان في العام 2006.

في الأسبوع الأول، حافظ “حزب الله” على نمط ثابت من استهداف المواقع العسكرية الحدودية لاسرائيل، ثم حذت الفصائل الفلسطينية في لبنان حذوه، ليرد الجيش الاسرائيلي على مصادر النيران قبل أن يتوسع القصف على الأراضي اللبنانية الجنوبية موقعاً ضحايا بين المدنيين. فيما تسللت مجموعات غير معروفة العدد من المقاتلين من لبنان إلى إسرائيل، (وهم فلسطينيون على الأرجح) على مدار عدة أيام قبل أن يعلن الجيش الاسرائيلي تصفيتهم تباعاً. وكان استهداف هذه الفصائل يتلخص في قصف مدفعي على الأراضي الفلسطينية المحتلة ولكنه لم يوقع إصابات تذكر لدى الجانب الإسرائيلي في الأيام الأولى، ثم أصبح أكثر دقة واستهدف مستوطنات وأوقع إصابات خطيرة منذ يوم الأحد 15 تشرين الأول. وإذ لا يملك الجيش الاسرائيلي الرد على المواقع الفلسطينية في لبنان لأنها غير معروفة، رد على مواقع “حزب الله” المعروفة لديه ما أدى إلى مقتل أربعة من عناصره خلال الأسبوع الأول من المواجهات. وهنا رد الحزب بقصف مواقع عسكرية لاسرائيل في الشريط الحدودي المشترك واستهدف آليات عسكرية ومن ضمنها دبابات محصنة وتمكن من تدميرها بالكامل وإصابة طاقمها بجروح خطيرة مع أنباء عن سقوط قتلى لم يُعلن عنهم بعد من الطرف الاسرائيلي.

ومنذ الأحد 15 الجاري، بدأ الاشتباك بالصواريخ المتبادلة يتصاعد على جانبيّ الحدود اللبنانية – الاسرائيلية سواء كان مصدر النيران من “حزب الله” أو من فصائل فلسطينية أخرى، وطال الرد الاسرائيلي قرى الجنوب بطول الخط الحدودي من العديسة غرباً إلى الناقورة شرقاً مروراً برميش وعيتا الشعب والضهيرة ومروحين وطير حرفا وعلما الشعب، حيث طالت القذائف مساحات مأهولة من هذه القرى وأوقعت إصابات في الممتلكات والسكان، فيما سقطت بعض القذائف في محيط مقار الجيش اللبناني و”اليونيفيل” وأوقعت بعض الخسائر في الأبنية.

يذكر في هذا السياق أن “حزب الله” أعلن عن تواصله المباشر مع قيادات المقاومة الفلسطينية في الداخل والخارج لتقويم الوضع وبحث تفاصيل تطور العمليات الميدانية. وسبق أن رهن استعداده للانخراط في القتال المفتوح باحتمالية تنفيذ هجوم بري موسع على غزة. وكانت تقارير إسرائيلية سابقة نشرت في العام 2008 معلومات تفيد باستعداد “حزب الله” للحرب القادمة مع إسرائيل بخطة محكمة للاجتياح البري للشمال الاسرائيلي، بحيث حذرت هذه التقارير من استعداد الحزب لتنظيم صفوفه في 5 كتائب كاملة لاختراق العمق الاسرائيلي وصولاً الى الجليل الأوسط، بما يعني حينها أنه لن يكون فقط قادراً على تحرير النقاط اللبنانية التي لا تزال محتلة، بل سيكون قادراً على إفساح الطريق للفصائل الفلسطينية للتمركز داخل الشمال الاسرائيلي لفترة وجيزة على الأقل وتنفيذ عملياتها من الداخل (وهو ربما ما كان يقصده وزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبد اللهيان عندما حذر من تغيير ملامح الخريطة في حال اشتعال حرب أوسع).

كذلك، تحدث بعض التقارير الاسرائيلية سابقاً عن افتتاح وحدة عسكرية لـ”حماس” في لبنان في العام 2021 تتمركز قرب مدينة صور وتخضع للتدريب بدعم إيراني وضوء أخضر من “حزب الله”. وكانت إسرائيل اتهمت هذه الوحدة في مرات سابقة بإطلاق صواريخ من الجنوب اللبناني من دون أن يتطور أي من هذه الأحداث إلى اشتباكات واسعة، بحيث تتعامل مع مصدر الصواريخ ثم يتوقف التراشق سريعاً. ولم يكن مطروحاً تبني هذه الصواريخ بصورة معلنة من جانب أي منظمة فلسطينية أو حتى لبنانية، بل يتم التعامل مع الأمر باعتباره حدثاً محدوداً ليست له ذيول أو تداعيات على قواعد الاشتباك المعروفة.

حتى الآن، يبدو أن إسرائيل لم تحسن قراءة رسائل “حزب الله” بأنه حين سمح بتنفيذ الفصائل الفلسطينية قصفها من لبنان، فإنه بذلك لا يلوّح فقط بانخراطه في الحرب بالصواريخ، ولكن أيضاً بإمكان تنفيذ اجتياح مقابل من الحدود الشمالية لاسرائيل ليس بالضرورة عبر عناصره ولكن عبر مقاتلي الفصائل الفلسطينية. فهل تكون مشاركة الفصائل الفلسطينية في القصف على شمال إسرائيل، ذريعة لها لفتح الجبهة مع لبنان، إستكمالاً لمزاعمها بالقضاء على “حماس”، أو أقله شل نشاطها العسكري؟

شارك المقال