“لبنان الكبير” ينقل صوت صحافيي غزة: تجاوزنا المهنة وأصبحنا مسعفين

آية المصري
آية المصري

هي ليست قصة عادية، أو رواية مضمونة نهايتها السعيدة، وليست روتيناً يومياً طبيعياً، ولا حياة مليئة براحة البال والطمأنينة، بل قصة شعب يعيش الاضطهاد والحرمان منذ سنوات وسنوات على يد عدو حاقد ليس في قاموسه معنى للانسانية، وغاصب لأرض فلسطين المحتلة التي يعتبرها أرضه، يمارس فيها شتى أنواع العنف والوحشية بحق شعب لا يُهزم ولا يُكسر، شعبٌ جبار إرادة الحياة لديه أقوى من إرادة الموت، يُقاتل مرفوع الرأس ولو خسر أحباءه وأعز ما يملك، مصراً على إيصال صوته وقضيته الى العالم أجمع، ولا يزال صامداً مع عملية “طوفان الأقصى” المستمرة منذ ثلاثة أسابيع في ظل كل المجازر التي تُرتكب بحق أطفاله ونسائه وشيوخه يُقاتل باللحم الحيّ كي يبقى شوكةً في عين العدو الغاشم.

الصحافي الفلسطيني علي جاد الله دفن والده وأخوته الثلاثة وبنات عمه الأربع، وفي اليوم التالي لبس سترة الصحافة ونزل الى الميدان لينقل بالصوت والصورة كل إجرام هذا العدو، على الرغم من الحالة المأسوية التي يعيشها، فكيف إستطاع ذلك؟

“إنها قوة رب العالمين”، بهذه العبارة أجاب جاد الله على هذا السؤال في حديث خاص لموقع “لبنان الكبير”. وروى ما حدث معه ومع أسرته خلال القصف الاسرائيلي: “قصف بيتي الخاص، وفي اليوم التالي قُصف منزل أهلي الذين استشهدوا كلهم باستنثاء والدتي التي أخرجناها من تحت الأنقاض، لكنها تعاني حتى هذه اللحظة من الجروح والاصابات الكبيرة بالاضافة الى مشكلاتها الصحية، ولهذه الأسباب لم أغادر الى المنطقة الآمنة التي حددها الجيش الاسرائيلي، مع العلم أنها منطقة غير آمنة ويقصفون الجميع من دون أي رحمة أو تمييز”.

أضاف: “يوم استشهاد أهلي لم نجد أي سيارة اسعاف لنقوم بدفنهم، ما جعلني أنقلهم بسيارة خاصة، حملت اخوتي الى المقبرة ودفنتهم هم الثلاثة الى جانب بعضهم البعض، وبنات عمي الأربع، وتركت وسعة لأدفن والدي وأختي لأنني لم أتمكن من إيجادهما. وفي اليوم التالي حملت والدي ودفنته الى جانب اخوتي لكن حتى هذه اللحظة لم أتمكن من دفن أختي لأنها لا تزال تحت الأنقاض وعاجز عن إخراجها”.

وعلى الرغم من كل هذه المأساة، اختار النزول الى الميدان في اليوم التالي، “لأنني أريد توثيق صورة الاحتلال وفضحه ليدرك العالم أجمع ماذا يحصل معنا في غزة. وبعدما كنا ننقل الحدث أصحبت أنا وأهلي الحدث بعينه، ونقلت زوجتي وطفلي الى المنطقة الجنوبية الا أنني لم أتمكن من رؤيتهما مجدداً ولا يمكنني التواصل معهما الا عبر الاتصال المعدوم أساساً. واليوم نغطي في مستشفى دار الشفاء وسط مدينة غزة المكتظة بالنازحين والمرضى والجرحى، ففيها ما يقارب 50 الى 70 ألفاً، كما بلغت مجمل الاصابات في القطاع 18 ألف مصاب، وللتذكير غزة فيها ثلاثة مستشفيات الشفاء، شهداء الأقصى، ويوسف النجار في رفح”.

ووصف جاد الله الوضع في غزة بأنه “صعب جداً”، لافتاً الى “أننا ذهبنا منذ يومين لتغطية استهداف الجيش الاسرائيلي حياً سكنياً بكامله، وكنتُ أول الواصلين الى المكان قبل فرق الاسعاف والدفاع المدني، وقبل البدء برسالتي الصحافية قمت بانقاذ الأهالي لأن رسالتنا إنسانية قبل أن نكون صحافيين فنحن بشر ونشعر بما يحصل مع الناس قبل أي شيئ آخر”.

أما عن حالتهم ومعاناتهم اليومية، فأكد أن “وضعنا النفسي متعب جداً، ونتألم كثيراً ففي قلوبنا الكثير من الألم والحزن، لكننا مستمرون في نقل الصورة الى العالم وسنستمر في العمل لتوثيق الأحداث وفضح الجرائم المرتكبة”، متمنياً “أن تتوقف الحرب وأعود الى أحضان أسرتي وأولادي”.

أما قصة المراسل والمصور محمد لبد فتختلف عن جاد الله، اذ تعرض أهله للقصف ولكنهم نجوا بأعجوبة، فيما استشهد 18 من أقربائه وأولاد عمه، كما تعرض عدة مرات لخطر الموت نتيجة القصف المتواصل عليهم بحيث إستهدفوا 4 مرات، وقدرة الله وأعجوبته أنقذتاه مع زملائه.

وروى لـ “لبنان الكبير” قصته من ميدان غزة، فهو مراسل ميداني ولا يغطي داخل المستشفيات، لكنه بات في الأيام الأخيرة متعدد المهمات، فهو ينقذ المصابين حاملاً معه الكاميرا ومعدات التصوير، ينقل الاغاثات والمساعدات الى المحتاجين، ويسعف من يرى في داخله نفساً، ليصبح بطلاً في أعين من يراه.

“نحن نسمع عبارة أهلك انقصفوا، وأصبحنا نقول يا رب يتنفسوا، فلم يعد يهمنا شيئ سوى تنفسهم فما دامت فيهم روح هذا جيد، واذا بقي المنزل واقفاً فهذا جيد”، بهذه العبارة يطمئن لبد على أهله.

وقال: “كنا في كنيسة للأرثوذكس، وخرجنا من تحت الركام والمبنى بعد ثلاثة أيام من القصف، عشت الظروف تحت المبنى مع الأطفال والنساء، الذين كان عددهم ما يقارب 2500 طفل وإمرأة، كنت أنقذ هذا وأسعف ذاك، أحمل الأشلاء بيدي وأنقذ من أرى روحاً في جسده وأنقله الى المستشفى، طفل تملأه الدماء يرتجف في الطريق وأمام عينيه أهله الذين إستشهدوا، وضعته في حضني وأنا أقود سيارتي الخاصة وأحمل في اليد الأخرى معدات التصوير، وبعدما أنقذته عدت الى الميدان لأكمل واجبي المهني والانساني”.

وتابع: “أعجز عن وصف المشهد، فنحن بتنا نسعف المصابين بالسكوتر، والدابة، والتكتوك، لأن طواقم الاسعاف عاجزة عن تأمين كل التغطيات، وأنا حالياً تجاوزت مهنة الصحافة وأصبحت مسعفاً ومنقذاً، وأوصل المساعدات الى الشعب المحتاج من شمال غزة الى جنوبها”.

وشدد على “أننا لا نعرف النوم، نتناول المسكنات كي لا ننام، فمنذ أربعة أيام حتى اليوم عدد ساعات نومي بلغ ثلاث ونصف وبصورة متقطعة، أما عن المأكل والمشرب فنحن نتناوله أثناء قيامنا بالمهمات ووجبة الطعام عبارة عن قطعة بسكويت أو شوكولا، ونشرب المياه عندما نجدها لدى أحد، فلا إستقرار نفسياً يجعلنا نأكل الوجبات أو غيرها”.

وعن مدى صعوبة نقل المواد الصحافية المطلوبة، أوضح لبد أن “النت بطيء جداً ونعاني منه بصورة رهيبة، نبحث عن خطوط، ونسلم المواد مقابل دفعنا الكثير من المال، فلا شيئ في غزة، لا كهرباء ولا مياه ولا أدوية، وحتى الآن هناك 24 مستشفى توقفت عن العمل بإستثناء 9 منها، كما أن هناك مستشفيات في المناطق الشمالية غير قادرين على تغطيتها ونحاول الوصول الى أخبارها عن طريق الناس وفرق الاسعاف والأطباء، كما هناك عدة مناطق لم نعد قادرين على تمييزها نتيجة القصف العشوائي والجنوني”.

لم تنتهِ القصص بعد فهناك الآلاف منها، سنكمل تغطيتها ونقلها الى الرأي العام لتوثيق وحشية العدو الغاشم.

شارك المقال