فلسطين: مواقف وأسماء لبنانية للتاريخ

عاصم عبد الرحمن

على الرغم من أن قضية “حزب الله” الأساسية تقوم على محاربة العدو الاسرائيلي حتى تحرير الأراضي المحتلة سواء في لبنان أو فلسطين أو غيرهما وهو يحتفظ بسلاحه من أجل هذه القضية، إلا أن المقاومة والرغبة في مجابهة الاحتلال والتحرير لم تكونا يوماً حكراً على فئة معينة من اللبنانيين أو محصورة بالتنظيم الحكومي أو الحزبي بل كان وعلى امتداد التاريخ للشعب اللبناني كلام آخر.

تبدأ حكاية النضال اللبناني في حضرة القضية الفلسطينية لحظة اغتصاب الميليشيات الصهيونية الأراضي الفلسطينية التي أنهت المملكة المتحدة انتدابها عليها في 14 أيار 1948 وهو التاريخ الذي أعلن فيه ديفيد بن غوريون الرئيس التنفيذي للمنظمة الصهيونية العالمية ومدير الوكالة اليهودية قيام الكيان الاسرائيلي واحتلال الشعب اليهودي لأرضه التاريخية كما يزعم، وذلك إنفاذاً لوعد بلفور الذي أطلقه وزير الخارجية البريطاني آنذاك جيمس آرثر بلفور في 2 تشرين الثاني 1917 عبر رسالة بعث بها إلى زعيم الجالية اليهودية في بريطانيا المصرفي ليونيل دي روتشيلد بإنشاء وطن قومي لليهود على أراضي فلسطين المنتدبة على أثر انهيار السلطنة العثمانية.

عشية إعلان دولة الكيان الاسرائيلي أعلن العرب الحرب على الميليشيات الصهيونية، ففي العام 1948 نشبت في فلسطين حرب بين التشكيلات الصهيونية المؤلفة من البلماخ والإرجون والهاجاناه ومتطوعين يهود من خارج حدود الانتداب البريطاني وغيرهم وكل من الأردن ومصر والعراق والسعودية وسوريا ولبنان انتهت بهزيمة العرب وتهجير الفلسطينيين والسيطرة اليهودية على مزيد من الأراضي المخصصة للدولة العربية.

ومن بين الدول العربية المشاركة في جيش الانقاذ العربي كان لبنان الدولة المستقلة حديثاً عن الانتداب الفرنسي، ولديه أصغر الجيوش العربية الذي تألف حينها من 3500 جندي إلا أنه شارك بنحو 1000 جندي مقاتل بكتيبتَيْ مشاة تضم كل كتيبة 450 جندياً وفصيل مدفعية هاون ومدافع رشاشة بالاضافة إلى بطارية مدفعية من 4 مدافع عيار 105 ملم و4 عربات مدرعة و4 دبابات خفيفة 7 طن ومجموعة مستشفى ميداني أُوكلت مهمة قيادة القوات اللبنانية إلى العميد فؤاد شهاب (رئيس الجمهورية لاحقاً).

نفذ لبنان قرار الجامعة العربية في كانون الأول 1947 بإنشاء جيش إنقاذ من المتطوعين قوامه 3000 جندي لنصرة فلسطين وكانت حصة لبنان تبلغ حوالي 300 متطوع من الشعب اللبناني، وعند فتح باب التطوع فوجئت الحكومة اللبنانية في كانون الثاني 1948 بتقدم 2000 شاب لبناني للتطوع من أجل القتال في فلسطين ضد المنظمات الصهيونية، إلا أن وزير الدفاع الأمير مجيد إرسلان قبل فقط 305 منهم تمَّ تدريبهم وتسليحهم من الجيش اللبناني. وكان القائد الميداني لكل الأفواج ابن طرابلس الضابط (السني) فوزي القاوقجي، أما قائد الفوج اللبناني في جيش الانقاذ (التطوعي) فكان الملازم (الأرمني) ديمرجيان. إذاً كان قوام الفوج اللبناني من الشباب السني والشيعي والدرزي والأرمني الذي مثَّل المسيحيين في الدفاع عن فلسطين واستطاع اقتحام القطاع الأوسط والسيطرة على بلدتَيْ المالكية وقدس (قادش) وكذلك مساعدة الجيش اللبناني على اقتحام القطاع الغربي وصولاً إلى نهاريا واستشهد 56 من المتطوعين اللبنانيين.

حكاية نضالية أخرى في حضرة القضية الفلسطينية بطلها الشعب اللبناني أيضاً ففي 17 أيار 1983 تمَّ التوصل إلى اتفاق سلام بين الحكومة اللبنانية والكيان الاسرائيلي هبَّ على أثره الشعب اللبناني بمعظمه بهدف إسقاط اتفاق العار والاستسلام، وبغض النظر عن الأهداف السورية التي دفعت باتجاه هذه الثورة على المستويين السياسي والشعبي وكذلك رغبة بعض الأحزاب في ربط المسارين اللبناني والسوري للتربع على عرش السلطة التي ستوفرها لاحقاً الوصاية السورية والتي لم يكن لبعض الأحزاب أي إيمان بالقضية الفلسطينية إذ قام بعضها باجتياح المخيمات وعقد التسويات وإتمام الصفقات على حساب الفلسطينين، إلا أنه كان للشعب اللبناني كلام آخر. فقد انطلقت مظاهرات حاشدة في أنحاء البلاد رافضة اتفاق 17 أيار وداعية إلى إسقاطه.

أسماء كثيرة لعبت دوراً تاريخياً في تحقيق الوصول إلى إعادة تصويب بوصلة لبنان الرسمي باتجاه القضية الفلسطينية كل حسب موقعها ودورها، ومن أبرز هذه الأسماء: المشايخ: المفتي حسن خالد، عبد الحفيظ قاسم، عفيف النابلسي، ماهر حمود، راغب حرب، السيد محمد حسين فضل الله، النواب: مصطفى سعد، حبيب صادق، جعفر شرف الدين، زاهر الخطيب، نجاح واكيم، ألبير منصور، عبد الله الراسي، ريمون إده، ناظم القادري، رائف سمارة، سليم الداوود، صالح الخير، حسن الرفاعي، عبد المجيد الرافعي وغيرهم، الرؤساء تقي الدين الصلح، رشيد الصلح، رشيد كرامي، سليمان فرنجية، حسين الحسيني وأمين الحافظ، والأحزاب حركة “أمل” (نبيه بري) و”التقدمي الاشتراكي” (وليد جنبلاط) و”السوري القومي الاجتماعي” وشهيد التظاهرات الشعبية المنددة علي نجدة بالاضافة إلى منظمات اجتماعية وثقافية عديدة أثبت الشعبُ اللبناني بصورة جديدة أن القضية الفلسطينية راسخة في وجدانه وعقيدته وإيمانه وهو لهذا السبب لا ينفك يدافع عن الأقصى ثالث الحرمين الشريفين ويناصر القدس مهد الشرائع والحضارات.

بعيداً من الحسابات السياسية التي تعقدها الأحزاب والتيارات والحركات بوضع القضية الفلسطينية كجزء من أوراق عملها السياسي أو تبني لبنان الرسمي لهذه القضية، فإن كلمة الشعب تعلو ولا يُعلى عليها وشعوب الدول العربية المطبّعة مع إسرائيل خير دليل على انفصام هذه الأنظمة عن شعوبها التي لا تزال متمسكة بقداسة القضية الفلسطينية وأحقيتها مهما طال زمن الباطل.

شارك المقال