لكِ الله يا غزة

لينا دوغان
لينا دوغان

حتى لحظة كتابة هذه السطور، وغزة بين يدي الله، فهي لا تفعل شيئاً سوى توديع الشهداء ومحاولة انقاذ الجرحى بما بقي لديها من طاقة استشفائية، في ظل غطرسة اسرائيل الواضحة باتجاه الاستمرار في جرائمها ومواصلة القصف من دون القبول بأية هدنة، وهو ما يعثر بصورة مباشرة أي فرصة للمضي في أية مفاوضات، أو حتى ايجاد حلول.

على خط مفاوضات الأسرى تعمل قطر وبجهد كبير وواضح ، فهي الآن في واجهة هذا الملف منذ معركة “طوفان الاقصى”، تتوسط في إطلاق سراح الأسرى لدى “حماس”، وتنخرط في مساعي إجلاء الرعايا الأجانب من غزة.

ولكي يبقى ملف الاسرى مرناً، سعت قطر وعبر طرق ديبلوماسية الى تأخير الهجوم البري، الا أن التصعيد الكبير في غزة والدخول في التوغل البري أدى الى تكبيل الجهود الرامية الى تحرير أكثر من ٢٠٠ أسير لدى “حماس”، ما ينذر بأن المفاوضات التي تجريها قطر في موضوع الأسرى ستصبح أكثر صعوبة لكنها ستستمر على الرغم من كل ما نشهده من تصعيد.

أما على خط المفاوضات السياسية، فلا تقدم يذكر، خصوصاً بعد عقد العديد من اللقاءات والاجتماعات بين كل الدول الغربية والعربية المعنية، إن كان في مجلس الأمن والمواقف التي صدرت، أو مؤخراً في عمان حيث عقد اجتماع عربي – أميركي، كان الهدف منه البحث في الجهود الرامية الى وقف العدوان الاسرائيلي على غزة، والحد من تدهور الأوضاع الانسانية، وضرورة ضمان إيصال المساعدات الاغاثية العاجلة من دواء وغذاء ووقود إلى القطاع لمواجهة الظروف الكارثية التي يعانيها السكان. وكان هناك موقف عربي موحد لوقف فوري لإطلاق النار، قابله موقف أميركي على لسان وزير الخارجية أكد تمسك الولايات المتحدة بحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها واعتبار وقف اطلاق النار فرصة ثانية لـ “حماس” لتكرار ما حصل في ٧ تشرين الأول.

التباين الواضح الذي ظهر في اجتماع عمان، يوضح بما لا يقبل الشك أن الولايات المتحدة ماضية في دعمها للاجرام الذي تقوم به اسرائيل في غزة، مقابل مواقف عربية تحاول الدخول في حلول سياسية تنهي الصراع بهدف الوصول الى السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين سبيلاً لضمان أمن المنطقة وكل شعوبها.

وبين السياسة والميدان، أطل الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله بعد طول انتظار، ليتحدث عن عملية |طوفان الأقصى” التي اعتبرها فلسطينية مئة في المئة ولم يكن على علم بها، وهو ما اعتبره سر نجاحها، مشيداً بالساحات الأخرى التي تحركت خصوصاً في اليمن والعراق على يد الحوثيين والحشد الشعبي.

حول هذا الخطاب المنتظر اختلفت الآراء، قسم اعتبره كما قال نصر الله دخل الحرب في ٨ تشرين الأول ولكن في الوقت نفسه كان برأيه خطاباً حريصاً على عدم ادخال لبنان في هذه الحرب الا اذا أدخلتنا اسرائيل فيها، وحتى الساعة ليست لديه نية لتوسيع نطاق الاشتباك في الجبهة مع إسرائيل، على الأقل في المرحلة الحالية. كما نظر اليه قسم كبير على أنه خطاب عادي جداً لم نسمع فيه سوى ما تعيشه غزة وما قامت به “حماس”، ويبقى الوضع في لبنان فقط في حالة اشتباك وتوتر وليس في حالة حرب، كما اعتبر أيضاً أن تحرك “حزب الله” مرتبط بإيران وان كان يساند “حماس” ويؤيد ما قامت وتقوم به في مواجهتها للعدو الاسرائيلي.

لكن نصر الله أيضاً ترك كل الخيارات مفتوحة، عندما توجه إلى الأميركيين مباشرة وحدد مسارات لما ستكون عليه الأمور في المرحلة المقبلة، خصوصاً اذا تمادى العدو وطال المدنيين وهذا سيعيدنا إلى قاعدة المدني مقابل المدني.

أما وقد وقع هذا الأمر واستهدفت طائرة اسرائيلية سيارة مدنية وقتلت ثلاثة أطفال فيها، فبماذا وكيف سيكون الرد ونحن على موعد جديد مع كلمة نصر الله الثانية بعد حرب غزة؟

الأحداث تتسارع بصورة كبيرة خصوصاً في الميدان، فهل يمكن أن نكون قد اقتربنا من خرق على المستوى الديبلوماسي، أم أن الأمور ستتدحرج بالاتجاه السلبي لنكون أمام مشهدية جديدة من الحرب، التي لا تزال اسرائيل مصرة على اعتبارها طويلة وصعبة، حتى القضاء على “حماس” التي تتخذ من المدنيين دروعاً بشرية؟

حتى اللحظة لا أحد يستطيع تحديد توقيت الحلول، ولا أحد يريد تحمل مسؤولية توحيد الساحات حتى وإن قيل فيها الكثير، لهذا لكِ الله يا غزة على أيام قاسية صعبة، وأنتم يا أهل غزة تنحني لكم الرؤوس حزناً ووجعاً وخجلاً.

شارك المقال