نازح من قلب القطاع: غزة كلها مش آمنة… وبيوتها مفجوعة

منى مروان العمري

وصَف وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت الفلسطينيين في قطاع غزة بـ”الحيوانات البشرية”، وأعلن فرض حصار كامل على سكّانه حيث “لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود” عقب عملية “طوفان الأقصى” في السابع من تشرين الأول الماضي. ومنذ بدء التصعيد الاسرائيلي، أشارت مصادر طبية الى أن أعداد القتلى والجرحى تزداد بصورة كبيرة إثر عمليات القصف الواسعة وغير المسبوقة التي ينفذها الجيش الاسرائيلي ضد غزة، بالاضافة إلى عدم القدرة على انتشال الضحايا من تحت ركام المنازل التي دمّرها ما دفع الأهالي الى النزوح إلى مناطق يُعتقد أنها “آمنة”. وتشير التقديرات التابعة للأمم المتحدة الى أن أعداد النازحين في غزة بدأت تقترب من مليون نازح، من أصل 2.2 مليون مواطن غادروا مساكنهم متّجهين إلى مدارس غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، ليتفاجؤوا بعدم وجود مقومات للحياة فيها فضلاً عن دوي إنفجارات قوية بالقرب منها واحتمالية كبيرة لاستهدافها، فالاحتلال لا يخشى شيئاً وكل التوقعات ممكنة.

الساعة تساوي يوماً

الجيش الاسرائيلي طلب في وقتٍ سابق، من سكان الشمال الاتجاه نحو الجنوب، بالاضافة إلى ظهور دعوات على وسائل التواصل الإجتماعي لسكان الجنوب لإيواء النازحين القادمين من مناطق الشمال في بيوتهم، ومؤازرة العائلات بعد مبيتها في الشوارع والأماكن العامة لعدم توافر أماكن للإقامة.

ويستغرق الطريق من شمال غزة إلى الجنوب نحو ساعة تقريباً بالسيارة، لكن هذه الساعة مختلفة تحت القصف، فبحسب شهادات العائلات التي وصلت إلى الجنوب وأفادت بأن الخوف من تعرّضها للقصف في الطريق، جعلها تشعر وكأن الطريق استغرق يوماً كاملاً! ووفق مصادر فلسطينية، فقد نزَح بالفعل عدد كبير من الفلسطينيين من شمال القطاع إلى مناطق الجنوب خلال الأيام الماضية، وتركزوا في المدارس التابعة للأمم المتحدة وفي المستشفيات وآخرون عند أقاربهم، فهدف الاحتلال من هذه الحرب ينطوي على تشريد الناس والتلاعب بأعصابهم وايهامهم بأن غزة فيها مكانٌ آمن وفي الحقيقة لا أمان إطلاقاً.

وفي سياقٍ آخر، أفادت مصادر معنيّة بأن النازحين في مناطق مختلفة من غزة وبالتحديد النازحون من مناطق الشمال إلى الجنوب بدؤوا بتجميع بعضهم البعض في محاولة للعودة في وقتٍ متزامن إلى مناطق شمال غزة كتعبيرٍ عن رفض الفلسطينيين خطة التهجير الاسرائيلية، ولكن ليس واضحاً حتى الآن ما إذا ما كانوا قد تمكنوا بالفعل من العودة أم لا، خصوصاً مع صعوبة الحركة في الشوارع الرئيسة، وخوف السائقين من التنقل خشية أن يقصفهم جيش الاحتلال، بينما تظاهر آخرون في شارع الهوجا شمال قطاع غزة، تأكيداً على رفضهم النزوح من الشمال إلى الجنوب.

“إن لم نمُت في الحرب سيقتلنا السرطان”

“الحمد لله، إحنا بعدنا على قيد الحياة ولسّه منتنفس، بس مش عايشين”، بهذه الكلمات عبّر وسيم لطفي (33 عاماً) لموقع “لبنان الكبير”، عن حالته، وهو أب لطفلين، وأحد النازحين مع عائلته الكبيرة إلى جنوب القطاع بعد أن أجبرهم جيش الاحتلال على ترك منازلهم والنزوح إلى مناطق يدّعي أنها “آمنة” لكنها في الحقيقة لا تخلو من القصف الجوي المكثف.

ويصف وسيم الأوضاع في غزة بأنها “صعبة جداً، رائحة الدم في كل مكان، كل بيت في غزة منكوب ومفجوع، ولادنا بيتنفّسوا فوسفور وبارود، احنا صح على قيد الحياة بس مش بخير”. ويقول: “نحن لا ننام ولا يغمض لنا جفن، نتحسس أطفالنا كل صباح، ولا نصدّق أننا ما زلنا على قيد الحياة وكأنها معجزة، نسأل أنفسنا كل يوم، كيف بعدنا عايشين؟ معقول بعدنا بخير؟ لكن أشكالنا بتخزي فعلاً، صرنا زي الأشباح”.

ويضيف بأسف: “أصعب شي وقت يجي الليل، منخاف من الليل كتير، صوت القصف والضرب والصراخ ومشاهد الدمار. الزعل كتير كبير، كل بيوت غزة مفجوعة، الفوسفور اللي عم نشمّه وحده كفيل يقتلنا، إذا ما متنا من الحرب رح نموت من السرطان بعد الحرب. بيوتنا ما منعرف شي عنها، اللي بعرفه اني خسرت بيتي وحتى مكان شغلي، بس كله مش مهم، المهم تخلص الحرب لأننا تعبنا”.

ويؤكد أن “هذه المرة هي الأولى من نوعها التي تتعرض فيها غزة لهذه الوحشية والعنف في القصف والضرب وارتكاب المجازر واستهداف الأطفال والنساء بصورة مباشرة من دون رادع أو حساب في ظل صمت دولي”، مشدداً الى أن “غزة كلها مش آمنة، ومعرّضين بأيّ لحظة ننقصف، بس إذا طلعنا من الحرب عايشين، أول شي رح أعمله إني أنزل مع عيلتي على مصر”.

شارك المقال