قراءة في خطاب نصر الله (٣)… إنقسام إسرائيلي بين الارتياح والحذر

زياد سامي عيتاني

منذ أن أعلن عن أن الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله سيلقي خطاباً الجمعة الماضي، ترقب الداخل الاسرائيلي ما سوف يعلنه بعدما بقي غائباً حوالي الشهر منذ عملية “طوفان الأقصى”، وحاول الخبراء والمحللون والمختصون استشراف أقواله، وماذا سيكون لخطابه من وقع على مجريات العدوان الذي يشنه جيش الاحتلال ضدّ قطاع غزّة منذ السابع من تشرين الأول المنصرم. وهذا الاهتمام الاسرائيلي بخطاب نصر الله يؤكد أن الكيان يأخذ على محمل الجّد موقفه، ويخشى أنْ يكون خطابه بمثابة إعلان حرب قد تقود إلى حرب إقليمية في الشرق الأوسط، وإجبار إسرائيل على خوض الحرب على عدة جبهات. وقبيل خطابه كانت التقديرات في جهاز الأمن الاسرائيلي أن نصر الله هو الذي سيتخذ القرار بشأن الحرب، بعد مشاورات مع إيران.

الجدير بالذكر أن الرقابة العسكرية الاسرائيليّة منعت وسائل الاعلام العبريّة من نقل خطاب نصر الله ببث حي ومباشر. علاوة على ذلك، لاحظ المستشرق تسفي يحزكيئيلي في القناة الـ 13 في التلفزيون العبريّ أنّ نصر الله قام بتقديم خطابه من ساعات الليل إلى الساعة الثالثة بعد الظهر بتوقيت فلسطين، بهدف السيطرة على الأجندة الاعلاميّة في الكيان، إذ ان وسائل إعلامه كانت تنتظر بفارغ الصبر الخطاب لأهميته التاريخيّة في هذه المرحلة، خصوصاً مع الخشية من أن يكون بمثابة إعلان حرب. إلى ذلك، توقع المحلل في صحيفة “هآرتس” حاييم ليفينسون أن يضع نصر الله في الخطاب، خطوطاً حمراً، إن تجاوزتها إسرائيل، فسيقوم “حزب الله” بتوسيع المواجهة في الشمال بصورة كبيرة. وأعرب عن اعتقاده أنّ هذا التهديد سيكون موجهاً ليس الى إسرائيل وحسب، بقدر ما هو للولايات المتحدة الأميركية أيضاً وبصورة واضحة.

وعلى الرغم من أن خطاب نصر الله إستمر على مدى ساعة ونصف الساعة، فإنه لم يخرج عن سياسة “الغموض الاستراتيجي” الذي إعتمده منذ بدء حرب الحرب على غزة، خصوصاً عندما أعلن أن الاحتمالات “مفتوحة” على الجبهة الشمالية، من دون أن يتحدث عن تصعيد وشيك، ورهن الأمر بما يحدث في غزة وسلوك إسرائيل. واللافت مسارعة رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى الرد على نصر الله مهدداً إياه ضمناً، بعيد خطابه مباشرة بالقول: “أي خطأ يرتكبه أعداء إسرائيل في الشمال، سيؤدي إلى ثمن لا يمكن حتى تخيله”.

ويعتقد محللون في تل أبيب أن حديث نصر الله وضع حدوداً للتصعيد مع إسرائيل، وكلماته كانت بمثابة “أمر رمزي” لإظهار التضامن مع الشعب الفلسطيني من دون أن تخرج الأمور عن السيطرة. واعتبر المحللون أن حديث نصر الله “كان متوقعا” ولم يخرج عن النطاق العادي، لأن “حزب الله” لا يريد فتح جبهة إضافية للحرب، في حين أن الاشتباكات التي نراها على الحدود محدودة، وتأتي في سياق التضامن الرمزي مع حركة “حماس”، لكن من جهة أخرى لا يريد الدخول في حرب شاملة مع إسرائيل. وكانت هناك تقديرات إسرائيلية تفيد بأن “حزب الله” لن يغامر بخوض حرب مع الدولة العبرية. وفي هذا الاطار، قال وزير الدفاع يوآف غالانت: “إن حزب الله لا يريد تحويل بيروت إلى غزة”.

مقابل هذا الرأي، فإن محللين آخرين يعتبرون أن من المحظور أن يشيع مضمون خطاب نصر الله جواً من التفاؤل في إسرائيل، مشيرين الى أن الجدير بصناع القرار ومسؤولي المؤسسة الأمنية الامتناع عن فهم خطاب نصر الله بأنه خفيف ويعكس مشاعر خوف لديه. ويؤكدون أن هناك واجباً إسرائيلياً بالتمحور في توضيح نصر الله أن ردود “حزب الله” تشتق من طبيعة العمليات والتطورات في غزة، ففي حال تعرضت “حماس” لضربات دراماتيكية كقتل قادتها، من الممكن أن يشعر “حزب الله” بضرورة تصعيد قوة خطواته وهذا أمر من شأنه الانزلاق بسرعة الى حرب واسعة في الشمال.

على الرغم من أن موقف نصر الله فسُّر إسرائيلياً بأنه لا يرغب في دخول المعركة على نطاق واسع، مع إقتناعه بأن إسرائيل ليست لديها نية في توسيع المعركة، فإن ذلك ليس مقداراً كافياً لاطمئنان إسرائيل، تبعاً لمسار التطورات، الى إبقاء قواعد الاشتباك تتحكم بالمواجهات المدروسة على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية.

شارك المقال