بين الواقع والأوهام: 4 سيناريوهات لنهاية حرب غزة!

عاصم عبد الرحمن

يقول الفيلسوف الصيني سون تزو في كتابه “فن الحرب” إن التكتيكات من دون استراتيجية هو الضجيج الذي يسبق الهزيمة. فمنذ انفجار “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول 2023 يقوم الاسرائيليون بجعجعة إجرامية متطرفة بلا طحين تحقيق أهدافها العسكرية المتمثلة في تحطيم “حماس” عسكرياً لتصفيتها سياسياً. ارتباكٌ صهيوني في مقابل صمود فلسطيني يفتح الباب التخميني على مصراعيه أمام سيناريوهات واقعية لنهاية المعركة وأخرى أقرب إلى المستحيل وفق ما تشتهيه الأنفس الاسرائيلية، فأي منها الأقرب إلى الواقع؟

إلى أن تضع الحرب أوزارها وتتكشف العظائم التي يخبئها ركام الحقائق المبعثرة بين الصدمة التي أحدثتها “كتائب القسام” – الجناح العسكري لحركة “حماس” بحق الكيان الصهيوني الغاصب والذل الذي ألحقه الغزو الغزاوي بجيش الاحتلال الذي لطالما مارس لعبة الاجرام بهدف الإخضاع منذ ارتكابه جريمة الابادة الجماعية في قرية دير ياسين في 9 نيسان 1948 لترويع السكان الآخرين وبالتالي هروبهم من بطش الإرهاب الصهيوني المستفرس،

في اليوم الـ 40 لانفجار “طوفان الأقصى” سيتم التعامل مع الأعداد المعلنة لعدد القتلى الاسرائيليين بين مدني وعسكري بأكثر من 1400 بالاضافة إلى أسرى يبلغ عددهم نحو 250 قضى بعضهم بنيران الاحتلال من دون أن يرف له جفن، فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يسعى إلى إنجاز انتصار عسكري في الميدان الغزاوي لإبعاد أنياب المقصلة السياسية والعدلية التي تنتظر نهش عنقه عقاباً على تقصيره الفادح في حماية الكيان وفق ما يزعمه الاسرائيليون ولو تمَّ ذلك على حساب أسراه أو مقتل المزيد من جنوده، إذ إن معركته باتت مسألة حياة أو موت وشبه محسومة بموته سياسياً مهما أطال المعركة.

سيناريوهات أربعة متوقعة تتأرجح بين الواقعية والمستحيل. وبما أن الاحتلال لا يحتمل حرباً أكثر من 80 يوماً وفقاً للتقديرات العسكرية لدى معاهد البحث العسكري العالمية، فمن المتوقع أن تلجأ الولايات المتحدة الى إنقاذ الكيان الاسرائيلي تحت غطاء إجباره على القبول بحلول ما لإنهاء الحرب وهو ما ألمح إليه غير مرة وزير خارجية العدو إيلي كوهين عن وجود ضغوط دولية تمارس على إسرائيل لإيقاف وحشيتها بحق الفلسطينيين.

وعليه، فإن هناك سيناريوهين واقعيين يعتبر أحدهما تقليدياً وأكثر تواضعاً والآخر تقدمياً وأكثر طموحاً.

السيناريو الأول: العودة إلى ما كان عليه الوضع ما قبل السابع من تشرين الأول، تبادل للأسرى والرهائن بين إسرائيل و”حماس”، إطلاق مشاريع إعادة إعمار غزة والتمهيد لعملية سياسية تبدأ بإجراء انتخابات نيابية وتنتهي بتشكيل سلطة فلسطينية جديدة وفقاً لما يقرره الفلسطينيون، وإن فازت فيها أو بمعظمها حركة “حماس” فسيتم القبول بخيار الشعب الفلسطيني والتعامل مع حكومته أياً كانت عملاً بالمبادئ الديموقراطية.

السيناريو الثاني: عقد مؤتمر دولي بمشاركة كل القوى الدولية والاقليمية والعربية الفاعلة بالاضافة إلى الفلسطينيين بمن فيهم حركة “حماس”، فالمقاتلون والمتمردون عندما يفاوضون ديبلوماسياً يرغبون بالمشاركة في السلطة، وذلك لتفعيل مبادرات حلّ الدولتين ووضعها على سكة التنفيذ لعل أبرزها قيام دولة فلسطينية على حدود 4 حزيران 1967 التي أعلنت “حماس” سابقاً عن قبولها بهذا الخيار. وعلى الرغم من أن هذا السيناريو يعتبر أكثر طموحاً بإمكان حدوثه فمن المستبعد أن يقبل به الاسرائيليون الذين يطمحون إلى خيارات أكثر تطرفاً إلا إذا رغبت الولايات المتحدة في إنهاء الصراع العربي – الاسرائيلي على اعتبار أن إسرائيل المهزومة قد ترضخ لواقع التسويات متى وجدتها خياراً شبه وحيد.

سيناريوهان آخران يعتبران الأكثر تطرفاً وإرهاباً في تاريخ الصراع العربي – الاسرائيلي يندرجان في خانة المستحيل مهما استفحلت غطرسة العدوان الصهيوني على الفلسطينيين، فلطالما كان صاحب الأرض سلطاناً على ملكه متمسكاً بهويته ممسكاً بترابه.

السيناريو الأول: سقوط غزة تحت الاحتلال الصهيوني وإمساك السلطات الاسرائيلية بزمام أمورها وإدارة شؤونها وبالتالي ترحيل “حماس” و”كتائب القسام” إلى بلد مضيف. هذا السيناريو يستحيل تطبيقه فالولايات المتحدة التي أشاعت مفهوم مرحلة “ما بعد حماس” عادت واستدركت استحالة هذا الخيار معلنةً أن الشعب الفلسطيني هو مَنْ يقرر مصيره.

أما مؤيدو هذه النظرية فإنهم يركنون إلى تجربة إخراج ياسر عرفات ومنظمة التحرير من لبنان في 30 آب 1982 وإنهاء “فتح” كتنظيم عسكري، ثم صنّفت الولايات المتحدة عرفات إرهابياً واعتمدت حنان عشراوي وحيدر عبد الشافي كبديلين عنه في مفاوضات مؤتمر مدريد عام 1991 لتجد نفسها مضطرة الى التراجع عن قرارها على أثر إدراكها استحالة توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 من دون رئيس السلطة الفلسطينية هو نفسه الارهابي بحسب توصيفها ياسر عرفات.

السيناريو الثاني: إسقاط غزة والقضاء على “حماس” سياسياً وعسكرياً وتهجير الفلسطينيين إلى سيناء لاستكمال سيطرة الاسرائيليين على مزيد من الأراضي العربية تمهيداً لترحيل أهالي الضفة إلى الأردن وإعلان دولة إسرائيل على كامل الأراضي الفلسطينية.

سيناريو يعتبر الأكثر رواجاً في الأروقة السياسية والعسكرية الاسرائيلية والأكثر ترويجاً بين صفوف الصحافيين والأكاديميين والخبراء الاستراتيجيين والعسكريين الاسرائيليين كحل نهائي لاعلان الدولة العبرية ذات الحدود الآمنة.

دعوات إسرائيلية إلى تطبيق السيناريو الأكثر إجراماً وتطرفاً تواجهه ليس عزيمة الغزاويين وتشبثهم بالحق والأرض والتاريخ وتصدي معظم الديبلوماسية العربية له وحسب، بل هناك معارضة حتى من داخل إسرائيل لمجرد التفكير في سيناريو كهذا على اعتبار أنه كلما تشددت السلطات الاسرائيلية وتعنتت في رفض السلام وأصرت على تحقيق المشروع الصهيوني بإقامة الدولة العبرية وتصفية القضية الفلسطينية وحكايتها، كلما عجلت في نهاية مجرد فكرة وجود موطئ قدم قومي لليهود بل تُكتب بذلك نهايته المحتمة وهي نبوءة يؤمن بها معظم الحاخامات الذين يخشون تجمع شتاتهم وقيامة دولتهم التي تنهيهم كتجمع مستقل، لهذا يصر بعضهم على اندماج اليهود في المجتمعات التي ينتمون إليها، وما وقوف بعض الحاخامات في الصفوف الأمامية في التظاهرات المناهضة لاسرائيل حول العالم مرتدين الكوفية الفلسطينية إلا خير دليل على هواجسهم الوجودية.

ليست الآلة العسكرية مَنْ تحدد مصير الشعوب ولا إرهاب الدولة مَنْ يكتب المستقبل ولا غطرسة الإحتلال مَنْ يرسم نهاية القضية، إنما أحرار الشعوب الذين يناضلون بكل ما يملكون من أجل الأرض والتاريخ والهوية. نكبة الـ1948 لن تتكرر فحتى أبناء دير ياسين الذين أبادتهم الميليشيات الصهيونية لإرهاب الفلسطينيين وإخضاعهم ها هي دماؤهم بُعثت في عروق كل فلسطيني يقاوم منذ أكثر من 100 عام ولا يزال لأن أبناء التراب ملوك على تربتهم.

شارك المقال