من نزوح “اليرموك” الى غزة… الهدف واحد

منى مروان العمري

في ظل الحرب الاسرائيلية المستمرة على قطاع غزة واشتداد حدّة القصف الهمجي، يواصل عشرات الآلاف من سكان المناطق الشمالية ترك منازلهم والتوجه جنوباً إلى مناطق يزعم الجيش الإسرائيلي أنها “آمنة”، ويعتبر طريق صلاح الدين هو طريق الخروج الوحيد للمدنيين الفارّين من الحصار المشدد مع توغل الدبابات الاسرائيلية أكثر في القطاع. وتحيي هذه المشاهد ذكريات النكبة عام 1948 التي تبقى عصية على النسيان، فالنازحون الذين يمشون بتثاقل أمام القوات الاسرائيلية والجثث المتحللة يخشون حدوث نكبة جديدة، إذ تهدف إسرائيل الى تنفيذ تطهير عرقي، عبر تهجير مئات الآلاف إلى سيناء. وقال نائب وزير خارجيتها الأسبق داني أيالون، في مقابلة تلفزيونية: “إن على سكان غزة مغادرة القطاع، والتوجّه إلى صحراء سيناء، ومن ثمّ على مصر أن تستقبلهم هناك في مدن يتوافر فيها الغذاء والمياه، إذ إن هناك مساحة لذلك”. وأضاف: “يستطيعون أن يعيشوا في مناطق مفتوحة، وسنقوم نحن والمجتمع الدولي بإعداد البنية التحتية وبناء 10 مدن من الخيام وإمدادهم بالطعام والمياه. هناك طريقة لاستقبالهم في الجانب الآخر (صحراء سيناء)، ونحن لا نقول لهم اذهبوا إلى الشواطئ وأغرقوا أنفسكم، إنّما نريد فتح ممرّ إنساني حتى يتمكّنوا من المغادرة، وعلى مصر أن تلعب دوراً فاعلاً في ذلك”.

لكن الفلسطينيين يدركون أبعاد المخطّط الاسرائيلي، وجاء الموقف الحاسم برفض التهجير، والذي عبّر عنه رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية، قائلاً: “إن أهل غزة متجذّرون في أرضهم ومتمسّكون بوطنهم ولن يخرجوا منه”. وشدد على أن “لا هجرة من الضفة ولا من غزة، ولا هجرة من غزة إلى مصر”، محيّياً “الأشقاء في مصر، وأقول لهم إن قرارنا أن نبقى في أرضنا، وإن قراركم هو قرارنا”. وهذا الموقف تبنّته السلطة الفلسطينية أيضاً على لسان رئيس الحكومة محمد اشتية، الذي أكد أن “اللجوء الذي حصل عام 1948 لن يتكرّر… شعبنا لن يغادر أرضه، ومنذ العام 1950 وإسرائيل تحاول توطين اللاجئين في الدول العربية، واليوم تحاول توزيع سكان قطاع غزة على دول العالم”. وتبدي مصر من جهتها، موقفاً صارماً برفضها التام فكرة تهجير أهالي غزة إلى شمال سيناء في الوقت الحالي.

“اليرموك” عاصمة الشتات الفلسطيني

مع بداية الحرب السورية في العام 2011، شهد مخيم اليرموك موجات نزوح عديدة، شملت أكثر من 80% من سكانه إلى محيط دمشق والمحافظات الأخرى، إذ لم يفرّق النظام السوري في ضرب معارضيه أيّاً كانت هويتهم أو انتماءاتهم أو أماكن إقامتهم، لذلك لم ينجُ الفلسطينيون من النزوح أو الاعتقال أو الموت.

وبعد أن شنّت طائرات النظام غاراتها الأولى على مخيم اليرموك عام 2012، على الرغم من أن المكان والزمان مختلفان والمنفّذ مختلف أيضاً، لكن النتيجة بالنسبة إلى اللاجئين الفلسطينيين في سوريا هي واحدة، بعد مشاهد الدمار في كل مكان في ما يعرف بعاصمة الشتات الفلسطيني “مخيم اليرموك” في دمشق، ما أعاد الى أذهان الفلسطينيين في سوريا أحداث التغريبة الفلسطينية والمعاناة مع الاحتلال إبان نكبة 1948.

ويتلاشى الأمل في عودة مخيم اليرموك كما كان سابقاً، بوصفه أكبر تجمّع للاجئين الفلسطينيين في الخارج، وعاصمة للشتات الفلسطيني، ورمزاً لحق العودة، والمدينة التي لا تنام، وقلب دمشق التجاري، وذلك بعدما طالته نكبات الحرب، وحولته إلى منطقة يطغى عليها الدمار وتكاد تخلو من السكان، بعدما أُجبرت الغالبية العظمى من سكانه على النزوح منه.

في هذا السياق، أشار الكاتب والاعلامي المتخصص بالشأن الفلسطيني حمزة بيشتاوي لموقع “لبنان الكبير” إلى أن “استهداف مخيم اليرموك هو استهداف مباشر لقضية اللاجئين الفلسطينيين والعمل على تهجيرهم من المخيم ويصب في سياق ما ترتكبه العصابات الصهيونية اليوم في قطاع غزة”، مؤكداً أن “العدو الاسرائيلي هو المستفيد الوحيد مما حلّ بالشعب الفلسطيني سواء من تهجير من مخيم اليرموك في دمشق، أو ما يحصل اليوم من إبادة جماعية في غزة، باعتبار أن أصل القضية الفلسطينية هو التهجير القسري الذي تعرّض له الشعب الفلسطيني في العام 1948 واستمرار النضال من أجل العودة الى الوطن”.

إزدواجية في المعايير؟

وكان الرئيس السوري بشار الأسد أعلن خلال مشاركته فى القمة العربية الاسلامية بشأن غزة التي انعقدت في المملكة العربية السعودية، أن “فلسطين هي القضية والحديث عن غزة بصورة منفردة يضيع البوصلة فهى جزء من كل”، معتبراً أن “الكيان ازداد عدوانية والوضع الفلسطيني والعدوان الأخير عليها مجرد حدث في سياق طويل يعود إلى 75 عاماً من الاجرام الصهيوني مع 32 عاماً من سلام فاشل”.

وتعليقاً على ذلك، أكد مصدر مطلع فضّل عدم ذكر إسمه لموقع “لبنان الكبير” أن “إسرائيل اليوم تعطي إنذاراً مُسبقاً للمناطق التي تريد قصفها، بينما في الحرب السورية لم يكن النظام يعطي المدنيين إنذاراً مسبقاً لاخلاء البيوت، فقد تم قصف مخيم اليرموك فوق رؤوس ساكنيه وتهجير غالبيتهم، إذ تعمّد النظام القصف والتدمير والنزوح والاعتقال بحق الفلسطينيين، ما أعاد الى أذهانهم ذكرى نكبتهم وأصبحت النكبة نكبتين”.

شارك المقال