“صواني” البطريرك والنوايا الخبيثة!

جورج حايك
جورج حايك

لم يأتِ في فكر البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي أي نيّة بالاساءة إلى أحد، عندما تكلّم في مؤتمر الاعلان عن “اليوم العالمي للفقير” الذي أطلقه قداسة البابا فرنسيس بعنوان “لا تحول وجهك عن الفقراء”، طالباً من كل الرعايا والأبرشيات تقديم مبالغ من الأموال بقدر امكاناتها وتقديم الصواني يوم الأحد “لمساعدة أهلنا في الجنوب”. سرعان ما بدأت حملة من بعض أنصار الممانعة على البطريرك عبر مواقع التواصل الإجتماعي، معتبرين أنهم ليسوا فقراء ومحتاجين ولا يريدون أي صدقة.

تلقائياً، امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بالمتهجمين على البطريرك وردود المدافعين عنه، وإتخذت الحملة منحى طائفياً غير حميد. ويعتبر المونسنيور عبدو أبو كسم رئيس “المركز الكاثوليكي للإعلام” أنه “لم يكن هناك داعِ لرد الفعل هذا على مبادرة البطريرك، لأن جمع الصواني الهدف منه المحبة والتضامن، بادر فيه البطريرك للوقوف مع شعبه، وأبناء وطنه والاهتمام برعاياه المسيحيين”، لافتاً إلى أن “جمع الصواني تقليد كنسي مسيحي قديم من أيام الرسل حتى اليوم، وهذا ما فهمه الرئيس نبيه بري مستنكراً الحملة التي تعرض لها البطريرك عن سوء فهم ليس إلا”.

بدت الحملة على البطريرك كأنها مبرمجة، إلا أن أبو كسم لا يعتبرها مبرمجة “لأنها بدأت من شخص لا يفهم معنى جمع الصواني، وهو عمل نبيل نتضامن فيه مع أخينا الانسان، والمؤسف انه انجرّ خلفه بعض الذين يضمرون بعض العصبية ضد البطريرك، لكن ماذا فعل؟ هل شتم الدين؟ هل أهانهم؟ لا نعرف السبب!”.

واللافت ان أهالي الجنوب ليسوا من الطائفة الشيعية الكريمة وحسب، إنما ينتمون إلى كل الطوائف: السنّة والدروز والمسيحيون والشيعة. ويستطرد أبو كسم: “نحن لا نفرّق بين اللبنانيين، لكن للذين انزعجوا من كلام البطريرك، يمكن أن يعتبروه موجّهاً الى الرعايا المسيحيين هناك وانتهى الموضوع”.

لا شك في أن دور مواقع التواصل الإجتماعي يبدو سلبياً في ظل الخلافات السياسية بين اللبنانيين، ويوضح أبو كسم أن “هناك أشخاصاً متهوّرين على مواقع التواصل، إلا أننا ككنيسة لدينا تواصلنا مع المراجع الرسمية الشيعية، وقد حصل لقاء بين المسؤول الاعلامي في بكركي وليد غياض والمسؤول عن ملف العلاقات مع القوى المسيحية في حزب الله محمد الخنسا قبل يومين من الحملة، ثم استكمل التواصل لمعالجة المشكلة، وأنا على تواصل دائم مع سيدنا البطريرك والرئيس بري، بدليل أن الرئيس بري والسيد الخنسا تفاجآ بالحملة واستنكرا هذا المنحى السلبي. لذلك أضع هذا الموضوع في خانة الولدنات وليس سوى عمل مغفّل”.

لا شيئ يوقف عمل الخير في الكنيسة، ويطمئن أبو كسم الى أن “عمل المحبة لا يتوقف أمام حملات سخيفة، من يحب أن نساعده فأهلا وسهلاً، ومن لا يحبّ نحن نحترم حريته، نحن جزء من هذا المكوّن اللبناني الجنوبي، ومواقف المسؤولين في الثنائي الشيعي مشجّعة، نقف إلى جانب بعضنا البعض في هذه الظروف الصعبة، ولا يجوز أن نستثمر بموضوع تهجمّات بعض المغفلين إنما بوحدتنا الوطنية”.

طبعاً ما قاله المونسنيور أبو كسم يعبّر عن موقف الكنيسة المارونية، إنما هذا لا يخفي امتعاضاً شديداً لدى القوى المسيحية السياسية نتيجة تكرر الحملات ضد البطريرك الماروني، وقد سبق أن حصل ذلك عام 2020 عندما شنّ بعض أنصار محور الممانعة حملة على البطريرك الراعي الذي كان يعمل على الحياد بالتشاور مع الفاتيكان والفرقاء المحليين والاقليميين لانقاذ لبنان مما يتخبط به. فانتفض هؤلاء على وسائل التواصل الاجتماعي مطلقين هاشتاغ “راعي العملاء” في إشارة واضحة منهم الى نيتهم ورغبتهم في إبقاء لبنان ساحة مستباحة خدمة لمشغّليهم. وتعرّض لحملة أخرى عام 2021 بسبب انتقاده صواريخ “حزب الله”!

وتُجمع هذه القوى المسيحية على أن لا شيئ يبرر ردّ الفعل المجنون كل مرة من بعض الموتورين على كلام البطريرك في وسائل التواصل الاجتماعي، وتتساءل هل ممنوع على البطريرك أن يعبّر عن رأيه؟ والراعي برأي أكثرية القوى المسيحية ينتمي إلى سلسلة البطاركة التي كسرت حواجز الخوف وواجهت الظلم وأسقطت احتلالات وديكتاتوريات، وحتماً هو لا يخشى الترهيب والتهديد والتخوين! ويُطالب هؤلاء البطريرك بأن لا يتساهل مع مَن ورّط لبنان في الحرب وهجّر أهل الجنوب وكبّد لبنان المنهار الخسائر الفادحة بمليارات الدولارات!

واللافت أن هناك دعوات من كل القوى والفعاليات المسيحية للمشاركة بكثافة في قداديس يوم الأحد والتبرُّع في الصواني وغيرها لأهلنا في الجنوب من أجل الصمود في قراهم وأرضهم ومنازلهم في مواجهة مَن يعمل عن سابق تصور وتصميم على تهجيرهم بالحروب والانهيار.

ولعل المطلوب في هذه المرحلة الخطرة التي يغامر فيها تنظيم مسلّح بالاستقرار اللبناني، وفق القوى المسيحية السيادية، أن يرفع البطريرك الصوت ليس ضدّ الحرب وحسب، وإنما الأهمّ ضدّ مَن يحرم اللبنانيين من دولة تُمسك حدودها وتفرض سيادتها وتطبِّق دستورها وتستأثر بقرار الحرب والسلاح وتحاسب كل معتدٍ على أمن اللبنانيين واستقرارهم.

تفتخر هذه القوى بالبطريرك الراعي وتستنكر الحملة الخبيثة ضده، وهي ترى أن حملات التخوين والتجني والترهيب لا تخيفه، وأنّ أهدافه المسيحية في عمل الخير والعطاء والتكاتف الوطني وأهدافه الوطنية بقيام دولة فعلية بسلاح واحد وتحترم التعددية والحرية وتطبِّق الحياد، ستتحقّق عاجلاً أم آجلاً، وأنّ مشاريع الموت والحروب إلى زوال.

شارك المقال