“طوفان الأقصى”… تسمية ارتبطت بأهداف العملية

زياد سامي عيتاني

معركة “الفرقان” في 2008، إلى معركة “حجارة السجيل” في 2012، مروراً بـ “العصف المأكول” في 2014 ثم “سيف القدس” في 2021 و”وحدة الساحات” عام 2022، وأخيراً “طوفان الأقصى”، كلها أطلقت على محطات المواجهة المفتوحة بين المقاومين الفلسطينيين والعدو الصهيوني، دفاعاً عن أرضهم وعقضيتهم… لكن معركة “طوفان الأقصى” التي تحولت منذ السابع من تشرين الأول إلى مواجهة مفتوحة بين الاحتلال والمقاومين، جراء حرب الابادة التدميرية التي يشنها الجيش الاسرائيلي، مختلفة عن كل المعارك السابقة من عدة جوانب. فمن أين جاء الاسم؟ وأي دلالة له؟ وما ظروف اندلاع المعركة؟

قبل الاجابة عن أسباب إطلاق “حماس” هذه التسمية لعملية السابع من تشرين، لا بد من العودة التاريخية الى بدء إطلاق الأسماء على الحروب وأسبابها.

إن تسمية العمليات العسكرية ممارسة حديثة كانت خلال الحرب العالمية الأولى على يد الألمان، وسرعان ما انتشرت بين الدول الأخرى خلال الحربين العالميتين، بعد انتشار الراديو كوسيلة إعلامية مهمة، ويتم فيها اختيار أسماء رنانة ذات تأثير نفسي في الرأي العام وبث روح الحماس في صفوف القوات أو شن حروب نفسية ضد الخصوم لاضعافهم. وقد يتم اختيار اسم قائد عظيم أو إمبراطور كأسماء لتلك العمليات أو أسماء الشهور، مع تجنب إطلاق أسماء الأحياء من الوزراء والقادة وغيرهم على العمليات العسكرية، حتى إن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل كان دقيقاً للغاية في اختيار أسماء العمليات العسكرية، وأصر على أخذ موافقته الشخصية على اسم كل عملية عسكرية قبل تنفيذها.

بالعودة إلى معركة “طوفان الأقصى” المنطلقة من غزة، فإن للتسمية أكثر من دلالة سواء كان ذلك باستخدام مصطلح “طوفان” أو بإضافة القدس اليه. فالمسجد الأقصى تعرض قبيل العملية، وبالتزامن مع الأعياد اليهودية لانتهاكات كبيرة جداً من الاحتلال ووزرائه ومستوطنيه، فضلاً عن تعرض المرابطين والمرابطات لاعتداءات أثارت مشاعر المسلمين ليس في غزة فحسب، بل في أنحاء العالم. لذلك، قررت حركة “حماس” وضع حد لكل جرائم الاحتلال، إذ صرح رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية عقب العملية قائلاً: “لقد حذرنا العالم والحكومة الاسرائيلية الفاشية من المساس بالمسجد الأقصى والقدس، وقلنا لهم لا تلعبوا بالنار، ولا تتجاوزوا الخط الأحمر، ولكنهم صمّوا آذانهم وأعموا أبصارهم”. فبعد أن حاولت المقاومة الفلسطينية بكل السبل ردع الاسرائيليين عن أفعالهم من دون جدوى، كانت هذه العملية النوعية بهذه التسمية، التي ارتبطت بمعنى الحرب وهدفها الأساس وهو المسجد الأقصى، وما يتعرض له من تدنيس ومحاولة تقسيم زماني ومكاني.

إن “حماس” في تسميتها للمعركة لم تلتفت أو تربط بين المعركة وغزة ولا الحصار والآلام التي يتعرض لها سكان القطاع. للتسمية دلالات كبيرة في نفس كل عربي، فالقضية الآن قضية الأقصى التي لا يختلف عليها اثنان في الكل الوطني أو العربي، لا سيما أن هناك إجماعاً عربياً وإسلامياً على رفض الظلم الواقع عليه. فهي تسمية موفقة في طريق تحرير الأقصى وكبح جماح المستوطنين والدولة العبرية تجاهه. ويربط المحللون بين معركة “طوفان الأقصى” ومعركة “سيف القدس” إذ سميت الأولى تيمناً بالحالة الثورية التي كانت عام 2021، وكان هدفها أيضاً المسجد الأقصى.

في هذا السياق، يجب التوضيح أن معاجم اللغة العربية تتفق على أن “الطوفان” هو “ما كان كثيراً وعظيماً”، في حين ورد المصطلح في القرآن الكريم عند الحديث عن هلاك قوم نوح، وذلك بعد إصرارهم على الكفر وعنادهم على الرغم من دعوته عليه السلام لهم. القدس كانت حاضرة بقوة في المواجهات العسكرية التي جرت في السنوات الأخيرة لعدة اعتبارات أولها مكانة القدس والأقصى بصورة أساسية، وهذا له ارتباط بالبعد الديني والهوية الفلسطينية والهوية الاسلامية لمدينة القدس، فضلاً عن أهميتها للعالم المسيحي أيضاً.

إن اختيار عنوان “طوفان الأقصى” لعملية السابع من تشرين المرتبط بالقدس، يخلق حافزاً داخلياً لدى المقاومين بمختلف إنتماءاتهم، وفي الحاضنة الشعبية من جهة أخرى، فالأقصى محل إجماع فلسطيني على الرغم من اختلاف النهج والبرامج السياسية.

شارك المقال