“السيوف الحديدية” تسمية توراتية تلمودية

زياد سامي عيتاني

إختيار القيادة العسكرية الاسرائيلية تسمية عملية “السيوف الحديدية” في حرب الإبادة التدميرية على غزة بعد عملية “طوفان الأقصى”، تحمل في دلالاتها إضافة إلى البعد العسكري “المتغطرس”، بعداً دينياً تلمودياً، لمخاطبة مشاعر اليهود سواء في داخل الكيان الصهيوني، أو المنتشرين في مختلف البلدان الغربية، في محاولة للملمة حالة التشرذم الداخلية، وإستنهاض يهود الخارج، دعماً للحرب الهمجية التي تشن على عزة. وتكاد تكون المرة الأولى التي تحرص القيادة الاسرائيلية على تغليف تسمية حربها بما يرتبط بالتوراة.

-على الصعيد العسكري: بخلاف الأسماء السابقة التي كانت ذات دلالات عسكرية معينة، هدفها التأثير النفسي ولها رمزية على قوة العملية، أطلقت إسرائيل على عمليتها الحالية “السيوف الحديدية” وهي بحسب محللين، عبارة عن مجموعة من العمليات العسكرية التي تستهدف من خلالها عدة مواقع عسكرية تابعة لحركة “حماس” و”كتائب القسّام” بالقذائف والصواريخ، رداً على عملية “طوفان الأقصى”. الجمع في كلمة السيوف، يقصد به الحرب على أكثر من جبهة، سيف حديدي على غزة، ومثله على الضفة الغربية، وثالث على جنوب لبنان، وإذا احتاج الأمر فسيكون الرابع على سوريا، والخامس على إيران!

– على الصعيد الديني: التسمية لا تخلو من تأصيل توراتي أو تلمودي، في محاولة لمنحها مشروعية دينية وهالةً “مقدّسة”. ففي التوراة، في سفر صموئيل الأول، الإصحاح الـ 13، ثمة إشارة إلى أن الفلسطينيين كانوا يحتكرون تشذيب الأدوات الحديدية، لئلا يصنع منها “الاسرائيليون” سيوفاً ورماحاً حديدية، فكأن إطلاق “سيوفٍ من حديد” ضد الفلسطينيين اليوم جاء انتقاماً معاصراً من حرمان “الاسرائيليين” من تصنيع الأسلحة الحديدية قبيل واقعة كبرى مع الفلسطينيين قبل آلاف الأعوام، بحسب السردية التوراتية، والتي لا يهم إن كانت دقيقة تاريخياً أم لا، بمقدار ما تهم دلالاتها الرمزية سياسياً ودينياً للمؤمنين بها اليوم، ودلالاتها الارهابية لغير المؤمنين بها.

في التوراة أيضاً، في سفر الرؤيا، الإصحاح الـ 19، ثمة رؤيا أشد وضوحاً ودمويةً في السياق ذاته، إذ تنفتح السماء لتهبط منها فرس بيضاء عليها فارس عيناه كلهيب نار، وعلى رأسه تيجان كثيرة، وهو متسربل بثوبٍ مغموسٍ بدم، وخلفه أجنادٌ على خيل بيض، “ومن فمه يخرج سيفٌ ماضٍ لكي يضرب به الأمم، وهو سيرعاها بعصا من حديد”. تتابع السردية أن ملاكاً يصرخ داعياً طيور السماء إلى وليمة من “لحوم الكلّ: حراً وعبداً، صغيراً وكبيراً”، الذين سيذبحهم الجيش القادم من السماء، وقائده، بسيفه الخارج من فمه، “وجميع الطيور شبعت من لحومهم”.

إن حجم القتل المتعمد بكل أشكال الاجرام المبتكرة للشعب الفلسطيني في غزة، الذي هو إبادة جماعية منظمة وممنهجة، يعيد إنتاج تلك الصورة التوراتية في غزة، في القرن الـ 21، تجسيداً فعلياً وعملياً للمعنى التوراتي لعملية “السيوف الحديدية”!

شارك المقال