لا “هدنة” في معركة التمديد لقائد الجيش

جورج حايك
جورج حايك

مع دخول قطاع غزة في هدنة مؤقتة وانسحابها على الوضع في الجنوب اللبناني، لم تهدأ معركة التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون، بين “القوات اللبنانية” وحلفائها والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من جهة، ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل وحلفائه من جهة أخرى.

لا شك في أن باسيل يسير عكس التيار اللبناني عموماً والمسيحي بوجه أخصّ الذي يعتبر أنّ التمديد يجب أن يكون بديهيّاً في غياب رئيس الجمهورية ووسط الحرب الدائرة ومع قيادة أثبتت جدارة وكفاءة، وفي الوقت الذي تخوض فيه القوى السياسية معركة التمديد انطلاقاً من الاعتبارات الوطنية العليا، يخوض باسيل معركة رفض التمديد انطلاقاً من الاعتبارات الشخصية والنكايات والمصلحة.

كان خيار باسيل أن تؤول قيادة الجيش إلى الأعلى رتبة وهو اللواء بيار صعب المقرّب منه، لكنه اصطدم بموقف البطريرك الراعي المتمسّك بالموقع في مؤسسة لا تشبه المؤسسات الأخرى لجهة أنّ التراتبية داخلها ضرورية، فانتقل إلى خطوة تعيين قائد جديد للجيش التي يجب برأيه أن تُرضي رأس الكنيسة، فإذا وافق يكون تخلّص من العماد جوزيف عون، وإذا لم يوافق يحاول أن يستخدم ورقة التعيين لإطاحة التمديد، ويراهن على موقف “حزب الله” الذي لن يرضى بانكسار حليفه المسيحي في حال سلك خيار التمديد طريقه.

إلا أن البطريرك الماروني رفض التعيين على نحو حاسم أيضاً، مع تأكيد “القوات اللبنانية” بتكتلها النيابي الكبير تنسيق خطواتها مع البطريرك ووضعها التمديد في خانة الـ Raison d’Etat مدعومة من المعارضة. أمام هذا الموقف الصلب، لم يبق أمام باسيل إلا لعب ورقة حكومة تصريف الأعمال لإطاحة التمديد مدعوماً من “حزب الله”، ما يعني الامعان في الانقلاب على الدستور واستهداف المسيحيين.

وتقضي خطة باسيل بتعيين قائد جديد للجيش من خلال تراجعه عن شرط توقيع 24 وزيراً، على أن يرفع وزير الدفاع موريس سليم سلّة اقتراحاته للتشكيلات العسكرية، المحسومة أسماؤها. وبمعزل عن صحّة هذه الخطة من عدمها، فإن مصادر “القوات اللبنانية” تؤكد أن “أيّ فريق مسيحي يغطي تعيين قائد جديد للجيش في غياب رئيس للجمهورية هو متآمر على المسيحيين ودورهم وصلاحيات رئيس الجمهورية، ويجب التعامل معه على هذا الأساس وأن تسبق صفة التآمر اسمه في كل مرة يتمّ فيها الحديث عنه”. وترى المصادر أنّ حليفه “الحزب” في ورقة تفاهم مار مخايل الذي يحتاج إلى حليف كي لا يبقى وحيداً، قرّر السير معه في التعيين حفاظاً على تحالفهما.

لم تقف “القوات” مكتوفة اليدين أمام عبث باسيل بموقع قيادة الجيش، فتقدّم تكتّلها النيابي في مبادرة إستباقية لمعالجة الشغور في قيادة الجيش، باقتراح قانون معجل مكرر يقضي بـ”تعديل سن التسريح الحكمي من الخدمة العائد لرتبة عماد في الجيش”، بحيث يصبح 61 سنة بدلاً من 60. والأسباب الموجبة لهذا الاقتراح تستند إلى الظرف الاستثنائي والخطير بدءاً بالشغور الرئاسي مروراً بالانهيار المالي غير المسبوق وصولاً إلى الحرب على الحدود واحتمالات توسّعها نحو الداخل، ومعلوم أنّ الجيش هو آخر جوهرة تحمي استقرار اللبنانيين، والحفاظ على الجيش لا يكون بالترقيعات، بل من خلال الحفاظ على هرمية المؤسسة وتماسكها ووحدتها وقيادتها. ومقاربة تكتل “القوات” ليست مقاربة كلاسيكية ولا تقليدية بالدعوة الى جلسة تشريعية وما شابه، إنما تتعلّق بلحظة مصيرية وجودية لتجنيب اللبنانيين الفوضى، وبالتالي التمديد لقائد الجيش ببند وحيد يندرج في سياق جلسة الضرورات القصوى والأمن القومي، لأنّ الجيش هو الضامن لمنع الفوضى في مرحلة خطيرة إقليمياً في ظلّ شغور رئاسي متمادٍ وانهيار غير مسبوق.

وتشير مصادر “القوات” إلى أنها قامت من أجل تفعيل هذا الموضوع بزيارات إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتكتل “الاعتدال” وكتلة “اللقاء الديموقراطي” وغيرها.

وفي آخر المستجدات، دخل الرئيس بري على الخط، معتبراً أن مسألة التمديد أو تعيين قائد الجيش مشكلة مسيحية – مسيحية، وهنا تعتبر مصادر “القوات” أن “كلام بري غير صحيح، لأن الأكثرية المسيحية التي تمثّلها القوات والمرجعية المارونية المتمثلة بالبطريرك الراعي مع التمديد لقائد الجيش انطلاقاً من اعتبار أن رئيس الجمهورية هو الذي يعيّن قائد الجيش، وكلام بري الهدف منه اخفاء الحقيقة بأن المشروع الممانع وحليفه باسيل يحول دون قيام مؤسسات فعلية في لبنان. وبالتالي هم لا يريدون العماد عون الذي يتصرف بمناقبية وبمعايير مؤسساتية، إنما يريدون قائداً للجيش محسوباً عليهم ويكون شرطياً تحت إمرتهم”.

ويعتقد البعض أن خطوة الرئيس بري بالدعوة إلى جلسة تشريعية في النصف الأول من شهر كانون الأول المقبل بجدول متكامل، ستحرج “القوات” التي أعربت مراراً وتكراراً عن أن المجلس هيئة ناخبة ولا يحق له التشريع، إلا أن مصادر “القوات” ترد: “كنا نأمل في أن يحصل التمديد عن طريق تأجيل التسريح في حكومة تصريف الأعمال، لكن من الواضح أن باسيل من خلال وزير الدفاع حال دون ذلك، فضلاً عن دعم حزب الله”. وتلفت إلى أن “القوات لا تزال تعتبر أن المجلس اليوم لا يزال هيئة ناخبة في ظل الشغور الرئاسي، لكن مسألة التمديد لقائد الجيش نعتبرها أبعد من التشريع بل تتعلق بما يسمّىRaison d’Etat”.

قد يكون بري إستغل حساسية الوضع بالنسبة إلى “القوات” فوضع جدول أعمال بإقتراحات قوانين عديدة. مع ذلك، تؤكد المصادر: “لا نناقض أنفسنا، فإذا قررنا المشاركة في الجلسة، سيكون ذلك لاعتبارات وطنية تتعلق بأمن اللبنانيين واستقرار لبنان والمحافظة على آخر عمود فقري للبنان وهو الجيش اللبناني، ولن ندخل في عملية تسجيل نقاط داخلية في ظرف دقيق”.

في الواقع، لا أحد يبدِّل قيادته العسكرية وسط الحرب والشغور والانهيار، بسبب محاولة باسيل الانتقام الشخصي من العماد عون، لأنه رفض تلبية طلباته الخاصة، ما قد يطيح البلد في لحظة أحوج ما يكون فيها إلى التمسُّك بآخر عمود يحفظ الاستقرار بعيداً من الصراعات السلطوية والمصالح السياسية، وأيّ حريص على الأمن الوطني القومي يجب أن يرفض المس بوضع قيادة الجيش ويلجأ إلى التمديد الفوري في قضية أبعد من تشريع وخطوة إدارية كلاسيكية، إنما خطوة ترتبط بأمن لبنان واللبنانيين.

فما يفعله باسيل مدعوماً من “حزب الله” ليس أقل من انقلاب في سياق الانقلاب المتواصل على الدولة منذ العام 1990 إلى اليوم، ويجب إسقاط الانقلاب الجديد بأي ثمن تجنباً لانزلاق لبنان إلى ما قد لا تُحمد عقباه، فلا أولويّة تعلو على أولوية الاستقرار الذي يتأمّن عن طريق التمديد بانتظار انتهاء الحرب وانتخاب رئيس جديد للجمهورية.

شارك المقال