صفقة الأسرى (٢)… نجاح الجهود المصرية والقطرية

زياد سامي عيتاني

نجحت الجهود المصرية والقطرية في التوصل الى اتفاق لوقف إطلاق نار مؤقت في قطاع غزة وإعلان هدنة إنسانية لمدة أربعة أيام قابلة للتمديد، وذلك بعد اتصالات وتحركات مكثفة جرت خلال الأسابيع الماضية من أجل خفض التصعيد وإدخال الجانب المصري المساعدات الانسانية والغذائية والطبية العاجلة إلى القطاع. فبعد مرور 47 يوماً من مجازر العدوان الاسرائيلى داخل قطاع غزة والتي خلفت أرقاماً لا حصر لها من الشهداء والمصابين تضمنت أكثر من 13,300 شهيد، بينهم أكثر من 5,600 طفل، و3,550 امرأة، نجحت هذه الجهود في إعلان هدنة إنسانية تُفرج خلالها حركة “حماس” عن 50 من الرهائن الذين تحتجزهم في القطاع مقابل إطلاق اسرائيل سراح 15 سجيناً فلسطينياً، في أول خطوة فعلية نحو التهدئة في الحرب المستعرة منذ شهر ونصف الشهر.

وعملت الجهود الأميركية والمصرية والقطرية على مدى أكثر من أسبوعين للتوصل الى هذا الاتفاق والصفقة، بحيث جرت جولات مكوكية من المباحثات والاجتماعات شهدتها القاهرة سواء مع مسؤولين إسرائيليين أو قيادة حركة “حماس” بتنسيق كامل مع الطرف الأميركي بهدف تذليل العقبات كافة أمام إتمام اتفاق الهدنة وصفقة تبادل الأسرى. فقد بذلت مصر جهوداً سياسية وديبلوماسية وأمنية مكثفة خلال الأسابيع الماضية لمنع تفاقم الصراع والقيام بدور الوساطة للتوصل الى اتفاق هدنة وصفقة تبادل أسرى، بهدف خفض حدة التصعيد، على أن تعقبها هدن أخرى، ثم وقف دائم لاطلاق النار.

يذكر أن مصر تمتلك تراكماً كبيراً وخبرات واسعة في ملف الوساطة بين إسرائيل وحركة “حماس” وباقي الفصائل الفلسطينية. وإنحياز مصر الكامل الى الحق الفلسطيني لم يَحُل دون أن تكون وسيطاً نزيهاً وموثوقاً به، خصوصاً أنها لعبت دوراً رئيساً ومحورياً خلال الحروب السابقة على غزة في الوصول الى اتفاق وقف إطلاق النار. وتعتبر القاهرة أن الاتفاق يمثل أول انفراجة حقيقية في الصراع القائم في قطاع غزة، معولة على تشجيع كل الأطراف الاقليمية والدولية على دعم هذا المسار لوقف كامل لاطلاق النار، وهو التحرك الذي قامت مصر بتفعيله منذ الأيام الأولى للعدوان وتمثل في التحركات السياسية والديبلوماسية واحتضان قمة القاهرة للسلام.

وكانت مصر على تنسيق كامل مع الولايات المتحدة الأميركية والتعاون بمشاركة قطر لانجاح هذه الصفقة التي يعد الجانب الأميركي الضامن لها كونه يمتلك أدوات الضغط اللازمة على الجانب الاسرائيلي للالتزام ببنود الاتفاق التي جرى الاتفاق عليها.

أما على صعيد تحرك قطر، الحليف الوثيق للولايات المتحدة والتي تتمتع بنفوذ على “حماس”، فقد اتصلت بالبيت الأبيض بعد فترة وجيزة من يوم 7 تشرين الأول وزودته بمعلومات عن الرهائن الذين احتجزتهم الحركة للتو، وكانت إسرائيل لا تزال تعاني من الصدمة، واقترحت قطر تشكيل خلية صغيرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل للعمل في قضية الرهائن، وهنا لجأ مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إلى اثنين من كبار مساعديه، بريت ماكغورك وجوش جيلتزر، نائب مساعد الرئيس في مجلس الأمن القومي، وعملوا معاً على اتصالاتهم للتنسيق حول أفضل السبل للتوصل إلى اتفاق مع “حماس”. وفي ضوء ذلك، نشطت الديبلوماسية القطرية في كل الاتجاهات وبالتنسيق مع القاهرة، بهدف عدم تفاقم العدوان الاسرائيلي على غزة، مقابل تعهدها بلعب دور محوري للإفراح عن الأسرى لدى “حماس”. إلا أن تسارع التصعيد العسكري من خلال المنحى التدميري والإبادي الذي إعتمده الجيش الاسرائيلي عقد المساعي القطرية وكذلك المساعي المصرية، على الرغم من إصرار الادارة الأميركية على الدوحة للاستمرار في مساعيها.

وبالفعل بقيت القنوات الديبلوماسبة مفتوحة بهدف التوصل إلى مشروع صفقة أساسها هدنة وتبادل أسرى ودخول المساعدات الى غزة، وأفضت الاتصالات الى التوصل لوضع مسودة لها. ولهذه الغاية إتصل الرئيس جو بايدن بأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مشيراً إلى أن كبير مستشاريه ماكغورك سيكون في بلاده في اليوم التالي، ويمكنهم مراجعة النص النهائي لاتفاقية التشكيل. وقبيل وصول كبير مساعدي الشرق الأوسط، تلقت قطر بعض التعليقات على الصفقة المقترحة من “حماس”. إتصل الرجلان بمدير وكالة المخابرات المركزية بيل بيرنز، الذي كان يقوم بديبلوماسيته الاقليمية الخاصة وكان القناة الرئيسة مع وكالة المخابرات الاسرائيلية “الموساد”. وقال المسؤول الثاني في الادارة إن الصفقة “تم تنظيمها خصيصاً للنساء والأطفال في المرحلة الأولى، ولكن مع توقع إطلاق سراحهم في المستقبل وبهدف إعادة جميع الرهائن إلى أسرهم”.

وفي صباح اليوم التالي، كان ماكغورك في القاهرة للقاء رئيس المخابرات المصرية عباس كامل، وبينما كانا يتحدثان، دخل مساعد مصري حاملاً رسالة مفادها أن قادة “حماس” في غزة قبلوا تقريباً بكل ما تم التوصل إليه في الدوحة في الليلة السابقة. وعاد ماكغورك إلى إسرائيل في 19 الجاري للتحدث أمام مجلس الوزراء الحربي، ونقل الصفقة المطروحة ورد فعل “حماس” عليها. وفي ذلك المساء، أبلغ مسؤولون إسرائيليون كبار الولايات المتحدة أنهم وافقوا على الاتفاقية مع بعض التغييرات الطفيفة فقط، وأرسلت قطر تلك النسخة إلى “حماس”. ويوم 21 أعطت الحركة الضوء الأخضر، ولم يتبق سوى موافقة مجلس الوزراء الاسرائيلي بكامل هيئته على الصفقة، التي توقع كل فرد في الخلية حدوثها، وجاءت أنباء توقيعهم في وقت لاحق من اليوم 21.

وعقب مسؤول أميركي كبير بالقول: “لقد كانت عملية مؤلمة استمرت خمسة أسابيع”. وأشادت “حماس” بالجهود المصرية والقطرية في التوصل الى الاتفاق من خلال الجهود الحثيثة والمقدرة من قيادة الحركة للبلدين.

شارك المقال