الاستحقاق “العلويّ” انتهى… وعودة رفعت عيد “أقوى من الأوّل”؟

إسراء ديب
إسراء ديب

لم يُحرم أبناء الطائفة العلوية من حقّهم في إجراء انتخابات المجلس الاسلامي العلوي، فعلى الرّغم من مطالبتهم بإجراء هذا الاستحقاق منذ أكثر من 20 عاماً، إلا أنّهم سجّلوا خاتمة “ديموقراطية” وصفها متابعون بأنّها “إيجابية ومقبولة” بعد سنوات من العراقيل والثغرات التي وضعت “العصي في الدواليب” منعاً لاجراء هذه الانتخابات القائمة على اختيار رئيس ونائب رئيس و11 عضواً للهيئتين الشرعية والتنفيذية.

في “مدرسة الأميركان” – جبل محسن، جرت هذه الانتخابات “النخبوية” في أجواء هادئة لم يخترقها أيّ تعدّ أخلاقيّ أو سياسيّ، وذلك بإشراف لجنة مؤلفة من الهيئتين السابقتين والنائبين حيدر ناصر (طرابلس) وأحمد رستم (عكّار)، بحيث فاز الشيخ علي محمود قدّور برئاسة المجلس بعد نيله 11 صوتاً، أمّا منصب نائب الرئيس فقد فاز به شحادة العلي بـ 6 أصوات من أصل 13 (وهم 11 عضواً والنائبان ناصر ورستم).

في الواقع، إنّ المجلس عانى من الجمود الكبير لسنوات (على الرّغم من أهمّيته نظراً الى كونه المجلس الأوّل في العالم الذي يتحدّث باسم الطائفة العلوية ويعكس همومها وطنياً وعقائدياً)، وحاول كلّ من النائبين السابقين علي درويش ومصطفى حسين الحدّ من هذا الركود الطائفي عبر التقدّم بمشروع القانون 140 عام 2019 (الذي ينصّ على التمديد للهيئتين وانتخاب رئيس ونائب رئيس)، لكن بعد قيام محمد عصفور نائب الرئيس الراحل الشيخ أسد عاصي والذي تولّى مهام عاصي بعد وفاته عام 2017، بالطعن به أمام المجلس الدستوري وإسقاطه، انتظر أبناء هذه الطائفة فرصة جديدة لتحريك هذا الملف الذي عاد إلى الواجهة من جديد عام 2022، عقب إصدار مرسوم تنظيم شؤون الافتاء العلوي تطبيقاً للقانون رقم 449 تاريخ 17/8/1995، ليقوم كلّ من النائبين ناصر ورستم بمتابعة هذا الملف حتّى النهاية، الأمر الذي دفع ناصر إلى دعوة العلويين إلى انتخابات جديدة، مع العلم أنّ معطيات “لبنان الكبير” تُشير إلى أنّ رستم كان ترك ناصر يواجه هذا الملف منفرداً في النهاية بعد ضغوط سياسية عليه من أحد نواب عكار.

وفي قراءة للنتيجة، فإنّ التوازن السياسيّ (الذي كان سعى النائب ناصر إلى كسر هيمنته السياسية قدر المستطاع، تحقيقاً للتغيير ولمزيد من الانفتاح يحدّ من القوقعة التي تُواجهها هذه الطائفة)، فرض نفسه في هذا الاستحقاق، حيث حقّق الحزب “العربي الديموقراطي” فوزاً كبيراً بوصول قدور المقرّب من رئيس الحزب رفعت عيد، وبوصول العلي عن حزب “البعث” السوري، في وقتٍ سجّل فيه النائبان اختراقات بسيطة عند تشكيل الهيئتين.

عن النتائج

لا يُخفي النائب السابق علي درويش فرحته بإتمام هذه الانتخابات أخيراً، إذْ يُشدّد على أهمّيتها ويرى أنّها تحتاج إلى مزيدٍ من التشجيع. ويقول لـ “لبنان الكبير”: “في نهاية المطاف، نحن نحتكم الى العملية الديموقراطية ونرحب بأيّ شيء ينتج عنها، بحيث سنراقب قطعاً كلّ المعطيات الجديدة والفرضيات المختلفة على المستوى الطائفي والوطني لنرصد الأفعال والانتاج الذي لا بدّ من أن يصبّ في مصلحة هذه الطائفة وهذا ما نريده لمأسستها، لذلك نرحب بالنتائج ونأخذها بحس نيّة”.

وإذْ يعتبر درويش أنّ هذا الموضوع يعنيه شخصياً (كان والده أحمد درويش عضواً من أعضاء الهيئة التنفيذية سابقاً وقدّم استقالته حينما كشف عدم إمكان الوصول إلى الانتاج الذي نتمنّى حالياً أن نحقّقه)، يُؤكّد أنّ التنمية كانت وما زالت من أبرز المواضيع التي تُفيد المجتمع الطرابلسيّ “فحيث وجدت التنمية، سنجد نمواً، استقراراً وانفتاحاً خلافاً للفقر الذي دفعت الطائفة ثمنه اقتصادياً وحياتياً بسبب حروب متراكمة، ما يُعطي قيمة للتواصل والانفتاح”.

ويُشير الشيخ أحمد عاصي وهو مدير مكتب رئيس المجلس السابق (تلفت معطيات إلى أنّه سيكون مدير مكتب رئيس المجلس الحاليّ نظراً الى قربه الشديد من الشيخ قدّور الذي يعود إليه هذا القرار أخيراً)، إلى أنّ الأجواء التي رافقتها أحياناً إشاعات، كانت تنافسية ضمن الأطر السليمة، معتبراً أنّ “المجتمع العلوي يتغلغل في وجدانه طرف سياسي ما زال وسيبقى فيه وهو يعيش تفاصيل النّاس”. وتوجّه بالشكر الى النائب ناصر على اهتمامه “اذ يعود له الفضل الأكبر في إجراء الانتخابات من الصفر وكذلك رستم وكلّ القوى”.

ويتحدث عاصي عن الشيخ قدّور (الذي أجرى بعد انتخابه زيارة لضريح الراحل الشيخ أسد عاصي ولنصب “الشهداء” في مقبرة جبل محسن، موضحاً في أوّل تصريح له أنّ هذه المؤسسة وطنية قبل أن تكون مؤسسة للطائفة العلوية)، فيقول لـ “لبنان الكبير”: “الشيخ قدّور مقرّب من الجميع ويتواصل مع الآخرين، كما يحظى بديناميكية في عمله، وبالتالي إنّ وصوله إلى سدّة رئاسة المجلس يعني التغيير، لأنّ أبوابه ستبقى مفتوحة للجميع على الرّغم من محبّته لرفعت عيد الذي لعب دوراً في منع العرقلة الانتخابية، إلا أنّ الشيخ دائماً ما يُحاول التقرّب من الجميع بذهنية منفتحة حتّى لو كان قرارهم الانعزال، لكن بالتأكيد هو يفصل العمل السياسيّ عن الدينيّ ولا يتدخل في الشؤون السياسية، ومشروعه يكمن في تحصيل حقوق الطائفة أسوة بباقي الطوائف، مع تحسينها وتحصينها”.

وكان قدور (وهو طرابلسيّ من باب التبانة، ويسكن في المسعودية – عكار)، استقبل التهاني في عكار وبعدها في طرابلس لا سيما عقب عملية التسليم والتسلّم، ما يُشير إلى التقبّل الشعبيّ للنتيجة، وفق عاصي.

أما المختار عبد اللطيف صالح فلا يرى أيّ تغيير طرأ على المجلس العلوي، معتبراً أنّ النائب ناصر ربح معنوياً، فيما عيد ربح سياسياً “ليعود أقوى بكثير من قبل، حتّى أقوى من قبل تنفيذ الهدنة في طرابلس” وفق ما يقول لـ “لبنان الكبير”، موضحاً أنّ “السيف الذي حارب به عيد ليس سيفه لهذا السبب كان الرابح الأكبر بعد إطاحة عصفور من دون مواجهته مباشرة عبر ناصر، وصولاً إلى إتمام الانتخابات”.

وينفي صالح الكلام الذي قيل عن نأيّ رستم بنفسه عن الانتخابات، مشيراً الى أن “ناصر طُعن من أحد الأشخاص المدعومين من التيّار الوطنيّ الحرّ برغبة من رئيس التيّار النائب جبران باسيل الذي يُريد الانخراط في شؤون الطائفة العلوية في طرابلس كما تمكّن في عكار، وبعد حملات مشتركة مع ناصر ضدّ عصفور، تخلّى عنه هذا الشخص كما تخلّى عنه الآخرون بعد دعمه”.

ويُؤكّد صالح أنّ نتيجة الانتخابات كانت محسومة قبل 10 أيّام، حتّى أنّ نائب الرئيس كان عيد أصدر من سوريا إيعازاً بضرورة تعيينه، ما يعني أنّه سجّل نقطة لصالحه عند “البعثية”، و”كلّ هذه المقرّرات تُسهم في دعم موقع عيد أمام الحلفاء والخصوم، ففي سوريا سيُؤكّد أنّ القرار العلوي بيده، وأمام حزب الله سيفرض نفوذه”.

ومن صفحة “رصد” المعروفة في جبل محسن، يُشدّد علي تامر المقرّب من ناصر، على أنّ الهدف من الانتخابات كان تغيير الطريقة المعتمدة سابقاً، ويقول لـ “لبنان الكبير”: “عملنا على الحدّ من الملفات الشائكة التي لم يمسّها أحد كملف مدرسة الأميركان الرسمية المختلطة حيث توفيت الطالبة ماغي محمود، وصولاً الى ملف المجلس الذي واجه فيه النائب مشكلات مختلفة”.

إنّ ناصر وقع بين خيارين: إمّا الفشل في الانتخابات والبدء من جديد، أو وضع يده بيد القائمين سياسياً على الانتخابات، ففضّل الخسارة في الاستحقاق الذي لا يراه أساساً أنّه خسارة وربح، “بل وجد مسروراً بالنتيجة التي لم تُؤدّ إلى حدوث طعون كالسابق وهذا ما لا يُريده أحد، لا سيما وأنّه يرى أنّ خطاب قدّور كان جيّداً ما يعني أنّ المشكلة لا تُعدّ شخصية أبداً”، وفق ما يقول تامر.

شارك المقال