اسبانيا تغرّد خارج سرب التضامن مع اسرائيل بانتقادها “القتل الأعمى”

ساريا الجراح

اسبانيا تعد أقرب دولة أوروبية الى العالم العربي وتتلاقى معه جغرافياً وتاريخياً من خلال الارث العربي الاسلامي في الأندلس. وثبّتت هذه العلاقات المتينة في العام 2006 حين قال السفير الاسرائيلي في مدريد فيكتور هاريل في خطاب: “إن العلاقات بين اسبانيا وإسرائيل ليست في أفضل مراحلها”، ويعود ذلك الى الانتقادات التي وجهتها اسبانيا الى إسرائيل حول عملياتها في لبنان، واصفة إياها بـ”القوة المفرطة” التي أدت إلى مقتل أكثر من 300 شخص في غضون أسبوع.

يستعرض هذا المقال تاريخ العلاقات السياسية بين اسبانيا واسرائيل وتأثيرها سلباً وايجاباً على دعم أو عرقلة حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعه وکفاحه الممتد من أجل تأسيس دولته المستقلة.

“نرفض القتل الأعمى للفلسطينيين” عبارة انسانية يمكن للظالم أن يتحلّى بها وإن كان ضميره نائماً، هذا ما عبّرت عنه اسبانيا في تصريح لرئيس وزرائها بيدرو سانشيز الذي حثّ تل أبيب والمجتمع الدولي على الاعتراف بدولة فلسطين، مؤكداً أن “قتل المدنيين الأبرياء بلا تمييز في غزة، بما في ذلك الآلاف من صغار السن، غير مقبول على الاطلاق”. ودعا إلى وقف دائم لإطلاق النار لإنهاء “الوضع الكارثي” لسكان القطاع، آملاً أن يكون لموقفه تأثير مضاعف على الدول الأوروبية التي تتعرض لانتقادات من الدول العربية نتيجة مواقفها الداعمة لاسرائيل من دون شروط.

وهي ليست المرّة الأولى التي تقف فيها اسبانيا الى جانب دولة فلسطين، ففي العام 2014 تبنّى برلمانها بالإجماع قراراً غير ملزم يدعو إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية على غرار الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي التي لم تقم بهذه الخطوة. لم يكتف سامشيز بذلك، بل اتسع صدى تصريحه الى الهدنة التي تحصل بين البلدين، قائلاً: “إن إيجاد حل لأزمة غزة لا يكفي”. وشدد على وجوب أن تكون إسرائيل أول من يتخذ “نهجاً شاملاً” لحل النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني بما يشمل الضفة الغربية والقدس الشرقية.

ما يحصل اليوم هو لعبة شطرنج تدور بين “الاله” و”الشيطان” ويمتلك فيها الأقوى السلطة لادارة أحجار اللعبة من جنود وأحصنة وفيلة بالاضافة الى القدرة على تحقيق مكاسب وغنائم، وقد تسقط في تلك اللعبة القلاع ويتم احتلالها أو أسر عدد كبير من الجنود والوزراء. الواضح أن العلاقات السياسية الاسبانية – الاسرائيلية اندثرت طيلة عقود بحيث أثرت وتأثرت بمسار القضية الفلسطينية. ففي الوقت الذي تبنت فيه اسبانيا مواقف سياسية أو اقتصادية أو ثقافية تجاه دولة اسرائيل، أتاها الرد السريع من الكيان الصهيوني باستدعاء سفير اسبانيا للتحقق من التصاريح التي صدرت عنه ولاقت الرد العادل بأحقية التعبير كما تريد.

لا يمكن تجاهل أن أسبانيا في ظروف أخرى تناست الصراع المرير ووطدت علاقاتها مع اسرائيل متجاهلة الاحتلال والاستيطان وجرائمها ضد فلسطين أرضاً وشعباً، واستجابت لضغوط محلية أو أوروبية أو دولية دفعت الادارة الأسبانية في أحيان کثيرة الى التعاون مع دولة الاحتلال، لكنها في نهاية المطاف وحين وصلت القضية الى الأبرياء والأطفال وقفت وزيرة الحقوق الاجتماعية الاسبانية إيوني بيلارا مدينة ما تفعله إسرائيل في قطاع غزة من إجرام، مشيرة الى أنه يمكن أن نعدّها “جريمة حرب وإبادة جماعية مبرمجة”. واتهمت الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية بتشجيع إسرائيل على ممارسة سياسة التفرقة والعنصرية والعدوان التي تنتهك حقوق الانسان بصورة خطيرة، مطالبة الاتحاد الأوروبي بتطبيق عقوبات اقتصادية – كما حدث مع روسيا – ضد المسؤولين سياسياً عن هذه الابادة الجماعية، خصوصاً رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، وبقية القادة السياسيين على خلفية اجبار البرلمان الأوروبي النائب الاسباني مانو بينيدا على خلع الكوفية الفلسطينية قبل إلقاء كلمته في جلسة عامة كانت تناقش الحرب في غزة، في الوقت الذي كان مسموحاً فيه ارتداء “الكيباه” أو الطاقية اليهودية للتعبير عن الدعم لاسرائيل.

لا يمكن اعتبار موقف اسبانيا الّا وقفة عز في وجه الكيان الصهيوني وخصوصاً بعد تبنّيها مد غزّة بالمساعدات إلى السكان المدنيين بقيمة مليون يورو. فهل ستتوقف لعبة الشطرنج؟ وهل سيتحرر حجر الوزير الفلسطيني ويعود الى اللعب مرة أخرى على الساحة الفلسطينية؟ ومن سيستخدم في نهاية اللعبة “كش ملك” الى جانب إسبانيا؟

شارك المقال