هل تتحوّل المواجهات في “ساحات الممانعة” إلى حرب كبيرة؟

جورج حايك
جورج حايك

إرتفع مستوى التهديدات في منطقة الشرق الأوسط انطلاقاً من احتدام المعارك في حرب غزة بين اسرائيل وحركة “حماس”، ويبدو أن المعادلة التي تحدث عنها الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله في كلمته الأخيرة بأن “الكلمة للميدان”، ترسم فعلاً مسار المعارك في الساحات التابعة لمحور الممانعة. فمن يتابع مجريات الحرب لا بد من أن يُلاحظ تصاعد العمليات القتالية وخصوصاً في لبنان وباب المندب وسوريا والعراق، وفق قرار إيراني، ليس واضحاً إذا كان سيبقى مضبوطاً ضمن قواعد الاشتباك أو سيتحوّل إلى حرب كبيرة.

عملياً، ليس هناك مستوى واحد للتصعيد في كل الساحات، بل تتفاوت حدة العمليات الميدانية والردود الأميركية والاسرائيلية عليها، لكن الثابت أن المسؤولين الايرانيين يصعّدون كلامياً ويطلقون التهديدات يومياً من دون استعداد فعلي للدخول مباشرة في الحرب على الرغم من كلام الخارجية الايرانية أمس الذي تضمن تهديداً لاسرائيل والولايات المتحدة بأن أي إجراء ضد إيران وأمنها ومصالحها القومية وقواتها الاستشارية في سوريا لن يبقى من دون رد، فيما تقوم اسرائيل في الأعوام الثلاثة الأخيرة بضرب مواقع الحرس الثوري الايراني و”حزب الله” في سوريا من دون أي رد إيراني يُذكر، ولا حتى “الحزب”. إضافة إلى اتصال بين وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد الأمير عبد اللهيان والممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية جوزف بوريل، شدد فيه عبد اللهيان على ضرورة وقف الحرب، مهدداً “إذا لم تتوقف جرائم الحرب الاسرائيلية ضد غزة والضفة الغربية، فهناك احتمال لتوسيع نطاق الحرب بشكل عميق في المنطقة.”

ويقول الباحث في شؤون الأمن والدفاع رياض قهوجي: “سمعنا تهديدات عديدة من الخارجية الايرانية والحرس الثوري، إنما السياسة الايرانية واضحة، فهي تؤمّن السلاح والأموال لأذرعها العسكرية في المنطقة، والأخيرة تقدّم الدم والموت والدمار، وبالتالي تدخّل إيران مباشرة مستبعد حالياً، وعندما يتحدث المسؤولون الايرانيون عن الرد يقصدون ساحات المواجهة وليس من داخل إيران حتماً. وبالتالي يحاول النظام الايراني أن يُبقي الحرب مضبوطة، بحيث لا تصل إلى بلده وتهدد استمرارية نظامه”.

ويعتبر كلام قهوجي منطقياً، لأن إيران فهمت الرسالة منذ بداية الحرب عندما تلقت تهديدات جدية من الادارة الأميركية وبالتالي سيبقى موقف إيران على ما هو عليه ويقتصر على التحركات الديبلوماسية والدعم المعنوي والانساني لأهل غزة والفلسطينيين. ولو أرادت إيران التدخل العسكري فإن إسرائيل سترد وسينضم إليها حلفاؤها الدوليون والاقليميون.

لكن لا شك في أن الحوثيين اليمنيين الذين تدعمهم ايران على نحو مباشر، صعّدوا عملياتهم في الممرات البحرية وخصوصاً ضد السفن الاسرائيلية والأميركية، وهناك اجراءات أميركية وبريطانية واسرائيلية إتخذت لردعهم، ولعل الحوثيين قد تجاوزوا الخطوط الحمر، وكل المؤشرات تؤكد أن خيارات واشنطن وحلفائها بتوجيه ضربة عسكرية لهم أصبحت قريبة، وربما الأذرع العسكرية الايرانية مثل “حماس” والحوثيين وغيرهما لا يتقنون البراغماتية الايرانية، ويرتكبون الأخطاء التكتيكية والاستراتيجية التي تؤدي إلى معاقبتهم بقسوة. ويرى قهوجي أن هناك بالفعل ضربة عسكرية تعدّ للحوثيين، لأن الأضرار التي يسببونها تجاوزت الاطار اليمني إلى الممر الدولي الاستراتيجي كباب المندب، وبالتالي أصبحوا يشكّلون خطراً على الأمن الدولي، لذلك سيكون الردّ عليهم قوياً ولن تمر المسألة بسلام على الرغم من أنه كان لدى الأميركيين خشية من ضربهم لعدم إطاحة عملية السلام مع السعودية، لكن هناك أولويات لدى الأميركيين، ومن المتوقع أن يؤثّر هذا التصعيد على مفاوضات السلام بين السعوديين والحوثيين، وسنرى ضربة عسكرية مباشرة على الحوثيين وقواعدهم.

من جهتها، تبدو اسرائيل متضررة كثيراً من هجمات الحوثيين على سفنها في البحر الأحمر الذي يُعتبر ممرّاً للبضائع القادمة من شرق آسيا. ومن خلال المرور عبر قناة السويس، يجري تفريغ البضائع المتجهة إلى إسرائيل في ميناءي أسدود وحيفا على البحر الأبيض المتوسط، فضلاً عن تلك التي تصل مباشرة إلى ميناء إيلات المُطل على خليج العقبة، ما يعني أن تجارتها تعتمد على الخطوط البحرية التي تمر عبر مضيق باب المندب وقناة السويس، وبالتالي لن تتساهل مع أي هجمات حوثيّة، وقد أرسلت سفناً حربية وغواصة إلى البحر الأحمر لمراقبة تحركات إيران والحوثيين.

ليس بعيداً عن التصعيد الحوثي، تبرز جبهة جنوب لبنان بقوة عبر الاشتباكات الضارية بين اسرائيل و”حزب الله”، ومعادلة “الكلمة للميدان” التي حددها نصر الله تبدو في الواجهة، فكلّما وجّه أحد طرفي النزاع ضربة إلى العمق يقوم الفريق الآخر بالرد بالمستوى نفسه، لكن الأمور لم تخرج عن قواعد الاشتباك على الرغم من الضربة القوية التي استهدفت فيها اسرائيل قادة عسكريين لـ”حزب الله” أدت إلى سقوط نجل النائب محمد رعد وقائد كتيبة “الرضوان”. ويلفت قهوجي إلى أن جبهة الجنوب لن تتغيّر، والتهديدات الكلامية من مسؤولي “الحزب” بإمكان توسّع الحرب، تأتي لتهدئة القواعد الشعبية والايحاء لها بأن المقاومة تقوم بواجبها في دعم غزة والقضية الفلسطينية، وهناك جهود ديبلوماسية كبيرة من الأميركيين والفرنسيين من جهة والايرانيين من جهة أخرى لتبقى الأمور تحت السيطرة.

لكن قهوجي يوضح أن “على الرغم من الضوابط في جبهة الجنوب، طالما هناك اشتباكات لا يمكن التأكيد أن الجبهة ستستمر على هذه المعادلة، وامكان الخطأ موجود دائماً للإنزلاق إلى مواجهة كبيرة، وخطر توسّع الحرب في لبنان يبقى قائماً”.

على صعيدي العراق وسوريا، فقد شهدت الجبهتين هجمات من مجموعات مسلحة سورية وعراقية مدعومة من إيران استهدفت قواعد للتحالف الدولي على خلفية الهجوم الاسرائيلي على قطاع غزة. فردت الولايات المتحدة بغارة جوية قصفت المقار العسكرية للفصائل المسلحة العراقية قرب كركوك، وأدى الهجوم إلى مقتل 5 مسلحين. لكن جبهتي سوريا والعراق تبقيان محدودتين في مستوى التصعيد، ويقتصر على ضربة مقابل ضربة حتى الآن.

لا شك في أن المستفيد الأول من توسّع الحرب هو بنيامين نتنياهو الذي يستمد استمراريته من تمديد أمد الحرب. ويشير قهوجي إلى أن “نتنياهو يبقى في السلطة طالما الحرب قائمة، وبالتالي يؤخّر يوم حسابه، وإذا انتهت الحرب لمصلحة اسرائيل، فسيخفف من المحاسبة الصارمة التي ستحصل على خلفية عملية 7 تشرين الأول، وبالتالي توسيع الحرب يخدم نتنياهو وحكومته، إلا أنها لا تخدم دولة اسرائيل وشعبها، لأنها كلّما طالت ستزداد مشكلاتها الاقتصادية، علماً أن الشعوب نفسها قصير على الحروب ولا سيما الشعوب في الدول الديموقراطية، ولا أحد يحبّذ الحروب المستمرة سوى الدول التي تقاتل بدماء شعوب غيرها مثل ايران”.

 

شارك المقال