ايران – اسرائيل… مَن يجر أميركا الى الحرب؟

أنطوني جعجع

الحوثيون يلعبون بالنار، وكذلك “حزب الله” بفرعيه اللبناني والعراقي، ويسهمون مع اسرائيل في جر أميركا الى الحرب.

هذا ما يُجمع عليه المحللون العسكريون في كل دائرة من دوائر العالم، محذرين من أن ما يجري في البحر الأحمر، يقترب من تجاوز الخط الأحمر، ويدنو من سحب ايران من وراء الكواليس الى الواجهة الفاضحة وبالتالي الى المواجهة المباشرة.

ويذهب هؤلاء في تحليلهم بعيداً الى حد التأكيد أن الخطوط الحمر خرقت أكثر من مرة وكذلك قواعد الاشتباك، وأن ما يمنع الحرب الاقليمية الشاملة، ليس انتفاء الأسباب والمبررات، بل غياب قرار ايراني حاسم حتى الآن بدخول الحرب، والحرص الأميركي في المقابل على تمرير هذه الأزمة المتشعبة بأكبر مقدار من التروي، في انتظار ما ينتهي اليه الهجوم البري الاسرائيلي في جنوب غزة.

والسؤال الذي يطرح نفسه في قوة: الى متى يمكن للايرانيين أن ينتظروا، قبل الضغط على الزناد، وهم يتفرجون على غزة التي تُقضم قطعة تلو قطعة وتقترب ولو ببطء، من قادة “حماس” وقواعدهم وأسلحتهم؟ والى متى يمكن للاسرائيليين أن ينتظروا، قبل التحرك عسكرياً خارج غزة، سواء ضد “حزب الله” في لبنان أو ضد الحوثيين في اليمن وهم يتفرجون على جيشهم وهو يخوض قتالاً استنزافياً دامياً لا تواقيت له؟ والى متى يمكن للأميركيين أن ينتظروا قبل اللجوء الى السلاح وهم يتفرجون على حليفهم الاسرائيلي وهو يعاني وحيداً في الداخل والخارج، وعلى المسيرات والصواريخ التي تستهدف قواعدهم العسكرية في العراق وسوريا من جهة وسفنهم الحربية في مياه الخليج من جهة أخرى؟

لكن أكثر ما يدفع في اتجاه الحرب الاقليمية الشاملة يكمن في عنصرين أساسيين: الأول أن تهديد الحوثيين بضرب الحركة البحرية التي تعبر البحر الأحمر في اتجاه الموانئ الاسرائيلية، كان بمثابة النقطة التي ملأت كوب التشنجات، ووضعت اسرائيل وأميركا وحلفاءها هذه المرة أمام خيار واحد لا مرادف له، هو القوة العسكرية، والعنصر الثاني أن ما يفعله “حزب الله” انطلاقاً من جنوب لبنان وما يفعله “حزب الله” العراقي في كل من دمشق وبغداد، وما يفعله الحوثيون انطلاقاً من اليمن السعيد، لا يمكن أن يتم من دون ضوء أخضر مباشر من ايران وغير مباشر من روسيا التي ترى في حرب غزة المخرج الذي نقل الضغط الأميركي والغربي عن جبهاتها واقتصادها وهيبتها الى الشرق الأوسط.

من هنا لا بد من أن تتقدم فرص الحرب على ما عداها من فرص أخرى، حتى لو لم يكن في نية ايران وأميركا معاً أن تفعلا ذلك، خصوصاً أن الأمر لا يمكن أن يبقى تحت السيطرة في كل الأوقات وعلى كل الجبهات، وأن الشرارة الأولى ربما تنتظر أي خطأ من أي نوع سواء وقع سهواً أو قصداً للانطلاق في حرب لا أحد يستطيع التكهن بنتائجها وتداعياتها.

والواقع، أن إسرائيل، على الرغم من التحديات التي تأتيها من غزة ولبنان وسوريا واليمن، تبدو الأكثر الحاحاً على تفجير حرب شاملة لا توفر أحداً، وذلك من خلال أمرين أساسيين: الأول ابلاغ الأميركيين أنها سترد عسكرياً على الحوثيين اذا هددوا مصالحها المبحرة في البحر الأحمر، وهو موقف تتوخى منه جر الأميركيين الى الرد عسكرياً وبالتالي الدخول في مواجهة مباشرة اما مع الجيش الايراني جواً واما مع أسطولها الحربي في مياه الخليج، والثاني وضع لبنان بجيشه وحكومته ومعهما قوات الأمم المتحدة في الجنوب أمام خيارين: اما التدخل لسحب “حزب الله” من خطوط النار وتطبيق القرار ١٧٠١ بالحسنى أو بالقوة، واما افساح الطريق أمام غزو عسكري ينجز هذه المهمة اذا استطاع، معتبرة ذلك بمثابة “إنذار أخير”.

وليست الضربات التي أصابت مواقع الجيش اللبناني و”اليونيفيل” اللذين يشكوان سراً من عمليات قصف تنطلق قرب مواقعهم، اضافة الى الاجتياح الطائر للأجواء اللبنانية من الناقورة حتى النهر الكبير الجنوبي، والتدمير الهائل الذي ألحقته الغارات الاسرائيلية ببعض البلدات والقرى، الا المشهد الذي تريد من المعنيين المباشرين أن يروه بالعين المجردة، بعدما تغاضوا عنه عبر الوسطاء الفرنسيين والأميركيين والقطريين.

وكشفت مصادر ديبلوماسية قريبة من حركة الوسطاء الذين يعملون على خط لبنان – اسرائيل، أن ايران، ومن خلال “حزب الله” لم تبدِ أي تجاوب في هذا المجال وآثرت اللعب على حافة الهاوية، مشترطة وقف اطلاق النار في غزة، وتخفيف الضغط العسكري عن “حماس” المحاصرة والمنهكة، “قبل البحث في أي هدن أو استراحات أو حلول سياسية”، وهو أمر رفضته تل أبيب المذلولة التي تبحث عن أي “نصر عسكري” يحفظ ماء الوجه من جهة، ويصون الهيبة الأميركية في المنطقة والعالم قبل انتخابات رئاسية تضع الرئيس جو بايدن حتى الآن في مقعد خلفي أمام منافسه وسلفه دونالد ترامب من جهة أخرى.

وأضافت المصادر: ان دول الخليج لا تبدو في موقف مريح، خصوصاً أن شظايا غزة بدأت بالاقتراب من أراضيها، مشيرة الى أن ما يفعله الحوثيون في البحر الأحمر لا يمكن أن يكون أمراً لا يعني هذه الدول وتحديداً المملكة العربية السعودية.

ولفتت من جهة أخرى الى أن المصالحة الايرانية – السعودية هي التي نقلت صواريخ الحوثيين نحو باب المندب واسرائيل، وهي التي منعت ايران من تهديد أمن الرياض مباشرة رداً آنذاك على مسار التطبيع المتدرج مع الدولة العبرية، ودفعت في اتجاه “طوفان الأقصى” وما تبعه من تطورات متسارعة ودراماتيكية، مشيرة الى أن طهران تبدو اليوم “محرجة” حيال هذه المصالحة التي أفقدتها ورقة ضغط أساسية كانت تمارسها على الرياض في زمن الحرب في اليمن.

ولا تخفي مصادر قريبة من طهران امتعاضها من المواقف الخليجية حيال ما يجري في غزة، لا سيما بعد اعتراض صواريخ حوثية عبرت أجواءها في طريقها الى ايلات، وهو اعتراض اعتبرته الرياض، في المجالس المغلقة، تدخلاً ايرانياً في كل ما يمس أمنها القومي وقرارها المستقل والحر، موضحة أنها تحاول في الواقع، انقاذ غزة قبل فوات الأوان من خلال حلول سياسية يجمع العالم على تبنيها لا بل فرضها مرغماً.

وهنا لا بد من سؤال بديهي، ماذا يمكن أن تفعل دول الخليج للحؤول دون تفجير حرب بحرية قبالة شواطئها وموانئها على البحر الأحمر، والى أي مدى يمكن أن تبقى بعيدة من صواريخ ومسيرات يطلقها الحوثيون في أكثر من اتجاه سواء كان أميركياً أو بريطانياً أو فرنسياً كما حدث في اليومين الأخيرين؟

وثمة سؤال آخر، الى أي مدى يمكن أن تسهم السعودية في اقناع ايران بضرورة ابقاء الممر المائي مفتوحاً لتجنب حرب مفتوحة؟

انه السؤال الذي يشغل العالم عموماً واللبنانيين خصوصاً، والسؤال الذي لا يمكن لأحد أن يسمعه في سلبياته وايجابيته وسط هذا الضجيج الذي يلف بيروت من الخط الأزرق الى البحر الأحمر.

وبعيداً من التكهنات والتحليلات والتأويلات، ثمة حقيقة لا يختلف عليها اثنان، وهي أن أحداً ما يحاول جر الأميركيين الى الحرب، وأن ما يجري بعد “طوفان الأقصى” وضع الجميع في الزاوية الصعبة، وجعل الخروج منها رهناً بواحد من شرطين: اما أن تبقى أميركا دولة عظمى واما أن تتحول ايران الى دولة عظمى، اذ ان العالم بعد اخماد “الحرب الباردة” لم يعد يحتمل أو يتقبل أو يتسع لأكثر من جبار واحد.

شارك المقال