مخاوف من ترحيل معارضين سوريين من لبنان إلى بلدهم؟

إسراء ديب
إسراء ديب

تُقلق الخطابات المتصاعدة أمنياً، سياسياً وإعلامياً ضدّ اللاجئين السوريين إلى لبنان، هؤلاء الذين أرهقتهم حرب استنزفت قواهم المادية والاجتماعية ودفعتهم إلى حال من “التشرّد” المستمرّ منذ العام 2011، وعلى الرّغم من “أحقّية” بعض الاجراءات الحكومية والأمنية القائمة على ضرورة ملاحقة المخالفين وتنفيذ العودة الطوعية للآلاف منهم لا سيما ممّن يتمكّن من الخروج من لبنان والعودة إليه بحرية من دون أن يمسّه خطر، إلا أنّ الحديث عن ترحيل معارضين سوريين أعلنوا انشقاقهم عن الجيش النّظامي أو أعلنوا معارضتهم له، يُعد أمراً خطيراً حذّرت منه الجمعيات الحقوقية والكثير من المعنيين، وذلك منعاً لتسليمهم إلى النظام السوري الذي لن يرحمهم قطعاً.

ومنذ ساعات، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي وكذلك مديرية الأمن العام اللبناني، بخبر يُشير إلى نيّة الأخيرة تسليم أحد المعارضين وهو محمّد عدنان عكيل (مواليد حمص، عام 1989) إلى المخابرات السورية “على الرّغم من ثبوت معارضته”، لكن ما لبث هذا القرار أن ألغي بعد ساعات عصيبة عاشها عكيل (الذي دخل خلسة إلى لبنان منذ أكثر من ثمانية أعوام)، بعد ضغط إعلاميّ وحقوقيّ غيّر مساره ليعود إلى منزله من جديد مع معارضيْن آخريْن كان من المفترض أن يتمّ ترحيلهما أيضاً صباح الخميس. 

تفاصيل الترحيل وعدمه

قرار الترحيل الذي كتب عنه المحامي محمّد صبلوح وهو مدير مركز “سيدار” للدراسات القانونيّة، كان قد أقلق عائلة هذا الشاب خصوصاً والده (وهو ضابط متقاعد ومعارض) الذي اتصل بصبلوح لابلاغه القرار الذي كان صادماً، الأمر الذي دفع الأخير إلى إجراء اتصالات والكتابة عبر مواقع التواصل، كمحاولة منه لمنع تنفيذ القرار التزاماً بمبادئ قانونية وإنسانية تمنع ترحيل المعارضين إلى سوريا من جديد ما يُشكّل خطراً على حياتهم، قد يصل إلى الاعدام أو الاختفاء على يدّ الضباط السوريين.

وفي تفاصيل هذا الملف، يؤكّد صبلوح أنّ عائلة هذا الشاب المسجون (لمدّة 8 أعوام في سجن رومية مبنى “ب” بتهمة عمله ممرضاً في مستشفى ميدانيّ في سوريا، وأخلي سبيله بكفالة قدرها 300 مليون ليرة لبنانية)، كانت قد أبلغت منذ ساعات ليلاً (8 مساءً تقريباً) خبراً يُؤكّد أنّ محمّد سيُسلّم (بعدما تمّ تحويله من السجن إلى الأمن العام) إلى المخابرات السورية صباحاً (قرابة السادسة من صباح يوم الخميس)، “علماً أنّ أوامر بمنع السفر كانت صدرت بحقه من المحكمة، وكنّا تواصلنا مع مفوّضية اللاجئين في الأمم المتحدة بخصوصه، لكن للأسف الوقت كان متأخراً في ساعات المساء، كما تواصلنا مع الأمن العام، فتلقّينا إجابة بأنّ قرار الترحيل قد اتخذ”.

ويُضيف صبلوح في حديثٍ لـ “لبنان الكبير”: “ندرك أنّ الأمن العام يتخذ إجراءات صارمة بحقّ اللاجئين في الآونة الأخيرة، لكن لا يُمكننا تسليم المعارضين، وبما أنّنا نواجه أيّ قضية مرتبطة باللجوء والمعارضين التزاماً منّا بالمواثيق القانونية، كنت قد تواصلت مع مكتب المدير العام للأمن العام بالانابة العميد الياس البيسري، وقيل انّنا تأخرنا كثيراً لأن القرار اتخذ ولا رجعة عنه، وكي لا أشعر بالتقصير كتبت عبر المواقع، فيما عمدت محامية عكيل وهي حسنى عبد الرضى إلى زيارته ليتضح فيما بعد أن لا قرار بالترحيل، وأنّهم قاموا بتأجيله، فصحيح أنّ محمّد كان موجوداً لدى الأمن العام – بيروت التي يعود له الحقّ في الترحيل، إلا أنّه ممنوع من السفر من جهة، كما أنّ سبيله أخلي ما يعني أنّ قرار الترحيل مخالف للقانون من جهة ثانية، فإخلاء سبيل يعني أنّه قيد المحاكمة فقط، لذلك بلّغت المفوّضية بكلّ هذه الأمور، وكانت ستقوم بدورها بمراسلة الأمن العام لمنع الترحيل وليس التأجيل فحسب”. وبعد ساعات من الرعب، عاد عكيل إلى منزله مع آخرين، ووفق مقرّب منه، فإنّ قرار الترحيل كان نافذاً، “حتّى أنّ أمنيين كانوا يُريدون منه أن يبصم على ورقة ولم يفعل، فهدّده أحدهم بإعادته إلى سوريا بالقوّة، وفي اليوم التالي صدر قرار بعدم ترحيلهم، الأمر الذي يُنذر بتخوّف على آخرين تمّ ترحيلهم بهذه الطريقة”.

من هنا، يرى صبلوح أنّ الأمنيين أعرضوا عن فكرة الترحيل بعد الضغط، منبّهاً على وجود ترحيلات عشوائية تتمّ بحجّة موافقة المفوّضية عليها والتي لا تُدقّق بدورها في الملفات والداتا المطلوبة حكومياً والتي لا تنفذ في الوقت عينه، “لذلك ومنعاً للثغرات، نطالب بخطّ ساخن من الأمن العام يقي المعارضين أو المهاجرين غير الشرعيين من أيّ انتهاكات خاطئة وعشوائية من أيّ ضابط، كما قمنا بتسخير خط ساخن للخدمة منذ السادسة صباحاً لغاية 12 ليلاً لهذه الغاية وهو: 81490607”.

ويختم قائلاً: “لن يكذب المسجون عند اتصاله بأهله لابلاغهم أنّه سيُرحّل، إذْ سيكون الى جانبه أحد العناصر الأمنية عند الاتصال، وبالتالي إنّ لبنان الذي وقّع على اتفاقية مناهضة التعذيب بمادته الثالثة التي تمنع ترحيل أيّ شخص قد يتعرّض للتعذيب من أرضه، يبقى ملزماً بتنفيذها بعد تعهّده بذلك”.

حوادث متكرّرة

تلفت معطيات “لبنان الكبير” إلى أنّ اللواء البيسري متعاون جداً في هذا الملف، لكنّ القلق “الحقوقي” مصدره تعامل بعض الضباط معه، لذلك يصرّ البعض على أهمّية فرض الرقابة على الجميع، خصوصاً وأنّ متابعاً يُشدّد لـ”لبنان الكبير” على أنّ حوادث الترحيل لمعارضين باتت تتكرّر بصورة غير مباشرة.

ويقول: “بعدما أصرّ الجيش في وقتٍ سابق على ترحيل بعض اللاجئين عبر الحدود، (مع العلم أنّها لم تكن من ضمن مهمّاته) وتسليمهم الى الفرقة الرابعة التي لم تُعدهم إلّا بدفع الأموال، نذكّر بقضيتين لا بدّ من الحديث عنهما:

الأولى تكمن في أنّ الأمن اللبناني قام في شهر أيّار 2023 باعتقال سبعة لاجئين وتسليمهم الى مخابرات الجيش السوري بينهم عنصر منشق عن الجيش (من دون تحديد رتبته)، بحيث جرى تسليم المعتقلين عبر معبر المصنع (بينهم مطلوبون للخدمة العسكرية، من دخلوا إلى لبنان خلسة، ومن انشقّ عن الجيش)، حينها قال لاجئون لمنظمة العفو الدوليّة إنّهم لم يُمنحوا فرصة للتحدّث إلى محامٍ أو المفوضيّة، وحُرموا من الحقّ في الاعتراض على ترحيلهم والدفاع عن حقّهم في الحماية، فيما قال آخرون وهم مسجّلون لدى المفوضيّة منذ 2012، إنّ الجيش اللبناني اقتاد المرحّلين إلى الحدود وسلّمهم مباشرة إلى السلطات السوريّة، بعضهم اعتُقلوا أو اختفوا بعد عودتهم إلى سوريا”.

ويضيف: “أمّا القضية الثانية، فحصلت منذ فترة وجيزة مع احتجاز سورية (تعيش في عرسال) وابنتها (تعيش في القبة طرابلس)، من دون إشارة قانونية لدى معلومات الأمن العام – بيروت، واستمرّ التوقيف شهرين وأكثر، مع العلم أنّ الموقوف يُحوّل بعد أربعة أيام إلى القضاء كمدان ليتمّ التحقيق معه أو يُخلى سبيله، وبعد الحديث المتكرّر والضغط الاعلامي أخلي سبيلهما، مع أكثر من ثلاث عائلات في اليوم عينه”.

وحسب المعطيات القضائية، فإنّ عكيل الذي أوقفه الأمن العام في 5 شباط 2016، تبيّن لدى التحقيق الأوّلي معه: أنّه جنديّ منشقّ عن الجيش السوري، ممرّض في أحد المستشفيات الميدانية التابعة للمجموعات المسلّحة (يُقال انّها جبهة “النّصرة”)، دخل عرسال خلسة وأقام في مخيّم إبراهيم عزّ الدّين قبل سقوط يبرود بيدّ الجيش السوري. كما ورد اسمه كأحد المتهمين بالهجوم على مراكز الجيش في عرسال، والمشاركين في اتخاذ قرار إعدام العسكريين الشهيدين محمد حمية وعلي البزال “لكن لو أثبتت التهمة عليه، لما أخلت المحكمة العسكرية سبيله”.

شارك المقال