مصير المنطقة من مصير غزة

لينا دوغان
لينا دوغان

هي السناريوهات العديدة التي يتحدث عنها كثيرون وغزة تحت القصف، هي أجندة المنطقة الجديدة كما يقولون أيضاً، هي المرحلة التي سترسم معالم مستقبل المنطقة كما يتوقعون، وغزة تحت القصف.

غزة لم تهدأ حربها حتى الساعة أو اذا صح القول لم يُشفَ غليل بنيامين نتنياهو حتى وهو يقتل المئات كل يوم، ولم ولن يهدأ له بال حتى يحقق ما يطمح اليه أو على الأقل لحفظ ماء الوجه أمام شعبه والعالم، بعد الخرق الكبير الذي أحدثه “طوفان الأقصى” في أجهزته كافة، إن كانت الأمنية أو الاستخباراتية.

ومع استمرار العمليات العسكرية الاسرائيلية على غزة، والدعم الأميركي لها، الا أن الحديث بدأ من الطرف الأميركي عن موعد لانتهاء الحرب، وهنا برز خلاف بين الأخير وإسرائيل حول هذا الموعد، والفجوة هنا بين إدارة جو بايدن والحكومة الاسرائيلية بدأت تظهر الى العلن، إذ إن الولايات المتحدة ستكون راضية إذا أنهت إسرائيل المرحلة العالية الكثافة من العملية بحلول نهاية كانون الأول، بينما تفضّل تل أبيب أن يكون الموعد في نهاية كانون الثاني.

وعلى الرغم من المحاولات الأميركية الضاغطة باتجاه اسرائيل، ومن أن استمرار هذه الحرب أصبح ضاغطاً على الادارة الأميركية، الا أن نتنياهو يؤكد أن العملية العسكرية في غزة ستتواصل بعد حصوله على ما سمّاه “تفويضاً شعبياً”، ويشدد على مواصلة الحرب حتى تحقيق كامل الأهداف، وتفكيك “حماس”، وإعادة جميع المختطفين، وجعل غزة مكاناً لن يعود ليشكل تهديداً لاسرائيل.

يعتبر كثيرون أن النقاش في أي سيناريو للمنطقة بعد غزة هو نقاش عقيم اذا لم يتوقف القتال، الا أن كثيرين أيضاً بدأوا بالحديث عن عدة سيناريوهات وكذلك التحليل والقراءة في تفاصيلها.

في ما خص غزة بعد الحرب، تتمسك تل أبيب برفض تسيير السلطة الفلسطينية للقطاع، فيما تقترح واشنطن إقامة سلطة جديدة تضطلع بتسيير شؤونه. كما أن المقترحات التي أعلنتها حكومة نتنياهو لم تلقَ ترحيباً أو موافقة من حلفائها الأساسيين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، فضلاً عن الموقف الرافض للدول العربية الفاعلة بصورة مباشرة في الملف وعلى رأسها الأردن ومصر.

هنا تصح مقولة ما قبل السابع من تشرين الأول لا يشبه ما بعده، وأن المنطقة مقبلة على أحداث وتطورات سياسية كبيرة تجعل كل الأطراف المتأثرة بالقضية الفلسطينية يقظة ومتوجسة ومتخوفة، إضافة الى أن أحداث غزة سوف تعيد تشكيل الشرق الأوسط مستقبلاً، وفقاً لقواعد الصراع بين المشاريع الكبرى في المنطقة، المشروع الأميركي – الغربي – الاسرائيلي، والمشروع الايراني والمشروع التركي، ومع أن أحداً لا يمكنه التكهن بنتائج الحرب وإن كانت اسرائيل مدعومة بصورة غير محدودة وغير مشروطة من الجانبين الأميركي والغربي، ينقسم المشهد هنا الى جزءين، بين من يقرأ ويحلل في حال ربحت اسرائيل أو في حال ربحت “حماس”، فالانتصار الذي تريده إسرائيل هو اجتثاث الحركة نهائياً وجعل غزة منزوعة السلاح واسترداد الأسرى، وأي حديث عن بقاء “حماس” أو بقاء السلاح في غزة والتفاوض على الأسرى يعني بالنسبة الى اسرائيل هزيمة، أما بقاء المقاومة وقيادة المقاومة وسلاح المقاومة وبقاء الأسرى تحت يد المقاومة فستمثل فشلاً وهزيمة للحملة الاسرائيلية، لأن كل ما هو غير إزالة المقاومة وسلاحها انتصار فلسطيني.

في المحصلة، سينتج عن انتصار اسرائيل تراجع المشروع الايراني في المنطقة وتراجع ما يسمى محور المقاومة وتقدم المشروع الأميركي – الغربي – الاسرائيلي وتفوقه، وإعادة المشروع التركي إلى مربع التفاهمات مع المشروع الأميركي – الاسرائيلي. أما بانتصار المقاومة فالمشهد السياسي في المنطقة سيكون مختلفاً تماماً، وستكون هناك إعادة ترتيب الشرق الأوسط وصعود أقوى لإيران في كثير من ملفات المنطقة، ما سوف يخلق تفاهمات عربية إيرانية وتمدد التيار المعادي للمشروع الأميركي، مع احتمال تقارب تركي – إيراني أكبر تدعمه روسيا، الأمر الذي سيعزز مكانة الأخيرة ونفوذها في المنطقة، ناهيك عن تأثيرات انتصار أحد الطرفين على الغزاويين ووضع كل من السلطة الفلسطينية و”حماس” في غزة، وأيضاً فرض الشروط الاسرائيلية على أهل غزة خصوصاً في ما خص موضوع التهجير.

لم تضع الحرب أوزارها بعد، ولا يعرف أحد تحديد ما ستؤول اليه الأمور، لكن هناك أطرافاً لا تزال تعمل على التهدئة، ومن أبرزها السعودية التي تعتبر أن القضية الفلسطينية سترمي بثقلها على المباحثات السعودية – الأميركية المستقبلية، كما أنها تربط الاعتراف بالوضع القائم في فلسطين بالتحرك على الأرض تجاه الفلسطينيين ومنحهم حقوقهم في اقامة دولة فلسطينية.

كل هذه التفسيرات التي توضع لنهاية حرب غزة، ستتلخص على الأرجح في تسوية تعمل عليها كل الأطراف الحليفة والمتخاصمة في آن، تصل الى “لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم” ليجلس كل من أتى بالحل حول طاولة المفاوضات.

شارك المقال